"لا تبك على تاجر راح ماله…ابك على تاجر وقف حاله". بهذه العبارة البليغة لخص فؤاد السمنة المأساة الناشئة التي يحياها عشرات الصناعيين والمهنيين والفنيين وعائلاتهم في اعقاب تدمير مصانعهم وورشهم ومحالهم التجارية في قطاع غزة. ويعتقد السمنة رئيس اتحاد الصناعات الهندسية والمعدنية، وأحد مالكي "شركة البيان لتصنيع المعادن" ان خسارة أي شركة او رجل اعمال او تاجر اقل مأسوية من توقفه تماماً عن العمل لأي سبب كان، فما بالك ان كان السبب التدمير الكلي للورشة أو المنشأة وأحياناً كثيرة المنزل معها. ومنذ ارتكبت قوات الاحتلال الاسرائيلي مجزرتها الجديدة في حق الانسان والصناعة الفلسطينية ليل الخامس والعشرين - السادس والعشرين من الشهر الماضي، والسمنة لا ينفك يعقد الاجتماعات مع المسؤولين ومن ثم مع المتضررين ووضع برامج لتنظيم الاحتجاجات والفعاليات الهادفة الى ايصال صوتهم ومعاناتهم الى كل مكان. وكانت قوات الاحتلال اجتاحت احياء الزيتون وعسقولة والشجاعية وارتكبت مجزرة راح ضحيتها 13 شاباً، ودمرت خلالها عددا من الورش والمحال التجارية والمنازل. وكان الهجوم واحداً من سلسلة هجمات شنتها قوات الاحتلال ضد الاقتصاد الفلسطيني، تضاعفت حدتها وتكثفت خلال الاشهر الاخيرة من عمر الانتفاضة. وقال السمنة ل"الحياة" ان قوات الاحتلال دمرت 60 ورشة ومصنعاً في قطاع غزة منذ اندلاع الانتفاضة اواخر ايلول سبتمبر 2000، كان تدمير نحو 80 في المئة منها تدميراً شاملاً و20 في المئة تدميراً جزئياً. وقدر السمنة قيمة الخسائر المباشرة لهذه المصانع والورش بنحو 23 مليون دولار، في حين تبلغ قيمة الخسائر غير المباشرة، وهي الأهم من وجهه نظره، نحو 80 في المئة من قيمة الخسائر المباشرة. وأشار الى ان نحو الفي عامل يعملون في قطاع الصناعات الهندسية والمعدنية في القطاع وهو قطاع صغير قياسا بالقطاعات الزراعية او التجارية او الخياطة، لافتاً إلى ان هؤلاء يعيلون نحو 20 ألف فرد. ومنذ احتلال اسرائيل للضفة والقطاع عام 1967، حاولت الدولة العبرية دائما ان تفتعل أسباباً لتبرير تدمير أي قطاع صناعي او زراعي فلسطيني. وسبق ان دمرت اسرائيل قطاع زراعة الحمضيات، الذي تشتهر به فلسطين في شكل عام وغزة في شكل خاص، وحولت اصحاب الاراضي ومالكي بساتين الحمضيات الى ايد عاملة رخيصة في سنوات السبعينات والثمانينات، قبل ان تعود لتضرب الطبقة العاملة الاخذة في التشكل في اعقاب الانتفاضة الاولى 8719-9319 ثم في سنوات التسعينات. وساقت الدولة العبرية مبررات امنية لتبرير تدمير الورش الصناعية في القطاع، تتعلق بصنع قذائف الهاون و"قسام"، التي لم يحصل ان قتلت أي اسرائيلي حتى الآن، على رغم ان الفلسطينيين اطلقوا ربما الآلاف منها على مستوطنات يهودية جاثمة فوق اراضي القطاع او داخل الخط الاخضر. ويفند السمنة المزاعم الاسرائيلية بالقول ان الهدف سياسي اقتصادي لهذه الحملة والاعتداء المتكرر. ويقول ان الاراضي الفلسطينية سوق استهلاكية ضخمة للصناعات والمنتجات الاسرائيلية، خصوصا قبل قيام