سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
زيارة الى منازل أعضاء "شبكة التخريب" في شمال لبنان ولقاءات بأهاليهم . صور بن لادن في منازل "المجاهدين" اللبنانيين الى جانب صور الفعاليات الطرابلسية 2 من 2
تتناول الحلقة الثانية والأخيرة من تحقيق باب التبانة عرضاً للبيئة التي خرج منها عناصر شبكة التخريب. أما المقدمة فهي جزء ثان من القرار الظني الذي صدر بحق هؤلاء من قبل القضاء اللبناني. كان المدعى عليه محمد الكعكة اول من سعى الى انشاء الفكر الجهادي وتطويره في لبنان عموماً وطرابلس خصوصاً. وفي العام 1996 خلال تأديته لخدمة العلم تعرف على الرقيب اول المدعى عليه ناصر العمر، فتوطدت العلاقة بينهما وراحا يتداولان في شؤون دينية، فعرض العمر على كعكة ايصاله بابن بلدته بلال خزعل المهاجر الى استراليا والذي يملك مجلة باسم "نداء الاسلام". فلم يتم التعارف لأن الكعكة انهى خدمته العسكرية. وفي عام 1998 التقى كعكة بالعمر وأخذ منه رقم خزعل الملقب ابو مهيب، في استراليا واتصل به، فراح يمده بأعداد من المجلة الى ان وقعت احداث الضنية، التي اعتقل منفذوها. التقى محمد كعكة وأحمد العتر الملقب بأبو عبد القدر واتفقا على انشاء صندوق تبرعات لأهالي الموقوفين. وراح كعكة يتردد على الحلقات الدينية التي يعقدها العتر في منزله حيث التقى بقية افراد الجماعة وتقرر شراء الاسلحة للضغط على الحكومة اللبنانية في الافراج عن الموقوفين. فاشترى كل واحد منهم سلاح كلاشنيكوف من مال الصندوق. بدأ خلاف ينشب بين العتر وكعكة حول زعامة الجماعة، فقرر الأخير طلب الدعم المالي من بلال خزعل الذي اتصل به سابقاً ومده بأعداد من مجلة "نداء الاسلام" التي يملكها في استراليا، وذلك لاستمالة الاعضاء. فاتصل كعكة بناصر العمر الذي تعرف اليه خلال تأديته الخدمة العسكرية وكان اول من عرفه بخزعل فقال له ان ماهر خزعل شقيق بلال موجود حالياً في لبنان. ودبر العمر لقاء لكعكة والعتر مع خزعل. ثم التقى العتر وخزعل من دون علم كعكة وتحادثا في مسالة تمويل آل خزعل مشروعاً يهدف الى شراء ارض وبناء معسكر عليها. فعلم كعكة بالامر وعاد والتقى خزعل وأخبره ان العتر اخطأ في الشرح وان الاموال هي لتنفيذ الاغتيالات والعمليات المتفق عليها. وقال له "منكم المال ومنا العمل". فقبل ماهر خزعل ونقل الامر لشقيقه من دون معرفة العتر الذي كان امير الجماعة. وكان العتر توجه الى السعودية لاداء فريضة الحج على ان يلتقي مع بلال خزعل ويتسلم منه مبلغاً من المال، فأرسل له خزعل 600 دولار من دون ان يلتقيه. وفي اواخر العام 2000 استطاع كعكة استمالة كافة الذين كانوا ينتمون الى ما سمّاه العتر "خلية طرابلس". اتصل كعكة بخزعل عبر البريد الالكتروني وأبلغه ان الخلية اصبحت مرتبطة بعصبة الانصار وان احمد ميقاتي بويع اميراً عليها، بعد ان توسعت وضمت اشخاصاً جدداً منهم خالد علي. وكان بلال خزعل ارسل مبلغ 2500 دولار استرالي لمحمد كعكة بواسطة البريد السريع . فاشترى كعكة هاتفاً خلوياً لفادي طيبا ليهرب من حضور جلسات المجلس العدلي بناء على اوامر خزعل. كذلك ارسل كعكة مع فادي طيبا مبلغ 300 دولار اميركي الى أحمد ميقاتي الموجود في عين الحلوة على ان يمدهم برشاشين مع كواتم صوت. لكن الميقاتي لم يؤمنهما. فتوجه كعكة اليه في المخيم بصحبة جلال مثلج، فأخبرهما الميقاتي ان عصبة الانصار طلبت منه العمل على اسقاط طائرة روسية تقل ديبلوماسياً روسياً، وهو بحاجة الى مبلغ 500 دولار. ثم أرسل محمد السيد وجلال مثلج الى عين الحلوة للتدرب على السلاح. عالم باب التبانة الداخلي يحف