فجع اللبنانيون أمس، بالكارثة الجوية والإنسانية التي ألمت بهم، حين هوت فجراً ووسط طقس عاصف، طائرة من نوع «بوينغ 737» تابعة لشركة الطيران الاثيوبية بعد إقلاعها بدقائق من مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي في بيروت وذلك قبالة الساحل اللبناني في محلة الناعمة (نحو 12 كلم جنوببيروت). وكانت الطائرة متجهة الى أديس أبابا وعلى متنها 90 شخصاً هم 82 راكباً و8 من أفراد الطاقم، وبين الركاب 54 لبنانياً، جلهم من المغتربين في القارة الأفريقية يتخذون من العاصمة الأثيوبية محطة انتقال لهم الى بلدان أخرى، الى جانب ركاب عرب وأجانب ولا سيما من التابعية الأثيوبية. وعلى رغم الاستنفار الأمني الفوري للأجهزة الأمنية اللبنانية وقوات «يونيفيل» وانضمام قوات فرنسية وبريطانية وأميركية الى عمليات البحث عن مصير الركاب فان إمكان العثور على أحياء تضاءل مع تقدم ساعات النهار، إذ لم يعثر إلا على نحو عشرين جثة بينها من كانت مربوطة الى مقاعد الطائرة وأخرى كانت مشوهة. وكان يمكن تلخيص الحال التي سادت لبنان الرسمي والشعبي بالذهول تجاه حادث هو الأول من نوعه على مستوى الطيران المدني في لبنان، وترافق الأمر مع حال إرباك نتيجة الفاجعة التي أصابت عائلات لبنانية جلها من الجنوب اللبناني أصيبت في الصميم بفقدان جماعي لرجال من أبنائها وتحديداً منطقة النبطية، وطاول المصاب مختلف المناطق اللبنانية ومنها الشوف والبترون. وتبين لاحقاً أن وجهات سفر الركاب الذين كانوا على متن الطائرة كانت على الشكل الآتي: 32 الى أديس أبابا، 1 الى جيبوتي، 2 الى دار السلام، 8 الى برازافيل، 4 الى كينشاسا، 1 الى باماكو، 1 الى غوالا، 11 الى ليبرفيل، 15 الى لاوندا، 3 الى فورتلامي، 3 الى لوساكا، 1 الى اندوفر. فيكون المجموع 82 راكباً. ويتألف طاقم الطائرة من طيارين و6 من طاقم المضيفين و1 من الطاقم الإضافي (أمن الطائرة). حداد وطني وأعلن رئيس الحكومة سعد الحريري أمس يوم حداد وطني نكست خلاله الأعلام اللبنانية وأغلقت المؤسسات الرسمية حداداً على الضحايا، ودعا جميع اللبنانيين «الى التماسك لمواجهة هذه الكارثة الوطنية والإنسانية ومواساة أهالي الضحايا، معربا عن أمله بأن تتمكن فرق الإنقاذ العاملة من العثور على أكبر عدد من الناجين»، فيما أعلن رئيس المجلس النيابي نبيه بري تأجيل الجلسة النيابية التي كانت مقررة صباحاً «بسبب هذه المأساة الوطنية الأليمة التي طاولت العشرات من أبنائه الأحباء من مختلف المناطق اللبنانية الذين نذروا شبابهم وحياتهم في الاغتراب من أجل العيش الكريم ومن جنسيات مختلفة». وفور شيوع نبأ تحطم الطائرة سارع الجميع الى مطار بيروت، الأهالي والرسميون والإعلاميون، وتعددت الافتراضات عن كيفية سقوط الطائرة، وكثر المتحدثون والمحللون، في وقت كانت الأطقم الأمنية في الجيش اللبناني من القوة البحرية وفوج مغاوير البحر والقوة الجوية تواصل البحث عن ناجين في مكان سقوط الطائرة والذي توسعت رقعته بسبب شدة الرياح وانقلاب الأمواج والمد والجزر ما قذف بحطام الطائرة وضحاياها الى مسافات وصلت الى شاطئ بيروت. وانتشر عناصر الجيش اللبناني ودوريات الفهود والدفاع المدني والمسعفون على طول الشاطئ للبحث عن أجزاء من حطام الطائرة التي كانت تقذفها الأمواج وكذلك حقائب سفر ووسادات تستخدم على متن الطائرات وأجزاء من هيكل الطائرة، وانضم الى هؤلاء مدنيون. وتجنب الرسميون الإدلاء بأي تحليل عن كيفية حصول الكارثة واكتفوا بالدعوة الى انتظار العثور على الصندوق الأسود والتسجيل الصوتي الأخير للحوار الذي دار بين كابتن الطائرة وبرج المراقبة في مطار بيروت، وهذا بقي رهن وصول معدات حديثة على متن