ترتسم علامات التوتر على ملامح الفيليبينية آني نادلة مقهى "سبير كافي" وسط العاصمة ابو ظبي مع غروب الشمس السابعة مساء بالتوقيت المحلي... فبعد استراحة الظهيرة والخلود للنوم قليلاً، تبدأ جماعات من المهاجرين العاملين في الإمارات وخصوصاً من دول الشمال الافريقي بالتوافد الى هذا المقهى "الفاخر" للبحث عن شيء من "الإلفة "الوطنية" وسط المدينة الكوزموبوليتية ولتبادل الأخبار والخبرات المتعلقة بقضايا الحياة اليومية وفك شيفرة الكلمات المتقاطعة في الصحف الرياضية الأكثر شعبية... يوفر ارتيادهم للمقهى ايرادات جيدة، ولكن آني اصبحت اكثر عصبية منذ بداية الموسم الرياضي الجديد. فالمسألة جد حساسة... فالمواطنون يحلو لهم متابعة الدوري الإيطالي الذي تبثه قناة ابو ظبي الرياضية المشفرة، بل ويتابعون بشغف كل البرامج المتعلقة بالسكوديتو والكالشيو. بعض المغتربين الأجانب يأملون في الاستماع الى قنوات الموسيقى عسى ان تخفف عنهم عناء النهار... وغالبية الحاضرين من تونس ومصر والمغرب وبعض الجزائريين، يعتقدون جازمين بأن دفع 4 دولارات ثمناً لكوب القهوة هو جسرهم للاستمتاع بالفرجة على بطولاتهم المحلية، وفي غيابها متابعة مشوار انديتهم في المسابقات القارية، فما بالك بالنسخة الأولى من دوري ابطال العرب الجديد... في الحقيقة، ان بيار مالك المقهى وعميد الجالية اللبنانية في الإمارات، أدرك بحسه الاستثماري اهمية الاشتراك في كل القنوات الرياضية المشفّرة... لن يكلفه الأمر كثيراً، ولكن عدد رواد المقهى في تنامٍ مستمر... تقول آني: "أجد صعوبة حقيقية في التوفيق ما بين رغبات المشاهدين المتنافرة، ولكن ابتسامة الرضا على وجه السيد بيار مع نهاية الدوام تجعلني انسى كل شيء تقريباً". يبدأ هذا الطقس اليومي الجديد مع الساعة الخامسة مساء. تشتغل الهواتف النقالة ما بين المقيمين ويكون محور المحادثة نوعية المباراة وتوقيت بثها والاتفاق على الالتقاء في "السيبر". تبدأ "أم المشكلات" عند حجز المقاعد الأمامية الأقرب الى الشاشة العملاقة... تحمى حرب الرايات... يتكتل التوانسة والمغاربة الى طاولات متقاربة في حين يحبذ الإماراتيون الأرائك الوثيرة في الجانب الأيمن للمقهى... ولا أحد يعبأ بصوت الأقلية من جزائريين وبعض السودانيين. يعمد بعض "الأذكياء" الى حجز مقاعد لزملائهم المتأخرين بوضع جرائد عليها أو طلب كؤوس المياه... وينسى الجميع معضلة الجلوس تحت المكيف المعلق في السماء وتداعياته الصحية السلبية. يوم الثلثاء الماضي، كانت بداية دوري ابطال العرب الجديد... وقد اتفق أحمد واسماعيل على حجز المقاعد مبكراً لمشاهدة مباراة الإسماعيلي المصري ونظيره وهران الجزائري. يقول احمد المصري العامل في قطاع الكهرباء "لقد اكتشفت هذه الفرجة المجانية متأخراً. أعشق كرة القدم، وهوائي البرج الذي أقيم فيه يسمح بالتقاط القنوات المصرية، اشتركت العام الماضي في ابو ظبي الرياضية لمتابعة الدوري الإيطالي، ولكنني احسست ببعض الذنب تجاه اولادي لو قمت بالاشتراك في قناة "آي آر تي"، فمع تنامي فاتورات المياه والكهرباء والهاتف الجوال، يصبح من الإسراف الاشتراك في اكثر من قناة، ولكن الفرجة في المقهى توفر المصاريف الإضافية وتمتعك لقاء الأصدقاء وتماشي الأزمات مع الزوجة". اما التونسي زهير استاذ اللغة الإنكليزية المقيم في الإمارات منذ نحو 10 سنوات والناطق الرسمي باسم التوانسة في "حرب القنوات" فيعتقد "بأن المقاهي اصبحت المنفذ الوحيد لعشاق كرة القدم بعد تزايد ظاهرة التشفير، فلا يعقل أن يدفع الواحد منا اكثر من 1000 درهم للاشتراك في كل هذه القنوات... قلوبنا معلقة ما بين البطولات الأوروبية والدوري المحلي والمسابقات القارية... وتعقدت الأشياء بتشفير الدوري العربي الجديد". ويضيف زهير الذي ينجز رسالة الدكتوراه حالياً عن "اللغة والثقافات والعولمة" في جامعة "غلاسكيو في المملكة المتحدة" أن حالاً من الإحباط اصابت ابناء جلدته في نهاية الصيف الماضي عشية مباراة الترجي التونسي واتحاد العاصمة الجزائري، فقد تعودوا أن تنقل المباراة ارضياً على الشاشة التونسية، ولكن هذا العام حرموا من هذا الاستثناء بعد ان اصبح دوري ابطال افريقيا ينقل حصرياً على قناة ART المشفّرة. ونقل زهير أن سوق الترانزستور في تونس ازدهرت بعد ان كان الجميع نسي تقريباً ذلك الاختراع المسمى الراديو. ويبدو ان تنامي سوق القنوات المشفرة دفع بعشاق كرة القدم الى الانقسام الى معسكرين: الأغنياء والفقراء. من يدفع ثمن الفرجة ومن يتحايل على التشفير بالجلوس في المقاهي لتنقلب الآية فيتراجع التلفزيون ويعود الناس للترانزستور في زمن العولمة والديجيتال.