تدور الأيام دورتها، ويعود رمضان من جديد يظلنا بنفحاته ورضوانه، ونحن على لهفة للقائه. ألا يستحق اكرم الأشهر وأفضلها ان نفرح لاستقباله، ونسعد لعودته؟ لو لم يكن فيه إلا تنزيل الذكر الحكيم لكفاه فخراً وشرفاً وفضلاً وتكريماً! لقد كان الصيام مفروضاً على الأمم الخالية. وجاء شهر رمضان فكان ناسخاً لما سبقه، وكان من سمات المسلمين، أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار. إن شهر رمضان خير تكريم من الله عز وجل لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه شهر الخير والبر والتقوى والصفاء والنقاء، فتتسامى الأرواح، وترتقي الدرجات نفوسُ الأبرار السالكين الراشدين. قال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أُخر وعلى الذين يُطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خيراً لكم إن كنتم تعلمون[. وشهر رمضان هو شهر الكرم والسخاء والجود والمكارم على اختلاف انواعها. فيه البخيل يصير جواداً، والجواد يصير غاية الجود أضعاف أضعاف ما كان عليه في غير رمضان. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اجود من الريح المرسلة، وكان أجود ما يكون في رمضان. ورمضان الذي ننعم ببركاته هذه الأيام يأتي وفي القلب دعوة لأن يكون شهر خير وبركة على الأمتين العربية والإسلامية وعلى البشرية في جميع اصقاع المعمورة. ولكن الذي يدعو للدهشة ان من الناس من يبدد هذه المناسبة دون ان يغنم بركاتها باتخاذ سلوك مغاير لما يقتضيه هذا الشهر الكريم. ومنهم من لا يرى فارقاً بينه وسواه من الأشهر، ويبقى سادراً في مخالفة روح الشهر الكريم بارتكاب كل الذنوب، متناسياً ان للشهر رباً يجزي ويجازي، وأن رمضان محطة لاغتسال النفس من أدرانها وللاقتراب من روح الإيمان الحقيقية، ومحطة انطلاق روحي للقيم النبيلة، ومرحلة زمنية لتدريب النفس والبدن على الصعب في غير وقته. والصائمون كثر، ولكن عدد الذين يقبل الله صيامهم في عالم الغيب. فهناك من لا يغنم من صومه إلا الجوع والعطش، وما أفدحها من خسارة حين يقطع الإنسان رحلة الشهر الكريم بلا ثواب. فالصائم الحقيقي هو الذي يلتزم بالعبادة، ويؤدي الفروض، ويعف النفس عن رغباتها، ويروض اللسان عن جموحه، ويقهر البدن حين يطلب احتياجاته، وعلى رغم صومه يعمل ولا يتقاعس عن العمل لتزداد مساحة المكابدة ويعظم اجره وثوابه. والصائم الحقيقي سماؤه في وجهه. فهو الأكثر سلاماً مع نفسه ومع الآخرين. وهو الذي يشعر بالرضا والقوة بصومه، ويدخل في اختبار الصوم وينتصر فيه. عبدالعزيز الصقيري كاتب سعودي [email protected]