تابعت بحزن وغضب حرباً ضروساً ضد تأويل أدونيس لبيروت. حزن مرده هشاشة احتمالنا للنقد والرأي الآخر، وغضب من نفاقنا، وكذبنا، وضيق أفق ذهننا. لا أكتب دفاعاً عن أجمل زارع عواصف في بلادنا، هو أدونيس. لا أكتبه اتتصاراً لأنبل، ظاهرة شغب وتخريب، في وطننا العربي المطيع والساكن. هو هذا الذي لا ينافق ولا يجامل ولا يخاف في الحق والجمال لومة لائم. أدونيس ليس في حاجة لإسناد. يكفيه نصوصه وخبرته في ادارة أحقاد الضعفاء، وصلابة نظرته للعالم وانسجامه مع نصوصه وسلوكه، وكونيته العالية. أكتب هذا النص دفاعاً عن حقنا جميعاً في التأويل. حقنا في نقد وتفكيك الاشياء والمدن والنصوص والآباء ... حين يحين أوان نقد آبائنا وأوطاننا وفريق كرة القدم الذي نؤيده، أو نصوصنا الابداعية، او الحزب الذي ننتمي اليه، نتراجع ونتوتر وتدب في شرايينا دماء القبائل. لم يرتكب أدونيس جريمة حين أوّل بيروت تأويلاً مختلفاً. بيروت ليست نصاً مقدساً. إلى متى نفاقنا وخوفنا من مواجهة أمراضنا ورائحتنا الكريهة؟ إلى متى ارتعابنا من النقد والاعتراف بالخطأ؟ حتى رواية الاعتراف العربية لم تظهر بعد! حتى على صعيد إبداعي لا نزال نكذب ونختبئ ونهرب من حقيقتنا، وبشاعتنا، وخرابنا. أنا متأكد ان بيروت تحب التأويل، وانها شكرت أدونيس في سرها، وان صوتها تم خنقه بالبطانية. أنا متأكد ان بيروت لا تستطيع العيش مع عتمة اخفاء أمراضها وأخطائها. بيروت لا تحب العشاق الهادئين. بيروت تحب العاشق الذي يغار عليها، ويكسر الأواني أمامها غضباً من خطأ ارتكبته في غيابه عن البيت. رام الله - زياد خداش [email protected]