البيت الأبيض أعلن أن المواجهة مع العراق دخلت مرحلتها النهائية، وجنود الاحتياط الذين استدعاهم البنتاغون زاد عددهم على 95 ألفاً، وروسيا وضعت خططاً لإجلاء 700 خبير روسي من العراق، وتركيا تهيئ الظروف لعبور 20 ألف جندي أميركي أراضيها لفتح جبهة ثانية شمال العراق. ودول الجوار بدأت الاستعدادات لإقامة مخيمات للاجئين العراقيين الذين قدّرهم برنامج الغذاء العالمي ب900 ألف لاجئ عراقي، خصصت لهم أميركا 15 مليون دولار مساعدات. دخل شهر الحرب، والسؤال المطروح على المواطن العراقي هو: ماذا يفعل؟ هل يجنب مواطنيه حرباً أهلية خاسرة، ويساند أميركا بصفتها المنقذ من نظام سياسي قمعي ومتسلط، بدد ثروات العراق وأرهق المنطقة ومارس همجية سياسية تعتبر سابقة في التاريخ الحديث؟... أم يرفض التدخل الأميركي، ويتجاوز السلبية وانتظار النتيجة، ويحارب من أجل سيادة العراق في خندق الرئيس صدام حسين الذي أذكى كل أحقاد التاريخ والجغرافيا، واستبد بالعراق والعراقيين؟ إبعاد صدام وإطاحة نظامه خطوة مهمة نحو التفريق بين الحق والباطل في خطاب واشنطن، وتمييز بعض الجهود في ميدان الأزمة الراهنة، وإتاحة الفرصة لتنفيذ قرارات الأممالمتحدة في شكل موضوعي. ولكن من يضمن أن الحرب التي سيتم بها تحرير العراق من ظلم صدام لن تزيد الغموض وتكرس الحيرة، ومن يضمن ألا تكون أداة لتصفية الحسابات التي خلفها نظام "البعث"، ووسيلة لاطلاق شرارة صراعات محلية عرقية وفكرية، تأتي على ما تبقى من العراق كدولة حديثة، ومن يضمن أن التدخل الأميركي أهون الشرّين؟ في حرب تحرير الكويت عاش المواطنون في منطقة الخليج حالاً من التناقض بين الهدف ووسيلة تحقيقه، لكن أهون الشرّين في تلك الأزمة كان واضحاً، بالنسبة الى الكويتيين على الأقل. واليوم يواجه العراقيون الموقف البغيض ذاته وعلى نحو أشد، لأنهم غير قادرين على التمييز بين الشرّين، حتى أصبح حكيم العراقيين حائراً.