العلاقات الإيرانية - الأفغانية في الأفق القريب بعد خروج القوات الأمريكية من أفغانستان، لن تبدأ من الصفر. وتربط البلدين حدود بمسافة 978 كيلومتراً. وتأسست العلاقات الحديثة بين البلدين عام 1935م لكن تربط بين البلدين من قديم الزمان الحضارة الفارسية كما يتحدث حوالى 60% من الأفغان اللغة (الدارية الفارسية). وعلى الرغم من أن أفغانستان سنية ويبلغ عدد المواطنين الشيعة فيها 5% فقط، إلا أن العلاقات الحضارية التاريخية بين البلدين عميقة، مع ما كان يشوب تلك العلاقة من نزاعات أحيانا كالنزاع حول مياه نهر هلمند. ودخلت في عام 1979م العلاقات بين البلدين في مفترق طرق إذ احتل السوفيت أفغانستان في حين اندلعت الثورة بقيادة الخميني في طهران. وعندما انسحب السوفيت من أفغانستان سقط النظام الموالي لهم هناك وتعاظم الدور الإيراني في كابول مع مختلف الفصائل الأفغانية المتصارعة على السلطة. ومع ظهور حركة طالبان عام 1996م، تراجع دور طهران في أفغانستان للحد الأدنى وتدهورت العلاقات بصفة خاصة عام 1998م عندما اعتقلت طالبان القنصل الإيراني في مزار شريف وتم إعدام بعض الدبلوماسيين الإيرانيين. وكان لإيران دور في سقوط طالبان عام 2001م على الرغم من النزاع الأمريكي الإيراني. وبعد سقوط طالبان بدأ النشاط الإيراني في أفغانستان يعود من جديد. ولأن النشاط الجديد لإيران تمثل في المساعدات الاقتصادية التي كانت ولا زالت حكومة كابول في أمس الحاجة إليها، لم تلتفت الحكومة الأفغانية للتحذيرات التي ظلت توجهها الإدارة الأمريكية من أن إيران تلعب دوراً مزدوجاً في أفغانستان. وظل الرئيس الأفغاني حامد كرزاي ومن بعده المسؤولون الأفغان يصفون إيران ب»الأخ المساعد الشريك». وفي يوليو عام 2010 انتقدت إيران الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان. وهنا يتضح أن إيران تضيق ذرعاً من الوجود الأمريكي في جانبي الحدود الإيرانية وتتخوف من أن يطبق الجيش الأمريكي عن طريق الكماشتين العراقية والأفغانية على إيران. وتقدم إيران مساعدات اقتصادية لأفغانستان وعن هذا الطريق تتسلل إلى صنع القرار الأفغاني. ففي عام 2009م أصبحت إيران رابع مستثمر في أفغانستان وتمثلت الاستثمارات في الطرق والكباري والطاقة والزراعة والرعاية الصحية. ومثل هذه الاستثمارات تمثل عصب الاقتصاد لدولة إيران الخارجة من الحرب الأهلية. وبناء على تصريح من رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الأفغانية في كابول فقد بلغت صادرات إيرانلأفغانستان في عام 2008م 800 مليون دولار بينما تستورد إيران ما قيمته 4 مليون من المنتجات الزراعية كالفواكه الطازجة والمجففة وبعض الأحجار الكريمة وغيرها. فمع تهيؤ أمريكا للانسحاب التدريجي من أفغانستان، تستعد إيران لملء هذا الفراغ لذا تباينت مواقفها تجاه طالبان. ومن المفارقات أن كلاً من الولاياتالمتحدةوإيران ترسلان إشارات لطالبان سعياً وراء مفاوضات تنظر في أفق العلاقات في هذا البلد المضطرب. وأقامت مؤخراً طهران مؤتمراً لمكافحة الإرهاب سعت من خلاله التقرب من حلفاء الولاياتالمتحدة العراق وأفغانستان وباكستان. وترى إيران أنه من الضروري أن تصبح المنطقة المجاورة لها خالية من القوات الأجنبية. وتعتقد الحكومات الغربية أن إيران التي تواجه صعوبات اقتصادية وسياسية بالداخل وحصاراً بالخارج لا تستطيع ملء الفراغ في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية لكن إيران تراهن على الواقع الحضاري والجيوبوليتيكي والمساعدات الاقتصادية عسى أن تحل محل القوات الأمريكية في ذلك أفغانستان البلد العصي. فهل ستشهد العلاقات بين حكومتي طهرانوكابول تحولاً نحو شراكة استراتيجية تقصي طالبان بأفضل مما كانت تفعل قوات التحالف الدولي وقوات النيتو بقيادة الولاياتالمتحدة أم أن طالبان ستطل برأسها من جديد الشيء الذي يفتح جبهات جديدة لصراع جديد يطول أمده؟ ذلك ما ستبديه لنا مقبل الشهور.