لا تشكل سناء مُنين 20 عاماً أي استثناء بين بنات جيلها. فهذه البنت الجميلة الطالبة في شعبة الأدب الإنكليزي في كلية آداب مراكش، ترتدي ملابس من النوع العادي جداً بالنسبة الى فتاة في سنها. سراويل جينز ضيقة، قمصان تجيد الوشاية بمفاتن الجسد، وملابس أخرى من النوع الذي يُمكّن سناء من أن تفرح بجسدها الغض الجميل في شكل علني. والأمر لا يضايق أحداً بالتأكيد، خصوصاً في شارع متسامح كالشارع المغربي، من العادي أن يلاحظ المرء على أرصفته وفي مقاهيه تجاوراً حميماً مذهلاً بين رفيقات وصديقات بأزياء متناقضة. وأيضاً لأن ملابس سناء على أناقتها واتساقها اللافت مع قوامها الرشيق، ليست مُكلِّفة على الإطلاق، ما يجعلها في المتناول بالنسبة إلى دخل أسرتها المحدود. لكن ما يضايق سناء في الواقع هو عدم قدرتها على تبادل الملابس مع شقيقتها ابتسام التي تكبرها بسنتين. لماذا؟ ببساطة لأن ابتسام الطالبة في كلية الحقوق اختارت أن ترتدي الحجاب. كانت في قسم البكالوريا حينما اتخذت هذا القرار. لم تعارضها الأسرة في البداية على أساس أنّ الأمر مجرد نزوة عابرة لفتاة في عزِّ مراهقتها. لكن الحكاية استمرت. وأمها التي تعمل موظفة في إدارة عمومية وترتدي الملابس العصرية تآلفت مع الوضع الجديد. وحدها سناء تحتج من حين لآخر: "ابتسام تكبرني بسنتين فقط. لذا فإن مقاساتنا متجاورة. ولولا تحجُّبها لكان في إمكاننا أن نشكِّل دولاباً مشتركاً بقطع ملابس أكثر تنوعاً، مثلما هي الحال لدى صديقاتي اللواتي يتبادلن الملابس مع أخواتهن، خصوصاً إذا لم تكن الأخت في الكلية نفسها. صحيح أنني أتبادل مع بعض الجارات، لكنني حزينة جداً لأنني لا أفعل الشيء نفسه مع شقيقتي. فلكلٍّ منا طريقتها في اللباس". أما خارج مشكلة الملابس هذه، فسناء وابتسام صديقتان حميمتان. وعلى رغم تحفظ ابتسام في علاقاتها، خصوصاً مع الجنس الآخر، فإنها لا تجد أي حرج في الاستماع بتواطؤ أخوي لمغامرات أختها مع عُشاقها الشبان. وغالباً ما تنصحها بتوخّي الحيطة والحذر. اختيارات فردية علاقة سناء مع أختها تبقى عادية جداً في المجتمع المغربي. ففي ظل هوامش الحرية داخل مؤسسة الأسرة تصير الاختيارات الفكرية والحياتية فردية في الغالب الأعم، وهو ما ينعكس في شكل كبير على الأزياء. فملابس البنات في الأسرة الواحدة قد تراوح ما بين الحجاب، والأزياء العصرية المحتشمة، والملابس الجريئة التي لا تتردد في "التصريح بأكثر الممتلكات" حميمية عبارة "التصريح بالممتلكات" هي عبارة شائعة يطلقها الشباب المغاربة على بعض الأزياء التي تكشف الكثير من مفاتن الجسد الأنثوي. وتبايُنُ هذه الأزياء واختيارات البنات، والبنين ايضاً، لا يؤثر عموماً في العلاقات الأسرية التي غالباً ما تبقى متماسكة. لذا حينما ظهر النقاب الأفعاني في المغرب قبل بضع سنوات، وعلى رغم أنه كان صادماً للذوق العام في الشارع المغربي، فإن أحداً لم يسجل اعتراضه. تمّ النظر إليه باعتباره جزءاً من فسيفساء الشارع المغربي حيث ما زلنا نجد رواجاً لأزياء "الهيبيز" التي تراجعت في غالبية بلدان العالم، بل تكاد تكون الزي الرسمي المعتمد لبعض المدن المغربية كالصويرة مثلاً. وحتى الشباب الذين فاجأتهم ظاهرة النقاب كان رد فعلهم الوحيد هو السخرية غير العنيفة عبر إطلاق لقب "البانغوان" أي "طيور البطريق" على المنَقَّبات. لكن أحداً لم يرفض ظهورهن في الشارع كزي طارئ إلا بعد أحداث السادس عشر من أيار مايو الماضي، حينما تورطت عناصر من تنظيمات متشددة في تفجيرات الدار البيضاء التي اهتزت لها المملكة. بعد الأحداث وفي إطار مطاردة الكثير من عناصر هذه التنظيمات، وجدت المنقبات أنفسهن محاصرات في الشارع المغربي في شكل غير مسبوق. إشاعة هنا تقول إن "طائر بطريق" دخل مركزاً للهاتف وأثناء حديثه سيكتشف صاحب المحل أن الأمر يتعلق برجل متخف وليس بامرأة. صاحب سيارة أجرة كبيرة يعتذر لمنقبة بعدما ارتاب الركاب في شأنها واعترضوا على سفرها معهم. دورية شرطة توقف أحد المطلوبين للعدالة وهو في زي امرأة منقبة. وكانت النتيجة أنّ أغلب المنقبات عُدن اليوم وفي شكل شبه جماعي إلى الجلباب المغربي الأصيل والنقاب الخفيف الذي يحقق لمن ترتديه كل المطلوب على مستوى الستر التام، إنما بطريقة لا تذوب معها خصوصية الجسد الأنثوي. فاطمة الزهراء حلمي الطالبة في كلية الآداب في مراكش بدت سعيدة لهذا التحول. أختها الكبرى متزوجة من أستاذ "ملتزم" فرض عليها النقاب. لكن بعد الأحداث ومع عودتها إلى الجلباب المغربي... صارت تبدو أحلى: "أحسستُ أنها استعادت بعض أنوثتها. لكن المشكلة الباقية تكمن فقط في اللون الأسود الذي تصر عليه، وأنا دائماً أنصحها بأن تحاول تقليد جدتي. فجدتي لم تُسفر قط عن وجهها خارج البيت. لكنها ترتدي مع ذلك جلابيب زاهية الألوان، ونقابها غالباً ما يكون أبيض، وحتى حينما تختاره أسود فإنه يكون مُطرَّزاً. فهل هناك ما يحرم الألوان الزاهية وتطريز النقاب".