تتباين آراء المسؤولين ورجال الأعمال العراقيين حول قدرة القطاع الخاص على تولي المهمات الاقتصادية الجديدة التي ستوكل إليه في المستقبل، ويختلفون في تقدير مدى الفوائد التي سيجنيها الاقتصاد جراء إعطاء دور أكبر للقطاع الخاص. ويأتي ذلك في الوقت الذي يشهد الاقتصاد توجهات متسارعة لتفعيل آليات السوق الحر، وتشجيع القطاع الخاص على تأهيل نفسه من أجل لعب "دور أكبر" في توجيه التطورات الاقتصادية المُرتقبة. أكد رئيس "اتحاد رجال الأعمال العراقيين"، راغب رضا بليبل، ان "الدراسات التي يبحث مجلس الحكم فيها تدفع في اتجاه السماح للقطاع الخاص بلعب دور أكبر على الساحة الاقتصادية العراقية". وقال ل"الحياة" ان "هذه التوجهات ستفسح المجال واسعاً أمام القطاع الخاص العراقي لتطوير إمكاناته، ما سيكون كفيلاً بكشف قدراته ومدى جديته في النهوض بمستواه ليضاهي مستوى القطاع الخاص في الأسواق الأكثر نضجاً". وأضاف: "لقد طلب منا تهيئة أنفسنا استعداداً للقيام بهذه المهمة الضخمة". وكان وزير التجارة العراقي، الدكتور علي عبدالأمير علاوي، أكد في وقت سابق ان السياسة المستقبلية لوزارته "ستكون مُنفتحة على دول العالم"، مشيراً الى "أهمية الاعتماد على أساليب الاقتصاد الحُر ورفع القيود التجارية التي فرضها النظام السابق على حرية التجارة". ودعا إلى "أخذ القطاع الخاص العراقي في الاعتبار والاهتمام به من دون تمييز عن القطاع العام". "دائرة تطوير القطاع الخاص" وسبق لوزارة التجارة أن أعلنت الأسبوع الماضي استحداث دائرة سمتها "دائرة تطوير القطاع الخاص" مهمتها الأساسية تمويل المشاريع التجارية الصغيرة والمتوسطة التابعة للقطاع الخاص. وهي تعمل على تنظيم دورات تدريبية للعاملين في هذا القطاع، وتوفير معلومات للقطاع التجاري الخاص عن طبيعة الإجراءات والوثائق اللازمة لتسجيل الشركات والوكالات التجارية وعمليات الاستيراد والتصدير، فضلاً عن إقامة مراكز للأعمال هدفها خدمة القطاع الخاص في بغداد والمحافظات. وذكر بليبل ان اتحاده "أجرى اتفاقات وبروتوكولات عدة مع الشركات العربية والأجنبية من أجل مشاركتها في برامج تطوير القطاع الخاص والعمل على دعمه بالخبرات التي تساعد على تأهيله". وقال: "هدفنا من ذلك الارتقاء بواقع هذا القطاع كي يتمكن من منافسة أقرانه في البلدان المجاورة في شكل عادل ومتساوٍ". ويُعد "اتحاد رجال الأعمال العراقيين"، الذي تأسس في بغداد عام 2001، ويضم في عضويته أكثر من 455 عضواً، أول منظمة مهنية عراقية تُعنى بشؤون رجال الأعمال في البلاد. من جهته، قال الأمين العام لغرفة تجارة بغداد، ثابت محمد البلداوي، ل"الحياة": "تستدعي الآفاق الواسعة لسياسة اقتصاد السوق تحركاً على مستوى عالٍ وسريع، حتى يستطيع القطاع الخاص الاستحواذ على مكانة متميزة في النشاطات الاقتصادية". وأضاف ان "القطاع الخاص في بلد مثل العراق مضى عليه أكثر من ثلاثة عقود بعيداً عن حركة التطور الاقتصادي العالمي، سيحتاج إلى طفرة نوعية كبيرة تسبق الزمن كي يأخذ دوره في العملية الاقتصادية في شكل فاعل". وأشار إلى أن "بعض رؤساء الدول والسياسيين في العالم عمد إلى السيطرة على مؤسسات اقتصادية كبيرة في بلده، موهماً شعبه بأنه المخلص الوحيد له والحريص على مصالحه وحقوقه". وقال: "لقد سهل ذلك لهم الطريق للاستحواذ على مقدرات بلدانهم ونهب قوت شعوبهم بأسلوب مُقنع"، مشيراً الى أن "أمثال هؤلاء استخدموا الشعارات الزائفة كواجهة سياسية تبرر لهم مآربهم وأطماعهم على حساب أبناء البلد". وأكد عبدالحسين الياسري، عضو "مجلس اتحاد الاقتصاديين العراقيين"، ل"الحياة" أيضاً، ان الاتحاد لا يقف "من حيث المبدأ ضد القطاع الخاص". لكنه دعا في الوقت نفسه الى "تأمين قدرته على زيادة إنتاج المؤسسات التي يتم تحويلها إليه وإدارتها في شكل كفؤ من قبله"، لافتاً الى أنه "لا بد من ضمان الرغبة الجادة للقطاع الخاص في المساهمة في عملية التنمية الاقتصادية". وأشار كذلك الى أنه "لا بد من تجنب تحويل قسم من المؤسسات والصناعات الوطنية الى القطاع الخاص، كالمؤسسات الإنتاجية العملاقة والصناعات النفطية"، التي اعتبرها "ثروة قومية تُمثل جزءاً من السيادة الوطنية للبلاد". وذكر ان "القطاع الخاص الذي عانى من استنزاف النظام السابق لموارد العراق لا يمتلك الأموال اللازمة التي تتيح له الدخول في مزايدات التخصيص". وحّذر من أن "الجهات الأجنبية ومعها أزلام النظام السابق الذين يمتلكون إمكانات كبيرة، قد يستأثرون بتلك المؤسسات لمصلحتهم، ما يؤدي الى حرمان القطاع العراقي من الاستفادة منها". ويقول عباس جاسم السوداني، معاون المدير العام لدائرة الإحصاء والأبحاث في البنك المركزي ل"الحياة": "نسعى حالياً الى تبنّي استراتيجيات جديدة ذات منافع اقتصادية مهمة يُمكن أن تساعد في انتعاش القطاع الخاص، لا سيما وأن هذا القطاع سبق وأن حصل على دعم كبير، لكنه لم يقم الى الآن بدور يؤهله لمنافسة القطاع الأجنبي". وأشار الى "ارتفاع كلفة المواد الأولية وتفضيل المستهلك للمنتجات المستوردة ذات النوعية الجيدة والرخيصة قياساً بالمنتجات المحلية وسياسة الإغراق التجاري"، معتبراً أن كل هذه "عوامل أخّرت سلباً القطاع الخاص العراقي". وأوضح السوداني ان "التنظيم يُعد من العوامل الأساسية والمهمة في إنجاح المشاريع الإنتاجية، خصوصاً تلك التابعة للقطاع الخاص"، لأنه على "رغم التسهيلات التي مُنحت للقطاع الخاص العراقي من المصارف التجارية والمصرف الصناعي، إلا ان العمليات الإنتاجية التي يقوم بها ما زالت تفتقر إلى الإدارة الجيدة والتنظيم المهني".