أكدت مصادر إسلامية ل"الحياة" ان السلطات الايرانية التي تعتقل مجموعات من المشتبه في انتمائهم الى تنظيم "القاعدة"، سلّمت قبل أسابيع مجموعة من المصريين الى بلادهم، في حين تمكنت مجموعة أخرى تضم قيادياً بارزاً في "جماعة الجهاد" من "الفرار" من سجنها والتسلل الى أفغانستان. وجاءت هذه المعلومات في وقت كرر الرئيس محمد خاتمي، في مقابلة مع تلفزيون "يورو نيوز"، استعداده لتسليم نحو 130 شخصاً تعتقلهم بلاده للإشتباه في انتمائهم الى تنظيم أسامة بن لادن، قائلاً ان ايران ستحاكم الذين ارتكبوا جرائم على أرضها وسترحّل الآخرين. وقال مدير "مركز المقريزي" في لندن الدكتور هاني السباعي، المدان غيابياً في مصر بتهمة الانتماء الى "جماعة الجهاد"، ان مجموعة من المعتقلين في ايران "نجحت أخيراً في الفرار من سجنها". وأضاف ان بين الفارين "المسؤول الشرعي" سابقاً في "جماعة الجهاد" مرجان مصطفى سالم أبو عيسى. وتُقر ايران باعتقال عشرات من المشتبه في انتمائهم الى "القاعدة". وقال مسؤول أميركي اخيراً، في لقاء حضرته "الحياة" في واشنطن، ان طهران تعتقل قرابة 12 "من كبار قادة القاعدة". وأوضح السباعي، في لقاء مع "الحياة"، ان مرجان كان مسؤولاً كبيراً في "جماعة الجهاد" لكنه اختلف مع زعيمها الدكتور أيمن الظواهري وبعض المحيطين به في أفغانستان. وقال ان مرجان رأى ان على "جماعة الجهاد" وتنظيم "القاعدة" وبقية الجماعات الإسلامية الناشطة في أفغانستان ان تذوب في حركة "طالبان" وتعمل في إطار حكومتها بدل ان تتصرف وكأنها "دولة داخل دولة" لها مشاريعها الخاصة، في حين أصر الظواهري وبعض المحيطين به وبينهم مسؤول "العمليات الخاصة" طارق أنور المعروف ب"فتحي" ومسؤول المال والعلاقات العامة نصر فهمي نصر المعروف ب"محمد صلاح"، على ان تبقى "جماعة الجهاد" مستقلة عن "طالبان". وأضاف ان أصحاب هذا التيار أيّد في 1998 التحالف مع "القاعدة" في إطار "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين"، ثم أيّد ذوبانها كلياً مع "القاعدة" تحت مسمى "قاعدة الجهاد" إثر بدء الحرب الأميركية في أفغانستان في تشرين الأول اكتوبر 2001. وأكد السباعي ان مرجان ابتعد بعد خلافه مع الظواهري عن "جماعة الجهاد" وصار ينشط في شكل مستقل في كابول ويُصدر دراسات تؤيد في مجملها مواقف "طالبان" وضرورة العمل تحت رايتها بين كتبه "التبيان في مسائل الكفر والإيمان". وقال ان موقفه كان يلتقي مع موقف ناشطين آخرين بينهم "أبو مصعب السوري" مصطفى الست مريم كانوا ينادون بذوبان الجماعات الإسلامية في أفغانستان في إطار "طالبان" ومبايعة زعيمها الملا عمر والعمل تحت إمرته. وانضم الى أصحاب هذا الموقف لاحقاً "أبو حفص الموريتاني" أحد كبار "المسؤولين الشرعيين" في "القاعدة" بعدما استضاف الملا عمر في مقره في قندهار عام 2001 لقاء واسعاً حضره العديد من الناشطين وبينهم الظواهري وبن لادن وبايع فيه الحضور مصافحة زعيم "طالبان" على السمع والطاعة. لكن الدكتور الظواهري وأسامة بن لادن كانت لهما، على الأرجح، مشاريعهما الخاصة التي لم يتخليا عنها على رغم مبايعتهما الملا عمر، مثلما تبيّن لاحقاً إثر هجمات أيلول سبتمبر 2001. وقال السباعي ان الضربة الأميركية لأفغانستان لم تميّز بين عناصر "القاعدة" وبقية الإسلاميين المؤيدين ل"طالبان". فرحل مرجان مع عائلته الكبيرة في اتجاه الحدود الايرانية، كما فعل كثيرون غيره من الإسلاميين الفارين من الهجوم الأميركي والذين لجأوا الى مراكز تجمعات سنّية في ايران أو حتى الى طهران بسبب ضخامتها وسهولة الاختفاء فيها. وأضاف ان إيران لم تكن بلداً غريباً على كثير منهم، إذ اعتاد العديد من قادة "القاعدة" والجماعات الأخرى الناشطة في أفغانستان المرور عبرها للانتقال من بلد الى آخر. وأكد ان "الاستخبارات الايرانية كانت تعلم بوجود عناصر من "القاعدة" وجماعات أخرى على أرضها و"كانت تؤمن لهم الحماية". وأوضح ان مرد ذلك "استراتيجية" اعتمدها الايرانيون مفادها ان "الناشطين السنّة يقاومون عدونا ممثلاً بالشيطان الأكبر أميركا كما كان يصفها الإمام الراحل الخميني، وبالتالي لا يجوز الغدر بهم بل مساعدتهم". وتابع ان الايرانيين كانوا يأملون أيضاً بأن فتحهم خطوطاً مع هؤلاء الناشطين يمكن ان يساعدهم في تحسين علاقتهم المتوترة مع حركة "طالبان". ولفت الى ان موقف أجهزة الاستخبارات الايرانية و"الحرس الثوري" بدأ يتغيّر مع توسع نفوذ "الإصلاحيين"، وصار مسؤولو الأمن يقولون للناشطين ان عليهم المغادرة خشية اعتقالهم، وفي أحيان كثيرة كانوا يحددون لهم تاريخ عملية الدهم. وقال ان بن لادن والظواهري وبعض المحيطين بهم غادروا ايران التي فرّوا اليها بعد بدء الضربة الأميركية، بعدما حذّرهم مسؤولون في الاستخبارات من ضغوط للقبض عليهم. وأضاف ان عناصر أخرى اعتقلها ايران وضعتها إما في إقامات جبرية، في مشهد مثلاً، أو نقلتها الى سجون في مناطق عدة من البلاد. وكان مرجان بين هؤلاء ومعه مسؤول آخر في "الجهاد" هو ثروت صلاح شحادة الذي اختلف أيضاً مع الظواهري في أفغانستان. وأوضح السباعي ان الايرانيين ساعدوا بعض العائلات المنتمية الى "الجماعة الإسلامية" في العودة الى مصر طوعاً بعد تأييدها النهج السلمي ل"القيادة التاريخية". وقال ان الذين عادوا نهاية العام الماضي وهذه السنة قرابة 12 عائلة من القاهرة والصعيد، ولم يمسهم أذى بل أفرج عنهم بعض التحقيق معهم. وأضاف ان الذين عادوا من ايران لم يكونوا الوحيدين، بل عاد أيضاً كثير من الناشطين من أوروبا بعد اتصالات أجراها معهم ضابط كبير برتبة لواء في جهاز أمني مرتبط برئاسة الجمهورية. وقال ان الايرانيين "رحّلوا مجموعة تضم نحو 17 شخصاً "سُلّمت الى القاهرة في الأسابيع الأربعة الماضية".