خلال فترة الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفياتي في ثمانينات القرن الفائت، زودتنا المائدة العربية بالرصاص والسلاح بكثرة مبهمة. وأما المعدل التراكمي للأعمال الخيرية والإنسانية فكان يلفت النظر. بعد أن سقطت حكومة نجيب الله 1992 أورث لنا العرب "تنظيم القاعدة"، والعرب انفسهم ينظرون إلى القاعدة على أنه تنظيم ارهابي او يعادل الارهاب. وميراث "القاعدة" - بعد الانسحاب الروسي - لم يكن سوى الحروب الداخلية. مع الأسف سقط ضحايا كثيرون من الافغان العرب في الحروب الأهلية، ولكن، مع مرور الزمن أتاحت هذه الأعمال الفرصة الساخنة لاستيلاء أميركا على افغانستان لا غير. واليوم إذ ندون تاريخ الأفغان، لا بد أن يكون الفصل الاساسي والاهم "الافغان العرب". نقف لبرهة طويلة عند تفاصيل هذه العلاقة والخلفية التاريخية ولكن باختصار شديد نقلب بعض الصفحات من هذا التاريخ الذي غطى ثلاثين عاماً اي، تاريخ العلاقات العربية - الافغانية قام المرحوم داود خان "الرئيس الافغاني الأسبق" في زيارته الاخيرة عام 1974 الى بعض الدول العربية والاسلامية مثل الجزائر، السعودية، مصر، المغرب، الامارات العربية المتحدة، ايران و... وكان الهدف منها: إعادة العلاقات الاقتصادية التي فترت لزمن غير قصير وتوسيعها، وجلب المساعدات الاقتصادية بتقديم طلب رسمي. حاز المرحوم داود خان في زيارته أهدافاً سياسية بحتة وخاب امله في جلب المساعدات الاقتصادية، والسبب الرئيسي تجنب الدول العربية التصادم مع سياسة الغرب - لأن افغانستان كانت لها انتماءات للقطب الروسي. وأشار العرب بأنه ينبغي لأفغانستان أن تحسن علاقتها الديبلوماسية مع جارتيها ايرانوباكستان. وهذا الموقف العربي تم في مصلحة باكستانوايران، فالدولتان كانتا صديقتين حميمتين لأميركا. ومن جانبها كانت افغانستان في نزاع مع باكستانوايران، مع الأولى حول "قضية بلوشيستان" ومع الثانية حول مياه نهر هيلمند بين الدولتين. بسبب الموقف العربي اضطر المرحوم داود خان لمرة ثانية لأن يمد يد العون نحو الروس، ليوسع العلاقات الاقتصادية معهم، ولكي يقوم الجانب الروسي بتمويل بعض المشروعات الأساسية. ولم يكن أمام افغانستان سوى قبول الشروط الروسية، والخروج من الانزواء الدولي. وكان الموقف العربي في رأينا سبباً مهماً، وإن غير مباشر، في تقوية الشيوعيين الافغان. بعد أن سقطت حكومة داود خان في انقلاب شيوعي سنة 1979 اي بعد سنوات قليلة من زيارته للدول العربية بهدف تحسين العلاقات توترت العلاقات الديبلوماسية اكثر من الماضي والسبب الرئيسي وراء ذلك هو وقوف الدول العربية في الجبهة المعارضة ضد حكومة الشيوعيين، وإرسال المساعدات المتعددة للمقاومة الأفغانية - ضد الروس - وتمويل اللاجئين الأفغان، وإرسال الأسلحة الى المجاهدين وتوفير الوسائل اللوجستية للمقاتلين الأفغان. أما بعد هزيمة الاتحاد السوفياتي في افغانستان ووصول المجاهدين الى السلطة، لا نستطيع أن نذكر اسم دولة عربية أدت دورها في اعادة البنية التحتية الاقتصادية في افغانستان إلا المملكة العربية السعودية التي ساهمت في الجانب التعليمي والتربوي، حيث كان لها دور مهم في إنشاء دور للأيتام، والارامل، وبناء المدارس، والمستوصفات، وإجراء دورات مهنية، وبناء المعاهد العلمية والتقنية. ما عدا ذلك كانت للدول العربية بعض المؤسسات الخيرية مثل لجنة القطر الاسلامي، الهلال الاحمر السعودي، الهلال الاحمر الكويتي، مستشفى الفوزان، مستشفى الكويت، مؤسسة الاسراء السودانية، لجنة الدعوة الاسلامية، الاغاثة الاسلامية. هذه اللجان تعد الى حد ما ذات دعم حكومي، وإضافة الى هذا كان بعض اللجان الخيرية يقوم بالخدمات العاجلة. والمساعدات هذه كانت على مستوى اللاجئين لا على مستوى البلد. أما بعد أحداث الحادي عشر من ايلول 2001، فبدأت المرحلة الجديدة في أفغانسان. حيث لمسنا بأم أعيننا التوتر في العلاقات بين العالم العربي والأفغان. واليوم لا نشاهد اي دور فعال وحتى انساني للعرب. اللهم إلا اللجنة الوحيدة الفعالة وهي "اللجنة السعودية لإغاثة شعب الافغان" التي لها دور يقدر بقدرها. اما على المستوى الصناعي والاستثماري والتجاري والاقتصادي والزراعي والتربوي والاجتماعي والثقافي والتعليمي والمشاركة في الاعمار... فلا يوجد اي مشروع عربي ليملأ الفراغ. إذا اعتبرنا صحة المنطق، نقول ان افغانستان فيها فرص للاستثمارات، لا سيما العربية لكي تلعب دوراً فقط لمصلحة الأفغان لا لمصلحة الغير. والافغان اليوم اكثر حاجة لمساعدات عربية اقتصادية لا تبرعات وإلا سنكتب في تاريخنا ذكريات ما قدمه العرب من "السلاح والرصاص" وأيضاً ذكريات التعاون العربي مع أميركا. ولا ننكر أن هنالك بعض الموانع او العوائق التي لا تشجع اتجاه الاستثمارات نحو افغانستان ومن اهمها: ظاهرة كراهية الأفغان لمعاملتهم الشرسة للاخوان العرب اعني "القاعدة"، مع خطأ التعبير لا سيما الاعمال التي قام بها "التحالف الشمالي" بقيادة زعماء الطاجيك في قلعة جنغي وفي معارك اخرى خاضها التحالف جنباً الى جنب أميركا. قد يكون الوضع العام في افغانستان، سواءً مواقف الحكومة الانتقالية تجاه العرب الافغان، والتركيب العددي والحزبي في الحكومة الحالية، او وجود القوات الأميركية، او عدم استقرارالسلام الشامل وعدم توفير المناخ الأمني و... لها اثر في عدم تشجيع الاستثمار في افغانستان. وفي اعتقادنا ان القضايا الامنية والسلام لها صلة وطيدة بالتنمية الاقتصادية. صحيح أنه لا بد من توفير الامن قبل التنمية. ولكن من اسباب تهديد الامن، البطالة، وأثبتت التجارب انه كلما توسعت التنمية يستقر الوضع الأمني. الارهاب في أفغانستان خصوصاً ظاهرة اقتصادية اكثر مما هو ظاهرة فكرية. * رئيس تحرير مجلتي "اقتصاد افغانستان" و"وطن" في افغانستان. حائز ماجستير في العلوم الاقتصادية والادارية من جامعة ام القرى - السعودية.