ينشغل العالم في مختلف أرجاء الكرة الأرضية هذه الأيام بقضية محورية اسمها العراق، والتظاهرات العالمية العارمة ضد الحرب على العراق خير دليل، وصارت هذه القضية الشغل الشاغل للمجتمعات والمنظمات والسياسيين والعسكريين، وصار العراق معروفاً للقارئ والأمي وللعالم والجاهل لأنه قرن باسم الرئيس الأميركي بوش الذي هو أشهر من نار على علم، فهو رئيس أكبر دولة في العالم اقتصادياً وعلمياً وتقنياً وعسكرياً، وهو الرئيس الأميركي الذي ظهر في عهده واضحاً التطبيق العملي لثمرة النظام العالمي الجديد. وهكذا تحولنا نحن العراقيون شئنا أم أبينا الى قضية تشغل العالم وفي شكلين متناقضين. فالبعض مشغول بمعرفة الكيفية التي يدافع بها عنا ويدفع خطر الكوارث القادمة. والبعض الآخر في حركة دائمة لاستهلاك الزمن حتى يصل الى ثانية الصفر ليكتسحوا أهلنا ويدمروهم ويحولوا دجلة الى نهر من الدماء والجثث من أجل أن يزيحوا مجرماً أو لصاً ومزوراً عن الحكم، ومن أجل أن يدمروا أسلحة الدمار الشامل كما يدعون. فهذه شعوب الأرض، في شرقها وغربها وشمالها وجنوبها، تعبر عن تفاعلها الكامل مع الشعب العراقي بخروجها المتكرر الى الشوارع والساحات منددة بما يمكن أن يصيبه من ويلات وكوارث انسانية واجتماعية وصحية واقتصادية من جراء ما ينتظره من حال مجهولة، المعروف منها حرب طاحنة تبيتها له الإدارة الأميركية بتحريض أو تبعية بريطانية وتصفيق وفرح من بعض أطراف المعارضة العراقية وبمشاركة فاعلة تكسر الظهر من بعض اخوتنا العرب. وتتحمل هذه الشعوب أحياناً مضايقات الشرطة أو هراواتها أو غازاتها المسيلة للدموع أو الماء الحار ولا تثني عزيمتها على اكمال مسيراتها للتعبير عن رأيها. وهذه هي الروح الإنسانية وأخوّة الشعوب إذا تجاوزت جلاديها وحكامها. فشعوب الأرض، في النهاية كما في البداية، شعب واحد يشترك في المعاناة ويدافع عن الحق ويدفع الظلم. وكل الشعوب تنادي بخطورة الحرب على بلادي. فأين المعارضة العراقية من كل هذا؟ والمسؤولون السياسيون في العالم، رؤساء دول ووزارات وأحزاب في الدول القريبة والبعيدة يجتمعون وليس هنالك حديث مشترك بين كل اجتماعاتهم إلا حديث العراق. وحتى الفضائيات بتقاريرها ومراسيلها ومصوريها لا تعتبر نفسها أنجزت عملاً إذا لم يكن في نشراتها خبر عن العراق. الكل مشغول بالعراق ابتداء من جورج دبليو بوش أكبر رئيس في العالم بالسطوة وانتهاء برؤساء الدول الأوروبية حديثة الإنشاء والولادة وابتداء من أكبر منظمة عالمية، وأعلى سلطة فيها، مجلس الأمن، وانتهاء بأقل المنظمات الاقليمية اهتماماً بالقضية العراقية وأبعدها عنها، أقصد الجامعة العربية. وابتداء من لندن وموسكو الى سدني وتقاطعا مع الخط الواصل بين واشنطن وطوكيو. وابتداء بالمسيحيين في أوروبا والأميركتين واستراليا الى البوذيين في شرق آسيا مروراً بالمسلمين في أصقاع الأرض والملحدين بخالقها... لكنني لم أسمع أن حزباً أو حركة أو كتلة أو تجمعاً من المعارضة العراقية خرج الى الشوارع والساحات معبراً عن رفضه لضرب شعبه. فأين هي المعارضة العراقية في الخارج ولماذا لا تقوم الأحزاب الكردية بقيادة أو تنظيم مسيرات في أرض الوطن للتعبير عن رأي الشعب الذي يرفض أن ترميه الأطراف المتنازعة على الكراسي والمصالح، من أهل الداخل والخارج، في نار الحرب أو بين قطبي الرحى. إن شعبنا العراقي المسكين المغلوب على أمره هو المعني بالأمر وعلى المعارضة أن تكون معبرة عن رأيه وطموحاته فهل يليق سكوتها بحالها وادعائها أنها تمثل الشعب العراقي. لكن التحقيق والتحليل العقلي للمسألة يخرج لنا الاحتمالات التالية رداً على هذه التساؤلات: 1 - اما ان الشعب العراقي راض بالضربة ومشتاق لها والمعارضة تعبر عنه فلذلك هي لا تتظاهر ضدها. وهذا أمر غير وارد لا واقعاً ولا عقلاً. 2 - أو أن المعارضة لا تعبر عن رأي الشعب ولا تمثله وإنما لها مصالح خاصة تتعلق بكراسي الحكم لمرحلة ما بعد صدام وأنها قبل هذه المرحلة لا علاقة لها بالشعب. 3 - أو أنها ليست ذات جذور وغير قادرة على جمع أعداد من المتظاهرين الذين يمكن أن يملأوا الشوارع والساحات لأنها ليست أكثر من تشكيلات اسمية ولأعداد محسوبة بسهولة لا أكثر. 4 - أو أنها ترفض الضربة الأميركية ولكنها تعتقد بعدم أهمية التظاهرات وعدم وجود نفع فيها وكذلك عدم وجود سبب يدعو لها وهذا جهل بالنضال والعمل السياسي والإعلامي والتنظيمي. 5 - أو أنها ترفض الضربة الأميركية - البريطانية وهي تعبر عن طموحات الشعب وتمثله وتمتد جذورها الى الداخل ولكنها تخاف من أميركا أو تسعى الى كسب ودها عسى أن تنال شيئاً من المساعدات أو عدداً من المقاعد والمناصب والمسؤوليات في عراق ما بعد صدام الذي تريد أميركا اقامته، فهي إذاً تناقض أسسها وقواعدها وجذورها وتمثيلها للشعب فتكون وضعت نفسها في الصف المعادي له. نعم... إن المعارضة العراقية عانت من النظام وأنها عبرت عن الشق الأول من المطالب الوطنية، وبكل قوة وتفصيل وبطموح كبير، وهو الدعوة الى ضرورة التغيير نحو الديموقراطية والتعددية والحرية. ولكن المطلوب منها في هذه المرحلة الحرجة أن تعبر بالقوة نفسها عن الشق الثاني من المطالب الوطنية وهو رفض الضربة الأميركية لشعبنا المسكين. وهما مطلبان متلازمان لا يمكن أن نفصل بينهما أبداً فلا يجوز ان نطالب بالديموقراطية ونقبل الضربة ولا يجوز أن نرفض الضربة ونترك المطالبة بالديموقراطية والتعددية والحرية وهذه هي الوطنية الخالصة وهي ما يطلبه شعبنا. فأين المعارضة العراقية من كل ما يجرى حول القضية العراقية؟ * الأمين العام لجبهة القوى الإسلامية والوطنية في العراق.