طوابير مئات السيارات صارت واحدة من مظاهر العاصمة العراقية اليومية، تمر بمحاذاتها صباحاً وتعود مساء لتجدها في انتظارك كأنها لم تتزحزح قيد أنملة، منذرة بأزمة حقيقية نتيجة شح البنزين. يقول السائق ضياء عودة ل"الحياة": "خرجت السادسة صباحاً لملء سيارتي بالوقود، كنت آمل بأن أكون في الصفوف الأولى من الطابور لكنني وجدت أن دوري سيحل عند الساعة 12 ظهراً، فغادرت". معظم سائقي السيارات الخاصة والعمومية بات يعرض عن الوقوف في هذه الطوابير على رغم اضطراره الى دفع مبالغ خيالية لملء خزانات وقود سياراته. يقول السائق احمد عبدالجليل ل"الحياة": "أدفع اكثر من 200 دينار زيادة في سعر الليتر الواحد لأنني اشتري الوقود من الشارع". ولا يقتصر تذمر السائقين من انعدام الجدوى الاقتصادية التي يرونها في ساعات الانتظار الطويلة، إذ يقول السائق محمد جواد: "المصيبة هي أنك تقضي سبع ساعات أو اكثر بانتظار دورك في طابور طويل، ثم ينقطع التيار الكهربائي فجأة، أو ينفد البنزين من المحطة". وساهم شح البنزين في انتعاش السوق السوداء، ويقول السائق بشير حسين ل"الحياة": "كل محطة وقود لديها سبعة أو ثمانية أفراد، يعطونهم حصصاً كبيرة ليبيعوها في الشارع بعد مضاعفة سعرها عشرات المرات لقاء عمولات سخية". محطات الوقود الحكومية واستجابة منها لكثرة الطلب على البنزين وانعدام الرقابة باتت تتفاوت أسعارها، من خلال فرضها زيادة مقدارها عشرة أو 20 ديناراً على سعر الليتر الواحد بين محطة وأخرى. والاختناقات المرورية الحادة التي لا يكاد يخلو منها شارع من شوارع بغداد بسبب الطرق التي اغلقتها القوات الأميركية تآمرت هي الأخرى مع أزمة البنزين لهدر وقت السائقين ووقودهم، ويتحدث السائق عيسى حمودي وقد بدأ عليه نفاد الصبر: "اختنقت، أكاد انفجر من الغضب. منذ الصباح وأنا محجوز في ساحة النصر. هل يصدق أحد إنني قضيت اكثر من ساعتين لقطع مسافة لا تتجاوز الكيلومترين". أكثر من 40 دقيقة يقضيها السائق العراقي في منطقة لا يستغرق قطعها عادة أكثر من ثلاث دقائق في ساعات الذروة. الجميع يتذمر فالسائق يستنزف وقته وأعصابه ووقود سيارته في هذه الازدحامات فيلقي بعبء ذلك على كاهل المواطن بمضاعفة أجور نقله مرة، ورفض إيصاله إلى بعض المناطق مرات. أسباب هذه الأزمة كما يؤكد المختصون كثيرة، من أهمها تذبذب التيار الكهربائي وانقطاعه المستمر لساعات طويلة ما يمنع أو يعرقل عملية ضخ البنزين إلى محطات التعبئة. وثانيها، عدم كفاية كمية البنزين في ظل الزيادة الكبيرة للسيارات الوافدة والمستوردة التي شهدتها العاصمة بغداد في الأشهر القليلة الماضية. انعدام التخطيط في المرحلة الراهنة وعدم قدرة وزارة النفط العراقية على مواكبة مستجدات الشارع العراقي إضافة إلى انتعاش حركة التهريب، كلها عوامل صارت تتآمر على أعصاب المواطن العراقي وتعمل على تحطيمه نفسياً. وانظار العراقيين تتجه الى وزارة النفط أملاً برؤيتها تتجاوز هذه الأزمة وتهتم بحاجات الداخل بدرجة تضاهي اهتمامها بعملية التصدير.