سفينة أميركية تابعة للأسطول السادس كانت عرضت المساعدة على الدولة اللبنانية ووافق لبنان على الطلب، وأعلن وزير الدفاع إلياس المر أن السفينة تصل في الرابعة بعد الظهر (أمس) الى المياه الإقليمية اللبنانية. وحرص المسؤولون الرسميون على نفي أي تلكؤ في عملية الإغاثة، وأصر وزير الدفاع على الإيضاح في أكثر من مؤتمر صحافي أن الأجهزة الأمنية كانت في مكان وقوع الحادث بعد «20 دقيقة فقط من وقوع الكارثة»، وأشار الى أن 9 طرادات تابعة للجيش شاركت في العملية الى جانب اثنين لقوات «يونيفيل» و6 مروحيات تابعة للجيش و5 مماثلة للقوات الفرنسية ومروحيتين لقوات «يونيفيل». وأكد المر أن كل القطع التي يتم العثور عليها يتم نقلها الى مركز للجيش بحراسة الضابطة العدلية والشرطة العسكرية تمهيداً لإرسالها للمعاينة الخارجية مع الصندوق الأسود والتسجيل الصوتي من قبل خبراء متخصصين في مراكز يتعاقد معها الطيران المدني خصيصاً لهذه الغاية. وإذ جدد استبعاده أي عمل تخريبي فانه أمل بالعثور على الصندوق الأسود «لأن الطائرة تحطمت فوق مياه تتراوح عمقها بين 50 ومئة متر فقط». ورجح المر وفي شكل مبدئي ان يكون «عامل الطقس وراء حصول الكارثة»، في حين تحدث نقيب الطيارين في لبنان الكابتن محمود حوماني في تصريحات عن «سلسلة عوامل ساهمت في الحادث»، مشيراً الى ان «لحظة اقلاع الطائرة الاثيوبية من مطار بيروت كانت حركة الطيران طبيعية في المطار»، ولافتاً الى ان «آخر حوار جرى بين برج المراقبة وكابتن الطائرة تضمن تحذيراً له من الصواعق، والاخير نفذ دورة وفيما كان يقوم بدورة ثانية فقد الاتصال معه وكانت الطائرة في حينه على ارتفاع تسعة آلاف قدم». واشار الكابتن حوماني الى ان الطائرة «عادة مجهزة ضد الصواعق ولا يستطيع المرء القول ان العامل الجوي هو المسبب بالكارثة بل ثمة عوامل مترافقة». وأسفرت عمليات الإغاثة حتى العصر عن انتشال 20 جثة نقلت الى القاعدتين الجوية والبحرية التابعتين للجيش اللبناني، وبينها جثتا طفلين (أسماء الضحايا في مكان آخر) وجثة مقطوعة الرأس ولم يتم التعرف إلا على جثة حسن محمد تاج الدين الى جانب جثث لرعايا أثيوبيين. المستشفى الحكومي وكان انتظار الأهالي تحول الى غضب بعدما طالت فترة انتظارهم للجثث المنتشلة وعدم السماح لهم بالتعرف إليها في شكل فوري، الى أن تم نقل الجثث الى مستشفى الرئيس رفيق الحريري الجامعي الحكومي. وأوضح مسعفون في الصليب الأحمر اللبناني أن الجثث التي كانوا ينقلونها الى القاعدتين العسكريتين كانت تخضع الى إجراءات قانونية ومنها معاينة الطبيب الشرعي وكان يجري ترقيمها قبل نقلها الى المستشفى الحكومي. وغص المستشفى الحكومي بالأهالي المفجوعين والمنهارين، والذين راحوا يتقدمون بعينات من دمائهم لفحص الحمض النووي لمعرفة هويات الضحايا. وحضر الى المستشفى عصراً رئيس الجمهورية ميشال سليمان يرافقه وزير الصحة محمد جواد خليفة، واطلعا على تطورات الوضع. وقال سليمان بعد زيارته المستشفى لتفقد الأهالي إن «الخسارة كبيرة ليس فقط على أهل المفقودين وأحبائهم، بل على الوطن خصوصاً انهم مجموعة من السيدات والشباب الذين غادروا لبنان ليعملوا في الخارج ويكسبون رزقهم وربما يرفعون اسم لبنان وكذلك ليؤمنوا مداخيل للاقتصاد اللبناني، نحن بلوعة كبيرة نتخذ كل الاجراءات التي قد تؤدي الى العثور على المفقودين مع أمل كبير بوجود أحياء، لكن البحث سيستمر وسنستعين بكل الامكانات التقنية من الدول الصديقة وكذلك سنتستعين بالتقنيات المتوافرة لاجراء التحقيق لمعرفة كيفية حصول الحادث». وأوضح أن «الجيش يعمل لأهله بكل اندفاع وبتقنية عالية، وأنا ذهبت واطلعت على الاجراءات في قيادة الجيش