لا فارق في مضمون التصريحات الأميركية بين أن تكون مع أميركا أو مع الإرهاب، وبين عدم رهن التحرك العسكري الأميركي ضد العراق بتوافر أدلة على وجود أسلحة دمار. فالخيار قائم من منطلق القوة وليس الاقناع. تماماً مثل السجين الذي ينتظر تنفيذ الحكم بالإعدام. ولا أحد يهتم إن كانت الإدانة استندت إلى أدلة وجريمة، فقط هناك لحظة انتظار التنفيذ. بل ان ما تراه واشنطن تهديداً لمصالحها أو ما تروجه بهذا المعنى يختزل وقائع الإدانة، علماً بأن الإدارة الأميركية تمنح نفسها صلاحيات أن تكون المدعي العام والقاضي الذي يصدر الحكم والقوة التي تنفذه في الوقت نفسه. في تشخيص الشر، أن أميركا تربطه دائماً بالرجل الواحد كي يسهل التخلص منه. ففي هجمات أيلول سبتمبر كان اسمه أسامة بن لادن، وقبل ذلك كانت صورة الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي تعزز الايحاء بوجود عدو، وهي اليوم تبدو مختزلة في الرئيس العراقي صدام حسين. ولا من يستطيع أن يجزم بما سيكون عليه الوضع لاحقاً. فصنع الأبطال يحتاج في المرجعية الأميركية دائماً إلى صنع أعداء، وإن كان العالم المتحضر لا يعوزه الخيال في ادراك الإعداء الحقيقيين للسلم والإنسانية والاستقرار. لكن الأكيد أن قضايا الكبرياء والكرامة والقومية ليست مصطلحات في إمكانها أن توقف التيار الأميركي المتشدد. وكان يجب قبل ذلك البحث في المسوغات التي تحول الصداقة إلى عداوة. ففي أقل من عقد واحد انتقلت العلاقة الأميركية - العراقية إلى أقصى درجات العداوة، وزاد في ذلك أن الاعتقاد بأن العراق يمثل خطراً استند إلى نزوة النظام في غزوه الكويت التي كانت من أكبر خطايا العصر. في مقابل، أن القرار الأميركي الذي تغذيه إسرائيل لن يسمح بوجود "اقليمية عربية" تتوازى مع إسرائيل. ولم تكن سياسة الاحتواء الأميركي للعراق وإيران إلا الترجمة الملموسة لخطة تقويض أي نظام تنزعج منه إسرائيل. وخطأ العراق المتكرر أنه لم يدرك في أي فترة أن أميركا اتخذته عدواً. وربما أنه لم يدرج في حساباته أن نهاية الحرب الباردة ستكون أسوأ احتمال يدفعه لأن يصنف وفق القرار الأميركي في قائمة الأنظمة السيئة. يصعب على أي إدارة أميركية أن تتدخل لتغيير أنماط حياة الأميركيين، في الإمكان التركيز على قضايا النمو الاقتصادي والضرائب ومحاور السياسة الداخلية. لكن الأكثر اغراء يصبح التدخل في تغيير الخارج، وكما ان نهاية الحرب الباردة شكلت انتصاراً للأميركيين، فإن الرغبة في استثمار نتائج الحرب في أفغانستان يدفع في اتجاه إطاحة نظام الرئيس العراقي صدام حسين. وليس مصادفة أن البحث في وجود أي علاقة للعراق بتنظيم "القاعدة" أصبح هاجساً، إذ طالما أن صدام حسين لا يمكن أن يتوارى بعيداً مثل أسامة بن لادن، فإن اقتناص نظامه يخفف من نقمة الأميركيين على هجمات 11 أيلول. وما حدث ان مخططي الاستراتيجيات الأميركية للقرن الراهن عاودوا استخراج مشروعات من رفوف تلك المخططات، وأقربها خطة مشروع القرى الجديد المستند إلى تطوير أداء الجيش الأميركي وترفيع الموازنة العسكرية وإحكام السيطرة في مناطق النفوذ، وخوض أكثر من حرب واحدة على واجهات عدة. اللافت ان هذه المخططات سبقت حادث الهجمات الإرهابية، لكن بدا في مقابلها ان الطرف الآخر، وليكن العراق أو غيره، تعوزه إمكانات أن يمنع مخططات ليس أكثرها صعوبة نزع ذرائع أي تدخل وبناء حياة ديموقراطية تبعث الآمال. فالنقمة من الداخل تكون أشرس حين تلتقي مع أهداف الخارج.