بسير هؤلاء الذين وردت اسماؤهم في القرار الظني الذي اصدره القاضي رياض طليع في حق ما سماه "عناصر جمعية ارهابية". انها الملامح المحلية لعالم بدأ يتسع، في زمن يصعب فيه ضبط منابع الأفكار والأفعال. لكن هذه السير ايضاً مليئة بالاشارات التي تحيلك الى عالم قريب وبعيد في آن. حين يتحدث هؤلاء الرجال عن انفسهم وعائلاتهم ونشأتهم، تشعر ان مناخاً نضج بقربك وفي غفلة منك كان من الممكن الانتباه الى ما سيفضي اليه. فحسين قرحاني الذي ولد في باب التبانة عام 1962 لأب نازح من عكار عمل الى جانب امامته مسجداً في المحلة، حداداً عربياً يصنع "المناقل" و"الشعّالات" وبراميل الغسيل. حسين هذا كان الابن الذكر الثاني للعائلة المكونة من 11 شقيقاً، وقتل شقيقه الأكبر الذي كان مقاتلاً في حركة التوحيد الاسلامي. والد حسين، وكحال معظم سكان المنطقة الذين نزحوا اليها في منتصف القرن الفائت من منطقتي عكار والضنية، كان درويشاً نقشبندياً مارس مشيخته في البداية كصوفي غير مكترث لا بالدعوة ولا بالجهاد. وحسين الذي ترك المدرسة ولم يبلغ بعد سن الثامنة تتلمذ على والده في المسجد، وبدأ الفتى حياته نقشبندياً، وهو ما يسميه اليوم بعدما تحول الى السلفية بدعاً. لم يترك حسين المدرسة الى المسجد فقط وانما الى سوق العمل ايضاً، فاشترى في حينه عربة صغيرة راح يذهب بها الى السوق ويشتري صباراً ويبيعه في الأحياء. بدأ الفتى يكبر بين المسجد والأسواق، فعمل لاحقاً حداداً للسيارات، الى ان صار عمره 15 عاماً وكان جمع مبلغاً يمكنه من افتتاح ورشة صغيرة يعمل فيها مع اشقائه فأستأجر المحل الذي ما زال يشغله الى اليوم. وفي هذه الأثناء كان الشاب أتقن قراءة القرآن وتجويده وصار استاذاً فيها يعطي دروساً في مسجد والده في المحلة. لكن حسين، وخلافاً لمجايليه من ابناء المنطقة، لم ينتم الى حركة التوحيد، اذ كانت والدته في حينها قررت بذل كل ما تستطيع لتفادي خسارة ابن ثان لها في الحرب. ويبدو ان لميول الشاب الصوفية دوراً في عدم اندفاعه نحو ما يسميه الناشطون المصنفون للحركات الاسلامية ب"الاسلام الجهادي". ولكن حان الوقت الذي بدأ الشاب فيه تحولاً نحو السلفية. انه بداية التسعينات، الوقت الذي بدأ فيه الشاب الاستماع الى خطب الشيخ خليل حيدرية في المسجد الكبير وشرع يقارن بين ما يقوله وبين ما يعرفه عن الاسلام الذي تعلمه من والده ومن المشايخ الصوفيين، وراح يتبين وجه "البدع" في ما تعلمه صغيراً. الخطوة التالية بعد التحول الى السلفية كانت اقناع والده بضرورة الاقلاع عن التصوف وبدأ يحضر القرائن التي ادت الى تحول الوالد عن الصوفية التي ولد وهو لا يعرف طريقاً. وسبق تحول الوالد تحول في ايمان اشقاء حسين ايضاً وهو ما ساعده على تطويع الوالد وهدايته من جديد. ويبدو ان التحول من الصوفية الى السلفية امر جار على قدم وساق في البيئة الاسلامية الشمالية وتحديداً في منطقتي القبة وباب التبانة حيث كانت الطرق الصوفية مزدهرة، وما زال الكثير من العائلات مرتبطاً بهذه الطرق كآل الزغبي وآل الزاهد. ثم ان الكثير من رموز التيارات السلفية اليوم كانوا صوفيين في الماضي كالشيخ خليل حيدرية مثلاً. "البلانكو" عبارة يرددها هؤلاء الناشطون في التيارات الدينية، وهي آلة تستعمل كما يقولون اثناء عمليات التعذيب التي يتعرضون لها خلال التحقيق معهم من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية، فالدولة اللبنانية قررت على ما يبدو قصر وجودها في منطقة باب التبانة على اجهزتها الأمنية الموجودة بكثافة في المنطقة الى جانب اجهزة اخرى. وحسين قرحاني الذي اصطحبنا