تداخلت مشاعر الصدمة والذهول والحزن لدى اللبنانيين مع تواتر الانباء عن الطائرة المنكوبة التي كان من المقرر ان تصل الى مطار بيروت الدولي، ليل اول من امس، حاملة عشرات اللبنانيين الى اهاليهم لقضاء عطلة الاعياد من مطار كوتونو في بنين، ذلك البلد الافريقي الذي يقع على ساحل المحيط الاطلسي والذي تنامت فيه جالية لبنانية مستجدة في السنوات القليلة الاخيرة بحثاً عن مصدر رزق في تجارة الألبسة والسيارات المستعملة والصيرفة. فما كادت الطائرة التي كانت رحلتها تحمل الرقم 141 آتية من فريتاون - كوناكري تقلع من مطار كوتونو وعلى متنها 141 راكباً بمن فيهم افراد الطاقم السبعة حتى تحطمت وسقطت في مياه المحيط اجزاء تناثرت معها اجساد الركاب بين قتيل وجريح ومحظوظ بالنجاة. وروى الشاب نبيل هاشم عبر اتصال هاتفي اجرته به "الحياة" حيث يرقد في احد مستشفيات كوتونو جريحاً اللحظات الاخيرة، قائلاً: "الطائرة كانت مكتظة بالركاب وحينما همت بالإقلاع من مدرج المطار احسسنا ان دواليبها ارتطمت بشيء، ربما بجدار أو مبنى، المهم ان انفجاراً لم يحدث انما ارتطام ادى الى انشطار هيكل الطائرة، فطار السقف وطار مقعدي معه في الهواء وسقط في المياه، لحظتها ادركت ان علي ان افك حزام الأمان ورحت اصعد الى سطح الماء وأسبح. كان الشاطئ يترائ لي فسبحت ولا ادري كيف فعلت كانت اجزاء الطائرة من حولي وكذلك جثث ضحايا كثر، وحينما وصلت الى الشاطئ كانت مجموعة من الشبان اللبنانيين سارعوا الى المكان بعدما سمعوا صوت الارتطام وعلموا ان شيئاً كبيراً حدث فقاموا بنقلي الى المستشفى وأنا مصاب برجلي الاثنين". والشاب هاشم لم يكن من مغتربي بنين انما يعمل مع الأممالمتحدة في منروفيا وقصد هذه الطائرة لأنها تقوم برحلة مباشرة الى بيروت. ولا يدري هاشم اي شيء عن مصير ابن عمه مهدي الذي كان جالساً في الطائرة الى جانبه. ويشير الى ان من كان جالساً في القسم الخلفي من الطائرة تمكن من النجاة لكن من لم يتمكن من السباحة في مياه المحيط الاطلسي حيث الامواج العاتية والتيارات قضي عليه. كان صعباً في البداية معرفة عدد الضحايا لكن الكارثة تكشفت مع وصول وفد رسمي لبناني الى كوتونو بعد ساعات على الحادث، على متن طائرة ايرباص 330 تابعة لشركة طيران الشرق الاوسط وعلى متنها وزير الخارجية جان عبيد والمدير العام للمغتربين هيثم جمعة وطاقم طبي ومفرزة بعناصر من فوج مغاوير البحر في الجيش اللبناني بأمرة قائد الفوج العقيد جورج شريم ومسؤول العلاقات الخارجية في "حزب الله" الشيخ علي دعموش موفداً من الأمين العام. وتبين ان عمليات البحث عن الناجين بدأها لبنانيون من سكان البلد وبعضهم هرع اليه من ابيدجان ولومي وكوناكري واستخدمت مجموعات منهم الدراجات النارية. وقام البعض باستئجار براد لحفظ جثث الضحايا التي كانت لا تزال على الشاطئ. وانضم مغاوير الجيش اللبناني الى الباحثين من لبنانيين وبينيين عن المفقودين في اعماق المحيط. وتمكنوا من انتشال جثث وهيكل الطائرة وتمكن لبنانيون من انتشال جثتين على بعد 25 كلم من مكان الحادث وأثنين آخرين على بعد 4 كلم. ونقل الجرحى الى مستشفيات وصفت بأنها بدائية في