مع ان التهديدات الخارجية تبدو مصدر قلق لدى عدد من السوريين لكنها لم ترق بعد إلى مستوى الهموم المعيشية التي تفرضها الحياة اليومية على معظمهم وتجعلهم يلهثون وراء لقمة العيش لتأمين متطلبات أسرهم. ومع اعتقاد البعض ان التهديدات لا تتعدى اكثر من مجرد الحصول على بعض التنازلات أبدى البعض الآخر قلقه من ان تؤدي المخاطر إلى تفاقم الوضع الاقتصادي في البلاد وان ينسحب ذلك على حياتهم. ويتحدث عدد من أصحاب المحال التجارية في العاصمة دمشق عن ضعف حركة البيع مع بداية رمضان على رغم ثبات معظم أسعار المواد الغذائية باستثناء اللحوم وبعض أنواع الخضار. ويعيد بعض التجار سبب الركود إلى ضعف القدرة الشرائية لدى المستهلكين وعدم وجود سيولة كافية في أيديهم. ويقول محمد عثمان، صاحب محل لبيع الخضار في مخيم اليرموك شمال دمشق، ل"الحياة": "قبل رمضان كانت حركة البيع افضل لدينا وعادة في مثل هذا الشهر نبيع كميات كبيرة لكن لاحظنا منذ بداية رمضان ضعف إقبال المواطنين على الشراء على رغم ان الأسعار معتدلة ولا تقاس إلى مواسم رمضان الماضية عندما كانت الأسعار تحلق إلى درجة لا تطاق". وينفي ان تكون التهديدات الأميركية والإسرائيلية وراء ضعف حركة السوق والركود ويقول: "ان السبب ضعف الرواتب والأجور التي يتقاضاها اغلب العاملين في الدولة والقطاع الخاص". ويضيف: "في الاعوام الماضية كان سعر كلغ البندورة يصل إلى نحو 60 ليرة سورية الدولار يساوي 50 ليرة سورية وكلغ الخيار إلى 70 ليرة ولم تكن لدى الكثير من الناس القدرة على الشراء في ظل مثل هذه الأسعار ومع ذلك كانت حركة البيع افضل". ويعلق المواطن علي مصطفى على كلام بائع الخضار بقوله: "انا متقاعد وراتبي لا يزيد على 6 آلاف ليرة سورية ودفعت منذ بداية الشهر اكثر من نصف مرتبي ثمناً لفواتير الكهرباء والماء والهاتف ولم يبق معي سوى ثلاثة آلاف ليرة تكاد لا تكفي لشراء المواد الضرورية من المأكل لأفراد أسرتي". ويتابع: "جاء رمضان مع قدوم فصل الشتاء ومصاريفه المعروفة من محروقات وألبسة وتزامن قدومه أيضا مع افتتاح المدارس وخزن المؤن... هل الراتب الذي أتقاضاه يكفي لكل هذه الضغوط المعيشية التي اصبحت لا تُطاق خصوصا ان الأولاد لا يرحمون". ومع محافظة معظم أنواع المواد الغذائية على أسعارها ارتفعت أسعار اللحوم وبعض أنواع الخضار بشكل لافت ووصل سعر كلغ اللحمة الى نحو 400 ليرة سورية 8 دولارات أميركية بينما كان يباع قبل رمضان بنحو 350 ليرة وارتفع سعر كلغ الفروج من 55 إلى اكثر من 70 ليرة في حين تضاعفت أسعار بعض أنواع الخضار ليصل سعر كلغ الخيار إلى 30 ليرة بينما كان يُباع قبل رمضان بأقل من 15 ليرة وبلغ سعر كلغ الكوسا الى 40 ليرة في حين كان يباع بنحو 15 ليرة. ويعترف علي حجازي، صاحب محل لبيع الفروج في سوق باب سريجة وسط دمشق، ان الأسعار لا تتناسب مع دخل المواطن ويقول: "الكميات المعروضة كبيرة جداً ومع هذا حصل ارتفاع في أسعار الفروج واللحوم وكان من المفروض ان ترتفع الأسعار في شهور الصيف لان الحركة تكون كبيرة في المطاعم والفنادق لوجود السياح والمغتربين". الهوة ويرى خبراء اقتصاديون ان الهوة لا تزال واسعة بين الرواتب والأجور وبين الأسعار ولم تستطع الزيادات الأخيرة على رغم أهميتها ان تردمها لان تلك الزيادات لم تأت من مصادر إنتاجية حقيقية انما من زيادة الأسعار خصوصاً المشتقات النفطية والكهرباء. ويشير برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي أعدته الحكومة السورية وطرحته للنقاش منذ اكثر من سنة، الى ان الرواتب والأجور تعاني في سورية من التدني بحيث لا تكفي مستوى الرواتب والأجور وتعويضاتها لمعيشة أسرة مكونة من خمسة أشخاص سواء في القطاعين العام أو الخاص اذ يبلغ متوسط الرواتب لحوالى 66 في المئة من العاملين في الدولة اقل من 7500 ليرة 150 دولارا أميركيا. ويلفت انتباه الزائر إلى دمشق هذه الأيام انتشار البسطات في الشوارع العامة وحول الأسواق التي تحتوي على أنواع المأكولات والمشروبات كافة بعدما وجد فيها عدد من الشبان فرصة للتخلص من البطالة اكثر من 560 ألف عاطل عن العمل وفقاً لاخر التقديرات الرسمية ورغبة منهم في اقتناص فرصة رمضان لادخار تحويشة العيد. وكان معظم المحال التجارية استعد قبل رمضان بأيام وأخذ في خزن أنواع كبيرة من المواد المطلوبة في الشهر في محاولة لبيع اكبر كمية ممكنة، وازدانت المحال بأنواع الجبنة والزبدة والحلاوة والمرملات المختلفة إضافة إلى ظهور أنواع من المشروبات مثل التمر هندي والقمر الدين والعرق سوس، التي تكاد لا تخلو مائدة منها، في رمضان. وازدهرت صناعة الحلويات الدمشقية المعروفة مثل "النهش" والهريسة والنمورة والقطايف ووردات الشام التي تشبه النهش لكنها اصغر منها. ومع حلول رمضان أخذت المطاعم والفنادق في نصب الخيم الرمضانية "خيام الهنا" في محاولة لجذب اكبر عدد من الصائمين على موائدها العامرة بكل ما لذ وطاب من دون ان ينسى القائمون عليها اشاعة أجواء رمضانية تنعش الصائم عبر انغام الرقص المولوية وصوت الحكواتي الذي يعيد الحاضرين إلى عصور خلت من خلال القصص المعروفة عن عنترة وعبلة وسيرة بني هلال. وتُعد هذه الخيم الرمضانية مكاناً ملائماً للتجار وأصحاب الدخول المرتفعة ولا يستطيع المواطن العادي تناول طعام الإفطار فيها نظرا لارتفاع أسعارها. وينتقد متدينون هذه المظاهر على اعتبار "ان رمضان فرصة لمحاسبة النفس والانصراف إلى العبادة وتعزيز صلة الرحم". ويقول أحدهم: "لو كان كل التجار يوزعون زكاة أموالهم في رمضان فقط لما كان هناك فقير بيننا".