فرحة الاصلاحيين في ايران بانتصارهم الكبير في الانتخابات البرلمانية، وصدمة المحافظين والمتشددين حيال خسارة معاقلهم لا تعنيان ببساطة أن "الحرس القديم" سيستسلم بسهولة أمام خيار الناخبين، ويرفع الراية البيضاء تاركاً النظام بكل أجنحته للرئيس محمد خاتمي وسياساته وأنصاره. وإذا كان بديهياً أن يغتبط الرئيس ب"الملحمة" الثانية التي انتظرها طويلاً، منذ بداية عهده، ليتسلح بالشرعية البرلمانية ضد "أشباح الثورة" المعروفة ب"قوى الضغط"، وأن يحتفل بتجديد غالبية الايرانيين الثقة بنهجه، فاللافت في السعادة التي لم تخفها وزيرة الخارجية الأميركية مادلين اولبرايت - وهي كانت مع الرئيس بيل كلينتون بين الناخبين - ان واشنطن تتحدث للمرة الأولى عن "ترسيخ الديموقراطية" في ايران، بعدما اعتبرتها دولة قمعية ارهابية. لا سر في الغزل الأميركي لخاتمي ولحماسة الذين اقترعوا الجمعة لتجديد دماء الجمهورية الاسلامية واخراجها من أسر "مبادئ الثورة" المنغلقة المعادية للعالم الى عالم القرن الواحد والعشرين. واذ تمنح واشنطن الورقة الثانية للرئيس الاصلاحي، بعد اعتذار كلينتون عن ذلك "الظلم" الذي ألحقته سياسات الولاياتالمتحدة بإيران، وتحتل الوجوه الاصلاحية غالبية مقاعد مجلس الشورى، يبقى باكراً توقع بدء حوار بين طهران و"الشيطان الأكبر" كأنه سيحصل غداً، أو ينهي كل أزمات الجمهورية المحاصرة ب"هيبة النظام" وحرسه الثوري وميليشياه. ويبقى الأهم ترقب صحوة المحافظين والمتشددين من صدمة الهزيمة، أو خسارة الغالبية البرلمانية التي غلّت يدي خاتمي وحرمته من استثمار رصيده الشعبي في قرارات مؤلمة لخصومه. فسلوكهم ما بعد الصدمة وامتناع المنتصرين عن استبدال "استبداد" بآخر، وحدهما سيحددان مصير ما تبقى من ولاية الرئيس، وطبيعة قرارات تماثل الجراحة كونها ستهز مواقع المحافظين في النظام وسطوتهم على الشارع. فهل يستسلمون ل"ملحمة الجمعة"؟ واضح أن الرهان على الدورة الثانية من الانتخابات لن يغيّر طعم الهزيمة، وهي ليست مجرد خسارة مقاعد في البرلمان. عبر ذلك المنبر عزلت قوى الضغط عبدالله نوري حين كان وزيراً للداخلية، وعرقلت مشاريع الاصلاح الاقتصادي، وسلطت سيف الاستجواب على رأس حكومة خاتمي. أما لعبة الاحتماء بالمرشد خامنئي فتفقد الكثير من مفاعيلها حين تنجح رئاسة الجمهورية، عبر الكتلة البرلمانية للاصلاحيين، في تمرير قراراتها تحت قبة مجلس الشورى. ومهما قيل عن احتمالات تشرذمهم أو انشقاقهم في حال حصلت مفاجأة اندحار رفسنجاني وحظوظه في رئاسة البرلمان، بعدما لعب على أوتار الصراع بين التيارين، فإن انحيازه الكامل الى اليمين سيجعل مهمة الخاتمية المنتصرة أكثر صعوبة، بمقدار ما يسهل فرز القوى للمرة الأخيرة... بالأحرى العودة الى تقاليد الثورة: لا ثالث بين الأبيض والأسود. هل يستسلم "حماة الثورة"؟ ما حصل في جنوب غربي البلاد بعد ساعات على اغلاق صناديق الاقتراع، تعبير أولي عن مرارة المهزوم. والهجوم على المباني الحكومية ليس مجرد فورة غضب. بهذا المعنى، وبين مرارة الخاسر ونشوة المنتصر تبدأ المعركة الحقيقية للخاتمية.