هذا البلد الفقير الذي قال عدد من المغتربين فيه انهم لا يلجأون الى الطبابة فيه انما يقصدون دولاً اخرى. وفيما اعلنت وزيرة الصحة في بنين سيلين شينون ان عدد القتلى هو 111 شخصاً وان هناك 22 ناجياً فقط، ذكرت حصيلة لبنانية اولية ان هناك 72 جثة و52 مفقوداً. وتناثر على شاطئ البحر ما قذفته الامواج من محتويات قمرة قيادة الطائرة وقطع معدنية من حطامها وأمتعة ممزقة وحقائب الركاب التي طفت على سطح المياه الضحلة. وسجلت عمليات نهب لكل ما ارتفع ثمنه من الذين تجمعوا على الشاطئ. وفي عداد الناجين من الكارثة قائد الطائرة وهو ليبي الجنسية ورئيسة المضيفات اميناتا بانجورا التي اصيبت بجروح في وجهها ورجليها. وقال اللبناني خضر فرحات من جديتا - البقاع وهو يرقد في سرير المستشفى بعدما نجا من الحادث انه كان جالساً في مؤخرة الطائرة وانه فور اقلاعها "رأيت الطائرة تتفتت والناس يندفعون نحوي بفعل ضغط التحطم، وأفقت لأجد نفسي في الماء، دفعت نفسي الى السطح وسبحت حتى الشاطئ وهناك جذبني بعض الرجال ونقلوني الى المستشفى". وذكر مصدر ملاحي جوي في كوتونو "ان الطائرة لم تتمكن من الارتفاع الى علو كافٍ عند الاقلاع فاصطدمت عجلاتها الخلفية بمبنى واقع عند طرف المدرج ما ادى الى فقدانها توازنها فهوت باتجاه الشاطئ مرجحاً ان الطائرة كانت محملة اكثر من طاقتها او ان الحمولة لم تكن موزعة بشكل جيد". وعثرت فرق الانقاذ في وقت لاحق على الصندوقين الاسودين ما سيسمح، كما قال المصدر الملاحي الجوي في بنين "بمعرفة اسباب الحادث بسرعة". وتابع الوفد اللبناني الرسمي في كوتونو احوال الجرحى، فيما بدأت الترتيبات لاعادة جثث الضحايا، بعدما تأمنت عودة الجرحى على الطائرة اللبنانية التي يوجد على متنها اسرة ثابتة وحول بعض مقاعدها الى اسرة مخصصة للاصابات غير الخطرة. وتلقى رئىس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري اتصالاً هاتفياً من الرئىس الفرنسي جاك شيراك أمس، أبلغه فيه انه اعطى تعليماته الى المسؤولين الفرنسيين من اجل اتخاذ الاجراءات اللازمة لنقل جثامين الضحايا اللبنانيين. وكان شيراك ابلغ الحريري في الاتصال الاول انه اعطى تعليماته للمسؤولين في السفارة الفرنسية في بنين للقيام بما يلزم للاهتمام بالجرحى اللبنانيين وتقديم كل مساعدة ممكنة لهم وتسهيل نقل الضحايا الى لبنان. وكان السفير الفرنسي في كوتونو ابلغ الوزير عبيد في اجتماع عقد في منزل القنصل الفخري اللبناني في العاصمة البنيية اسعد شاغوري ان شيراك اعطى تعليماته وان طائرتين فرنسيتين ستصلان لنقل الجثامين والجرحى اذا تطلب الامر وان البحرية الفرنسية ارسلت بارجة لتقوم بالبحث عن المفقودين في البحر وانتشالهم. الأهالي المنكوبون وكان انتظار أهالي العائدين في الطائرة في مطار بيروت تحول الى لحظات مأسوية بعد شيوع خبر تحطم الطائرة، وأمضى العديد منهم ليلتهم في قاعات الانتظار في بيروت لمعرفة مصير ابنائهم. وبين الأسر المنكوبة التي اصيبت بالصدمة أسرة ميخائىل فضول الذي كان عائداً وزوجته ريتا الى بيروت لحضور واجب العزاء بعمه وزوجته اللذين قضيا في حريق أتى على شجرة الميلاد في منزلهما.