قدمت واشنطن عرضاً جديداً لتجاوز تعثر اتفاق مع انقرة، سيتيح نشر قوات اميركية في الأراضي التركية، تمهيداً لعبورها الى شمال العراق، لدى بدء العمليات العسكرية. وكشفت ل"الحياة" مصادر قريبة من رئيس الوزراء التركي عبدالله غل انه سعى الى توجيه رسالة الى بغداد، تحضها على اتخاذ مبادرة سريعة لتفادي الحرب. واكدت المصادر وجود خلاف بين غل وزعيم الحزب الحاكم في تركيا رجب طيب أردوغان، مشيرة الى ان الأخير يميل الى تأييد السيناريو الأميركي، بعد كسب موافقة واشنطن على أعلى سقف من مطالب انقرة. كشفت مصادر أميركية في أنقرة تفاصيل عرض اميركي جديد لإقناع الحكومة التركية باستصدار قرار من البرلمان، يتيح نشر قوات أميركية في تركيا وشمال العراق، بعدما رفضت حكومة عبدالله غل العرض الأول. وتفيد معلومات "الحياة" ان واشنطن عززت في عرضها الجديد الدعم الماليلأنقرة، فطرحت زيادة الهبة المالية من 3 الى 4 بلايين دولار، في مقابل خفض ما سيلغى من ديون عسكرية تركية مستحقة للولايات المتحدة من 3 بلايين الى بليوني دولار. وعرضت واشنطن هذه المرة تخصيص بليوني دولار سنوياً من العائدات النفطية العراقيةلتركيا. ويعد العرض الأميركي الجديد بمعاودة النظر في الدعم الماليلأنقرة بعد ستة شهور من العمل العسكري ضد العراق، ويتضمن ايضاً وعوداً بإعفاء المنتوجات الجلدية التركية من الجمارك في الأسواق الاميركية، على ان يشمل ذلك المنتوجات التركية التي تصنع في المناطق الصناعية الحديثة التي تشارك فيها اسرائيل. الى ذلك، وافقت الادارة الاميركية على دخول الجيش التركي شمال العراق من دون اذن من القيادة العسكرية الاميركية، وبذلك فإن القوات التركية والاميركية التي ستدخل الشمال ستعمل في شكل منفصل، ولكل منها قيادة على ان يتم التنسيق من خلال القيادة الاميركية العامة في قطر وديار بكر. ونقل العرض الجديد السفير الاميركي ريتشارد بيرسون الى مستشار وزارة الخارجية التركية اوغور زيال الذي ابلغ العرض الى مجلس الوزراء التركي، للحصول على رد رسمي بأسرع وقت. واكد السفير عدم التوصل الى اتفاق بعد بين انقرةوواشنطن، لكنه ابدى تفاؤلاً بتفاهم قريب لأن "الوقت يضيق". كما اشار بيرسون الى ان وفداً من الكونغرس سيصل الى تركيا خلال اليومين المقبلين ليؤكد عزم الكونغرس على اقرار العرض، من اجل طمأنة تركيا التي اشترطت تعهداً خطياً من الادارة الاميركية لضمان وفائها وعودها. وابدى وزراء أتراك، على رأسهم غل تحفظهم عن العرض الجديد، خصوصاً ما يتعلق بالشق الاقتصادي منه، باعتبار ان الدعم المالي بقي كما هو 6 بلايين دولار. وتركز الانزعاج من الطرح الاميركي على اقتطاع بليوني دولار سنوياً من العائدات النفطية العراقية، باعتبار أنه لا يحق لواشنطن تحديد مستقبل العراق وموازنته. لكن حكومة غل أبدت رضا عن الطرح العسكري الجديد لقيادة القوات الاميركية والتركية في شمال العراق، فيما ابلغت أطراف كردية "الحياة" انزعاجها من هذا الطرح، واكدت رفضها تدخل الجيش التركي أو قوى اقليمية في شمال العراق. وكان رجب طيب أردوغان زعيم "حزب العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا حذر واشنطن الثلثاء من احتمال سحب انقرة دعمها المحتمل للعمل العسكري ضد العراق في حال لم تعدل الادارة الاميركية عرضها المالي والعسكري والسياسي، مؤكداً ان أنقرة لن تقبل ما تفرضه الولاياتالمتحدة، وان كانت تواجه أزمة اقتصادية. ويرى مراقبون ان الحكومة التركية تدرك أهمية مساعدتها العمل العسكري ضد العراق، لذلك تسعى الى الحصول على أفضل العروض والشروط للتعاون مع واشنطن، بما في ذلك دعم مالي كبير لتجاوز خسائر الحرب والأزمة الاقتصادية المحتملة، واتفاق لدخول الجيش التركي بحرية شمال العراق للقضاء على فلول حزب العمال الكردستاني، وضبط الوضع الأمني والسياسي هناك، فضلاً عن اتفاق سياسي يطاول مستقبل العراق، خصوصاً الأكراد والتركمان في هذا البلد، وهو ما أشار اليه اردوغان، حين اكد ان تركيا لن ترهن حاضرها ومستقبلها لضغوط اقتصادية أياً يكن الثمن، كما تطلب انقرة دعماً سياسياً في حل القضية القبرصية. مقربون الى عبدالله غل اكدوا ل"الحياة" وجود خلاف بين اردوغان وغل، في الحزب، اذ يميل الأول الى المضي في السيناريو الاميركي بعد الحصول على الحد الأكبر من المطالب التركية، فيما يسعى رئيس الوزراء الى كسب الوقت، على أمل ان تبادر الحكومة العراقية الى خطوة مهمة طلبها غل، وهي الدعوة الى مصالحة وطنية في العراق والاعتراف بوجود المعارضة ومشاركتها السلطة، باعتبار ان هذه الخطوة هي التي قد تمنع الحرب، وتخدم المصالح التركية بإنهاء الوضع القائم في شمال العراق. ولفتت المصادر الى ان غل يأمل بأن تسارع بغداد الى هذه المبادرة، ويحذر من ان تأخيرها لما بعد دخول الجنود الاميركيين الاراضي التركية، سيعني ان الوقت فات، ولن تكون هناك عودة عن العمل العسكري، ولو تنحى صدام. وتشير المصادر الى ان رسالة غل حاول ايصالها الى بغداد عبر قنوات خاصة، خلال الأيام القليلة الماضية. وفي سياق آخر، أشارت المصادر ذاتها الى استياء الحكومة التركية من الموقف العربي، وعدم التفات البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب الى مؤتمر اسطنبول الوزاري، الذي شاركت فيه أربع دول عربية، على رغم وعود عربية بدعوة تركيا الى اجتماع القاهرة كمراقب، أو على الأقل دعم البيان في جهود أنقرة للتوصل الى حل سلمي للأزمة العراقية.