لا شيء أسوأ في السياسة من تبريرها. والرئيس الأميركي جورج بوش ضرب رقماً قياسياً في البحث عن مبررات تقنع بضرورة ضرب العراق. والحال أن جورج بوش الأب لم يجد صعوبات في تشكيل التحالف الدولي ضد العراق إثر غزوه الكويت، إذ أن الهدف كان واضحاً لجهة انهاء الاحتلال العراقي. بيد أن ما يعوز بوش الابن هو الاقناع بأن التاريخ دقيق إلى درجة تكرار أحداثه. لذلك سيحتاج في كل مرة إلى البحث عن مبررات لضرب العراق، تارة بدعوى العزم على امتلاك أسلحة دمار شامل، وأخرى بدعوى إطاحة النظام، وثالثة بحثاً عن استقرار مفقود في المنطقة. لكن الأمر لا يعدو أن يكون تمارين في حرب نفسية تقوم على الخداع، وربما كان الموقف الأميركي من دول عربية من قبيل التحامل على الذين لا يريدون أن ينخدعوا، لسبب بسيط هو أن مصدر التهديد ليس العراق بل إسرائيل التي حولت البيت الأبيض إلى مقاطعة تحكم من خارج أميركا. فمن يريد ضرب العراق هذه المرة ليس واشنطن، بل إسرائيل التي تريد اخفاء جرائمها في حق الشعب الفلسطيني، تماماً كمن يريد اخفاء دليل الجريمة عبر امساكه باليد، يقيناً منه أن الناس لا ترى. كان أحد الحكماء القدامى يردد بعد انتهاء المعركة "في حال انتصار آخر بهذا الزخم سنهلك"، وربما كانت مشكلة أميركا أنها لم تعد تعرف ماذا تصنع بانتصاراتها في حرب الخليج الثانية وفي حرب أفغانستان، وطالما أن مفهومها للحرب يقوم على مبدأ الخير والشر، فإن الشيطان، كما هو متداول، لا ينفك يغل الإنسان بحضه على فعل الأحسن كي يتعب. ولا أحد طلب من واشنطن أن تفعل الأحسن بضرب العراق غير إسرائيل. لا حسنات في أي حرب لأنها تدميرية. والفرق بين الحرب ضد العراق مطلع التسعينات والتلويح بالضربة العسكرية الآن، ان العالم الذي تشكل على خلفية انهيار المعسكر الشرقي وإقرار وفاق صوري في العلاقات الدولية، لم يقد إلى بلورة مفهوم عادل للنظام الدولي الجديد. إذ نجح جورج بوش الأب في إبعاد مقولة الربط بين العراق وأزمة الشرق الأوسط، لكنه اذعن لمطالبات بالبدء بمفاوضات السلام من خلال مؤتمر مدريد، وما يسعى إليه جورج بوش الابن هو تحقيق الانفصام بين القضيتين... تماماً مثل محام يرافع في غير القضية الموكولة إليه. ولكن، من يقول إن الفلسطينيين ليسوا على صواب في انهاء احتلال أراضيهم، لا يمكن أن نتوقع منه غير المزيد من التبريرات التي تحول الخطأ إلى خطيئة.