السلطة الفلسطينية عام 1994 وفق اتفاقات اوسلو، مستدركا بالقول ان الامر اخذ يختلف في اعقاب قيام السلطة، اذ بدأت محاولات لبناء اقتصاد فلسطيني يكون عماداً للدولة الفلسطينية في حال ولادتها. واضاف ان المؤسستين الاقتصادية والعسكرية تعرفان جيداً انه تم الاعتماد على الصناعة الفلسطينية التي اخذت حصتها من هذه السوق. وتستورد الاراضي الفلسطينية منتجات معظمها اسرائيلية بقيمة ثلاثة بلايين دولار سنوياً. ويقول الصناعيون والمهنيون الذين كانوا يستوردون منتجاتهم من الدولة العبرية ان الاستغناء عن هذه المنتجات وانتاجها في الضفة او غزة تحت شعار "صنع في فلسطين" الذي رفعوه في ظل السلطة، وتعزز ابان الانتفاضة الحالية ازعج المؤسسات السياسية والعسكرية والاقتصادية في اسرائيل، فأخذت تبحث عن حجج وذرائع لتدمير كل شيء. ويشير اصحاب شركات "الكابلات الفلسطينية" و"السودة" لانتاج الأعمدة الكهربائية، و"بصل" لطلاء المعادن، و"العشي لصناعة المعادن"، و"البيان للصناعات المعدنية"، و"كردية" لصناعة الاخشاب، و"دولة" لصناعة مضخات المياه، وغيرهم الى انه منذ افتتاح مصانعهم، وهي الوحيدة في مجالها في الضفة وغزة، استغنت المنطقتان عن المنتجات الاسرائيلية المماثلة لها. ويقول سمير كردية احد مالكي مصنع "كردية" للاخشاب الذي دمرته قوات الاحتلال على ثلاث مراحل، اخرها كانت الشهر الماضي، ان مصنعين اسرائيليين اعادا تشغيل خطي انتاجهما من الاخشاب في اعقاب تدمير المصنع الذي يقع على الطريق التي تربط مستوطنة "نتساريم" جنوب مدينة غزة بمعبر المنطار شرقها. ويؤكد كردية في حديث إلى "الحياة" ان السبب الحقيقي وراء تدمير ورشته هو اعادة الحياة الى المصنعين الاسرائيليين، ويضيف ساخرا: الا اذا كانت قذائف الهاون تصنع من الاخشاب. ويقول السمنة ان الحلول من وجهة نظر الصناعيين والاتحاد تتلخص في توفير مصادر مالية لتعويض المتضررين، الى جانب الدعم المطلوب من وزير الاقتصاد والصناعة والتجارة ماهر المصري في سبيل اقامة مناطق صناعية محمية فلسطينيا واسرائيليا مع ضمانات دولية كاملة، اضافة الى بعض المطالب الاخرى. يرى المصري ان مشكلة التعويض لم يبحثها الفلسطينيون مع اسرائيل، مشيراً إلى ان "البنك الاسلامي للتنمية" في السعودية قدم في السابق مساعدات مالية لإعادة ترميم المناطق السكنية وغيرها، قبل ان يكون هناك انقطاع في وصول الاموال من البنك. واضاف ان هذه المبالغ "لا تكفي، لذلك سنبحث عن جهات دولية اخرى لتمويل اعادة بناء هذه القطاعات", أما بخصوص اقتراح اقامة مناطق صناعية محمية فقال في حديث إلى "الحياة": "سنبذل كل جهد مستطاع كي نؤمن عمل المؤسسات التي دمرت، وسندخل في حوار مع القطاع الخاص واصحاب الورش والمصانع لبلورة موقف مقبول موحد ازاء أي اقتراحات واذا اتفقنا سنشرع فوراً في تأمين الخدمات لاي من المناطق المطروحة"، رافضاً تحديد اماكنها قبل الاتفاق عليها. كما رفض المصري الحديث عن اقتراحات اخرى لدى وزارته تهدف الى ايجاد حلول لمشكلة مالكي الورش والمصانع المدمرة.