لعل الرئيس محمد خاتمي بكى، بعدما قدم ترشيحه لفترة رئاسية ثانية، لأنه مقتنع بأن ما لم يستطع ان يحققه - أو يبدأ تحقيقه - من اصلاحات في أربع سنوات، لن يتمكن من انجازه خلال السنوات الأربع المقبلة. ويعرف خاتمي اكثر من سواه ما هي العراقيل والحواجز والموانع، اذ انه خبرها وتعارك معها طويلاً خارج السلطة وداخلها. فأي تغيير يعجز عنه رئيس لديه اكثرية برلمانية اذا كان النظام ديموقراطياً فعلاً؟ وماذا يعني عجزه هنا؟ انه يعني ببساطة ان الرئيس بلا صلاحيات، كذلك البرلمان. إذاً لماذا الانتخابات ما دامت الاقلية فيها قادرة على تعطيل فاعلية الغالبية، وكيف يمكن إلغاء ارادة 70 في المئة من الناخبين الذين اعطوا أصواتهم في الاقتراع السابق للرئيس خاتمي؟ واذا كان الرئيس يقدم نفسه أميناً على النظام ويريد احداث تغيير من داخله، ومن اجل تجميله وإبقائه، فما الذي يمنع ذلك التغيير؟ وكيف تكون ارادة المحافظين، وقد تلقوا إنذاراً أول وثانياً من الشعب، اكثر قوة من ارادة الاصلاحيين وهم أكثرية؟ انه النظام نفسه، وقد بني ليبقى مغلقاً تتمتع مؤسساته بصلاحية سد الأبواب أمام التطوير. ولا يزال منطق الثورة يصارع منطق الدولة، لا لأن الثورة لا تزال قائمة بحكم ان لها منظّرين ومريدين، وانما خصوصاً لأن هناك "مؤسسة منتفعين" نشأت لخدمتها واستخدامها. اما منطق الدولة فيفترض سيادة القانون والسير نحو تعزيز الاستقرار ومعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. أكثر من ذلك، تبدو تركيبة النظام محبوكة لمنع ايران من ان تصبح يوماً "جمهورية"، فلا هي ملكية ولا هي امارة، أما مصطلح "الجمهورية الاسلامية" فقد استنبط للتمويه ولإطالة الغموض. وتبعاً لذلك يصبح "المرشد" هو الحاكم الحقيقي بصفته الدينية متقدمة على صفته السياسية، وبصفته الولي الفقيه الذي تصب كل المؤسسات في تغذية صلاحياته وتكثيفها. صحيح انه يلعب دور الحكَم المحايد، لكن الأصح انه ينتمي أولاً وأخيراً الى صف المحافظين. اذاً، فهو لا يستطيع بأي حال أن يجاري منطق الاصلاحيين، حتى لو جاؤوا بغالبية شعبية، لأن هذا المنطق يطمح في نهاية المطاف الى صلاحيات رمزية ل"المرشد" والى تصحيح عمل المؤسسات الأخرى - خصوصاً القضاء - لئلا تكون مواقع لإدارة الصراع وفقاً لمصالح "مراكز القوى والنفوذ" التي تشرف عليها. كان انتخاب خاتمي عام 1997 اعطى انطباعاً قوياً بأن "التناوب" ممكن في هذا النظام، وان فيه ملامح "ديموقراطية" لم تكن معروفة سابقاً، بل دُفع الانطباع الى اعتقاد عام بأن النظام نفسه يعترف بأن اصلاحه وتطويره ممكنان خصوصاً اذا كانت هذه ارادة الناخبين. لكن الممارسة بددت كل هذه الاستنتاجات وخطّأتها، بل انها عكستها أحياناً. وحين كانت الاكثرية البرلمانية للمحافظين استخدم "مجلس الشورى" لشل عمل الحكومة باستجوابات مغرضة ومبرمجة لوزراء خاتمي، بغية تحطيم النواة الصلبة لتياره وابعاد عناصر معينة عن الواجهة السياسية. وحين فقد المحافظون الغالبية البرلمانية بقي لهم القضاء الذي استخدموه لتفتيت الصحافة الاصلاحية، فتحصنوا فيه وواصلوا النهج نفسه في استهداف رموز الاصلاحيين. وامعاناً في تدمير انطباع "التناوب" كانت لأجهزة الأمن والاستخبارات صولات وجولات لإفهام الاصلاحيين ان لا حصانة لهم وان الرئيس خاتمي لا يحميهم، بل ان حملات الاغتيال وتنظيم المواجهات في الشارع رمت الى إفهام الرئيس نفسه ان هناك خطوطاً حمراً لا يمكنه تخطيها. بات المحافظون يعرفون أنهم خسروا الشعب، وقادتهم قراءتهم لتراجع شعبيتهم الى انهم يجب ان يربحوا النظام وكأن هذا النظام وجد لهم لا للشعب. لذا فهم يلوحون بالارهاب والفوضى، أي بمناخ حرب أهلية. اما الاصلاحيون ففهموا ان المعركة طويلة النفس، وعليهم بالتالي ان يطوروا أساليب عملهم وان يفكروا منذ الآن بما بعد خاتمي ومَن بعده، فهو شق الطريق وليس مؤكداً انه سيرضى يوماً بمواجهة مكشوفة مع "المرشد".