بجولة الى الورش التي يعمل فيها عدد من هؤلاء راح يردد حكاية ما يقول انه تعرض له اثناء التحقيق، فيما اكتفى زملاؤه في الورش بالتأشير على علامات غير واضحة خلّفها تقييدهم بالسلاسل. ويبدو ان ما يؤدي الى استمرار المأزق الذي تعيشه المنطقة، هو ان الوجود الأمني لا يهدف الى استئصال هذه الجماعات او الى منع وجودها، وانما يقتصر على مراقبتها وضبط ادائها في سياق سياسات قد ترغب بالاستثمار في مجالات من الأنشطة التي ربما شكل هؤلاء وقودها. ولكن من المرجح ان يكون من الصعب على القائمين على الأوضاع الأمنية في لبنان ضبط تحرك هذه الجماعات، خصوصاً ان القرار الظني الذي سطّره القاضي طليع بعد تحقيقات مع المتهمين تضمن انخراط جماعة ال"ماكدونالدز" في شبكة اوسع مرتبطة ب"أبو الشهيد" وهو عنصر يمني من "القاعدة" مقيم في عين الحلوة جنوبلبنان، وتضمن القرار ايضاً صلة تمويلية بجماعة اسلامية مقيمة في استراليا، ناهيك عن الاشارات الأكيدة التي تضمنها كلام عدد من هؤلاء الناشطين والمتعلقة باقامة علاقات مع جمعيات خارجية وعن جولات قام بها "امراء" الجماعات الطرابلسية الى دول مختلفة بهدف جمع التبرعات واقامة الصلات مع اطراف غير معنية في المعادلة الأمنية اللبنانية وخارج دائرة الضبط السوري للأوضاع. والتيارات والأهواء الزاحفة الى البيئة الطرابلسية تمكنت على ما يبدو من احتلال صدارة الحياة في المدينة. انهم كما يؤكد الجميع هنا في طرابلس القوة الأكبر التي ورثت اضافة الى الاسلام الصوفي، حركات الاسلام "الجهادي" وتحديداً حركة التوحيد التي انكفأت بعد دخول السوريين الى المدينة، وتشرذم مجتمعها. ويؤكد طرابلسيون يعيشون قرب هذه الظاهرة ويتابعون انشطتها ان التيار السلفي في الشمال وعلى رغم استقطابه معظم شباب الأحزمة التقليدية يعاني من تشرذم قيادته و"امرائه" وارتباطهم بجهات مختلفة. ثمة اسماء كثيرة لمشايخ وامراء، كالشيخ حسن الشهال والشيخ علي طه والشيخ بلال البارودي والدكتور زكريا المصري، ولهؤلاء ولغيرهم مريدون بالآلاف، اضافة الى "امراء" محليين مستقلين بمريديهم. ويبدو ان منطق المساعدات من جمعيات خارجية وتحديداً في اوروبا هو السائد، فالكثير من هؤلاء "الأمراء" سبق ان قام بجولات خارج لبنان بهدف جمع التبرعات لجمعيته واقام الكثير من الهيئات علاقات مع صناديق دعم. للشيخ حسين قرحاني سبعة اولاد كبيرتهم لم تبلغ السابعة عشرة وهي مخطوبة لشاب معتقل اليوم بتهمة الانتماء الى الشبكة التي فجرت مطعم ال"ماكدونالدز". يقول قرحاني ان "ذنب صهري الوحيد هو انه تلميذ ابو عبد القادر". ستجد نفسك امام دائرة بدأت تكتمل، فأبو عبد القادر هو نفسه احمد العتر المنافس الرئيس على "امارة" المجموعة بحسب القرار الظني، وهو من مواليد 1962 في باب التبانة وتزوج في العام 1981 وله الآن عشرة اولاد. يقول شقيق العتر ان ذنب شقيقه هو ان المتهم الرئيسي الثاني في الشبكة محمد الكعكي كان تلميذه، ويشير الى ان شقيقه كان يدرس في المسجد مادة العقيدة والجهاد، ولكنه، اي الشقيق، ضد الأعمال التي نفذها طلابه. وأبو عبد القادر هذا انتمى في فتوته ايضاً الى حركة التوحيد الاسلامي بعدما ترك المدرسة في الصف الرابع المتوسط، وبدأ حياته عاملاً في محل لنجار موبيليا الى جانب المشيخة التي بدأها مبكراً. ويؤكد الشقيق ان الأموال التي كان يجمعها شقيقه كانت تهدف الى شراء ارض وتحويلها الى مدرسة دينية لا الى معسكر للتدريب كما تضمن القرار الظني، ولفت الى ان شقيقه قام في الأعوام الفائتة بأكثر من زيارة الى دولة الكويت لجمع تبرعات بهدف تأسيس جمعية لبناء المساجد