وغرفة العمليات التي عملت بكل جهدها لتأمين الانقاذ على اكمل وجه». واعتبر الكارثة «وطنية، واليوم يتخذ القرار بالاشتراك مع الاهالي» في شأن جنازة وطنية. وعن القاء اللوم على الدولة قال سليمان: «التحقيق سيكشف كل شيء». وتفقد الرئيس الحريري ظهراً يرافقه وزير الداخلية زياد بارود والوزير غازي العريضي ووزير الصحة محمد جواد خليفة وقائد الجيش العماد قهوجي، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي وقائد جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير الرقعة التي وقع فيها الحادث بواسطة مروحية تابعة للجيش اللبناني حلقت فوق المناطق التي تتم فيها عمليات البحث عن المفقودين. بيانات الجيش و«يونيفيل» وكانت قيادة الجيش - مديرية التوجيه أعلنت في بيان انه عند الساعة الثانية والنصف فجر اليوم (أمس) ولدى إقلاع طائرة «بوينغ» تابعة للخطوط الجوية الأثيوبية من مطار رفيق الحريري الدولي، وعلى متنها 90 راكباً شوهدت تندلع فيها النيران، ثم ما لبثت أن سقطت في البحر قبالة منطقة الناعمة على مسافة 8 كلم من الشاطئ. على الفور تدخلت وحدات تابعة لكل من القوات البحرية والقوات الجوية اللبنانية وفوج مغاوير البحر بمؤازرة طوافات وزوارق بحرية تابعة لقوات الأممالمتحدة الموقتة في لبنان، واستطاعت البحرية اللبنانية تحديد مكان سقوط الطائرة، وتواصل القوى المذكورة عمليات الإغاثة والإنقاذ فيما تقوم وحدات أخرى بتفتيش الشاطئ». ولاحقاً طلبت قيادة الجيش في بيان آخر من المواطنين «وجوب عدم لمس أو نقل أي جسم يعود للطائرة المنكوبة وإفادة أقرب مركز عسكري أو أمني عنه، وذلك تحت طائلة المسؤولية». وصدر عن رئيس المكتب الإعلامي لقوات «يونيفيل» نيراج سينك بيان أوضح فيه أن «بناء على طلب من السلطات اللبنانية تشارك «يونيفيل» في عمليات الإنقاذ والبحث عن ناجين محتملين في حادث تحطم الطائرة». وأضاف: «هناك سفينتان للقوة البحرية التابعة ل «يونيفيل» موجودتان في المكان الذي يعتقد بأن الطائرة تحطمت فيه كما أن هناك سفينة ثالثة في طريقها الى الموقع وتشارك أيضاً مروحيتان ل «يونيفيل» في عملية البحث والإنقاذ. وسيتم التبليغ عن كل مستجد في حينه». الصليب الأحمر وأفاد مدير العلاقات العامة والإعلام في الصليب الأحمر اللبناني إياد المنذر انه «ورد اتصال الى الصليب الأحمر اللبناني على خط الطوارئ 140 في الثالثة فجراً اليوم (أمس) يفيد عن تحطم طائرة قبالة الشاطئ اللبناني في منطقة الناعمة تقل ركاباً من جنسيات مختلفة بعيد إقلاعها من المطار، فتوجهت فرق الإسعاف والطوارئ من مراكز بيروت وجبل لبنان وقوامها 64 مسعفاً و14 سيارة إسعاف، حيث تمركزت 9 سيارات إسعاف في قاعدة بيروت البحرية التابعة للجيش اللبناني و5 سيارات أخرى في القاعدة الجوية في مطار رفيق الحريري الدولي، وعدد هذه الطواقم مرجح للارتفاع تبعاً للحاجة». وأكد أن «فرق الإسعاف والطوارئ على جاهزيتها لمواكبة عمليات الإنقاذ من البحر التي تنفذها وحدات الجيش اللبناني وقوات يونيفيل لنقل الحالات الصحية الى المستشفيات، وكذلك تساهم هذه الفرق في عمليات المسح الميداني البري قبالة الشاطئ». الخطوط الأثيوبية وأصدرت «الخطوط الجوية الأثيوبية» بياناً من أديس أبابا أعلنت فيه «انها أرسلت فريق محققين الى لبنان لتحديد أسباب سقوط إحدى طائراتها صباح الاثنين في البحر قبالة بيروت». وقالت الشركة في البيان: «للأسف تؤكد الخطوط الأثيوبية الحادث المأسوي لرحلتها الرقم 409 الذي وقع بعيد إقلاع الطائرة من مطار بيروت الدولي». حركة المطار لم تتأثر واستمرت حركة الملاحة الجوية في مطار رفيق الحريري الدولي على طبيعتها أمس في حركتي الإقلاع والهبوط.