والعمل الخيري. ويتحدث ابناء باب التبانة عن مساعدات كثيرة تتلقاها الجمعيات التي يعمل في ظلها رموز التيارات الدينية الجديدة، وهم، وبعد حظر عدد من جمعياتهم بعد مقتل الشيخ نزار الحلبي، لجأوا الى انشاء هيئات رديفة ك"لجنة دفن الموتى" التي يتعدى عملها اسمها، اذ تقيم الافطارات المجانية في المنطقة وتقدم المساعدات لعدد من ابناء باب التبانة، وتستقدم مشايخ الى الأحياء "لهداية المؤمنين الى الأيمان الصحيح". ويبدو ان الكثير من الفعاليات الطرابلسية اختارت هذا النمط من العلاقة مع هؤلاء السكان فقصرت مساعداتها التي تتضاعف مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية الى اعالات بعيدة عن اي مضمون تنموي، ففي شهر رمضان مثلاً تنهال على السكان وجبات افطار من المرشحين للانتخابات المقبلة، والتي قد توازي في اكلافها ما قد يكفي لبناء مدرسة او مشروع تشغيلي، ناهيك عن ان مسألة انجذاب هذه الأوساط الى تيارات قد تؤدي بها الى ما ادت اليه في محاولتها تفجير ال"ماكدونالدز": قضية لا تشغل المدينة ولا مسؤوليها. كثر من اعضاء التيارات السلفية في منطقة باب التبانة هم سجناء سابقون في السجون السورية. معظم الذين ولدوا في ستينات القرن الفائت منهم قضوا سنوات في هذه السجون. المشتركون في اعمال التفجير والتفخيخ سبق ان افرج عنهم قبل سنوات قليلة. ويقول احد هؤلاء ان نحو 1300 من أبناء باب التبانة والقبة، وهم اعضاء سابقون في حركة التوحيد، سبق ان اعتقلتهم القوات السورية بعد دخولها الى المدينة عام 1986 وقضوا في السجون السورية فترات تتفاوت بين سنة وعشر سنوات. ولهذا تشعر انه، وعلى رغم النفوذ السوري الأمني والسياسي في هذه الأوساط، ثمة عداء واضح للسوريين، وثمة ايضاً حياة كاملة عاشها هؤلاء قامت على مشاعر الحرب مع الجيش والنظام السوريين. هذا المستوى من المشاعر اعمق قليلاً من ان يصرح عنه في اللقاء الأول، ولكن يمكن تجميع عناصره من احاديثهم والتقاط اشاراته من خطبهم ودعاويهم. فشقيق احمد العتر ابو عبد القادر وفي اثناء تأكيده ان شقيقه كان يجمع اموالاً لمساعدة عائلات قتلى حوادث الضنية الذين قتلوا عام 2000 في معارك مع الجيش اللبناني اثناء اعلانهم عصيانهم ومباشرتهم حرباً على "الكفار"، قال: "ان هؤلاء يجمعهم مع اخي انهم اولاد منطقة ودعوة وكانوا معاً في السجن في سورية". ولا يفوت آخرين اثناء عرضهم لأحوال التيار السلفي في شمال لبنان ان يؤكدوا ان "الاضطهاد" الذي يتعرضون له من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية يعود الى عداء السوريين لهم. ولكن باب التبانة ايضاً منطقة مفارقات، فهؤلاء وبعدما تم اخضاعهم بالمعنى السياسي لم يتم اخضاع مشاعرهم اليومية التي لم يُنتبه ربما الى امكان توظيفها ضد الأوضاع السائدة. يضاف الى ذلك ميل الفئات الحاكمة في لبنان ومن يقف وراءها، الى افساح المجال لبؤر امنية ودعوية قد يتم توظيفها في سياقات اخرى. ففي الوقت الذي حدد فيه السوريون للنخب السياسية اللبنانية مجالات الاستثمار والاستقطاب نرى انهم تركوا لحلفائهم من النواب والمسؤولين الطرابلسيين حرية ما، في رعاية اوضاع هؤلاء. ففي الوسط السلفي الطرابلسي اختلاط واضح في الولاء. كثيرون من هؤلاء الشباب ينتمون انتخابياً الى مرشحين تقليديين طرابلسيين، وسياسياً ودينياً وامنياً الى التيارات الدينية. النائب محمد كبارة مثلاً يُعد مكتبه مقصداً لأهالي واصدقاء الموقوفين المتهمين في قضية تفجير ال"ماكدونالدز"، وفي منزل احد هؤلاء المتهمين ركنت صورتين متقابلتين واحدة لأسامة بن لادن واخرى للوزير نجيب ميقاتي!