مع اقتراب عيد الفطر المبارك بدأت شوارع دمشق وأسواقها التجارية تزداد ازدحاماً بالسكان الذين خرجوا لشراء حاجاتهم الضرورية والكمالية استعداداً للعيد. وبدت الأسواق متخمة بالبضائع التي تكدست على واجهات المحلات وفي الشوارع وعلى الأرصفة والبسطات المتنقلة بعد ان جهز التجار محلاتهم بمختلف الأصناف من الحلويات والمأكولات والألبسة وغيرها من مشتريات العيد. لكن على رغم توافر المواد الغذائية والمنتجات بأنواعها كافة، إلا ان حركة البيع والشراء بقيت ضعيفة في ظل ارتفاع الأسعار أمام ضعف القدرة الشرائية لليرة السورية وانخفاض مستوى الدخل لدى معظم الأسر. استعد أصحاب المحلات التجارية في أسواق باب توما والصالحية والشعلان والحمراء لتلبية أذواق المستهلكين، فازدانت محلاتهم بكل الطرازات الحديثة على امل زيادة المبيعات، لكن سرعان ما تبددت أحلامهم بسبب ضعف الإقبال على الشراء. وقال جورج توما صاحب محل لبيع الالبسة في باب توما ل"الحياة": "كنا نأمل في هذه الأيام ان تزداد مبيعاتنا بسبب قدوم العيد وحاجة الناس لشراء ثياب جديدة ولكن يبدو ان مجيء العيد في نهاية الشهر جعل غالبية المواطنين غير قادرين على شراء ما يحتاجون إليه". وأضاف: "نحن نعتمد بشكل كبير على طبقة الموظفين الذين يشكلون غالبية المجتمع السوري، وعلى رغم ان مداخيلها لا تتناسب مع الأسعار الا انهم عامل أساسي في تحريك الأسواق". ويبدو ان شهر رمضان لعب دوراً كبيراً في "إفراغ جيوب المواطنين" بعد ان صرف معظمهم رواتبهم على المأكل والمشرب وفي دعوة الأهل والأصدقاء إلى مأدبة إفطار في المنزل أو في أحد المطاعم. وفي خطوة لمساعدة العاملين في القطاع الحكومي، أمر رئيس الوزراء السوري محمد ناجي عطري بصرف رواتبهم مع نهاية شهر رمضان بدلاً من بداية شهر كانون الأول ديسمبر لتمكين الموظفين من تلبية حاجات أسرهم. ويشار الى ان الحكومة السورية حررت أخيراً العديد من أسعار المواد الاستهلاكية وأخضعتها للمنافسة بين التجار. كما ألغت وزارة التموين والتجارة الداخلية والحقتها بوزارة الاقتصاد، في خطوة اعتبرها خبراء اقتصاديون تحولاً تدريجياً في سياسة الحكومة نحو اقتصاد السوق، خصوصاً مع اقتراب توقيع سورية على اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في بداية السنة المقبلة. وانتقد مواطنون هذه الخطوة لان الأسعار لا تزال أعلى بكثير من مداخيلهم وطالبوا الحكومة بالعمل على زيادة الرواتب والأجور ورفع مستوى المعيشة لهم قبل الإقدام على خطوات تمس حياتهم المباشرة. البسطات ومع اقتراب العيد بدأ البائعون في نصب بسطاتهم في الأسواق الشعبية والساحات العامة وتحول بعضها إلى حوانيت متنقلة تحوي على متنها كل الأنواع والأصناف من الألبسة والأطعمة ويمارس أصحابها عملهم بعيداً عن أعين الرقابة. وأصبحت هذه البسطات تشكل مصدر قلق لدى العديد من أصحاب المحلات التجارية بعدما راحت تستقطب شرائح واسعة من المجتمع نظراً لأسعارها المنخفضة والمتناسبة نوعاً ما مع دخل المواطن السوري، الذي لا يتعدى في احسن الأحول 7500 ليرة سورية شهرياً 150 دولاراً. وفيما يطالب أصحاب محلات تجارية بقمع هذه الظاهرة، لانها حسب قولهم "تلحق الاضرار بمحلاتهم وتؤثر في مدخولاتهم وتروج للبضائع الكاسدة لدى بعض التجار"، اعتبرت السيدة أمل محمد هذه البسطات مكاناً مناسباً لتسوق أصحاب الدخل المحدود كونها "الأقرب إلى جيوبهم". وقالت: "عندي خمسة أطفال وهم بحاجة إلى ألبسة جديدة لقضاء أيام العيد وأنا موظفة وراتبي لا يكفي لشراء البسة لطفل واحد، ولكن أجد كل ما أريده على البسطات وبأسعار زهيدة. فالبنطال الذي سعره في بعض المحلات 500 ليرة سورية اشتريه من هنا ب150 ليرة، والبلوزة التي سعرها 350 ليرة اشتريها بمئة ليرة" وقالت سيدة أخرى: "الأسعار مرتفعة لكننا مضطرون للشراء فلدينا عيد ولا تكتمل فرحة الأولاد من دون ملابس جديدة"، مشيرة إلى ان العيد تحول إلى "آلة لشفط الأموال خصوصاً اذا كان عندك اكثر من ولد". كما بدأ اخرون في نصب العشرات من المراجيح في الأزقة الضيقة والحارات الشعبية في محاولة لجذب اكبر عدد ممكن من الأطفال وبأسعار "رمزية" غير عابئين بحركة المارة ولا بأصوات الأطفال الذين يتجمعون بالمئات حولهم وما يسببونه من ضجيج لسكان الأحياء. الحلويات يعد العيد عذراً للسوريين لشراء الحلويات العربية بمختلف اصنافها لتقديمها إلى الأقارب والزوار، مثل البرازق والغريبة والمعمول والبقلاوة وكول وشكور والبلورية وغيرها من الأنواع الأخرى. وأدى ارتفاع الطلب على الحلويات الى دفع أصحاب محلات بيعها الى مضاعفة إنتاجهم لتلبية طلبات الزبائن. وقال صاحب معمل لصنع الحلويات العربية في حي الميدان الشعبي محمد رضوان داود، الذي يصدر قسما كبيراً من إنتاجه إلى الولاياتالمتحدة الأميركية وأوروبا وبعض دول الخليج العربي: "يزداد الطلب علينا في أيام العيد الى 200 في المئة عن الأيام العادية. وهذا يدفعنا إلى جعل معملنا يعمل على مدار الساعة من دون توقف". وأضاف: "مستوى دخل الفرد هو الذي يحدد مستوى الصنف الذي يجب عليه ان يشتريه، اذ ننتج صنفاً ممتازاً وصنفاً عادياً ولكن الصنفين جيدان والاختلاف فيما بينها هو كمية المواد الداخلة في صناعتهما". ويصل سعر كيلو بعض أنواع الحلويات التي تصنف من النوع الممتاز مثل البقلاوة وأصابع المبرومة إلى نحو 400 ليرة سورية والمعمول بالفستق الحلبي إلى 450 ليرة. وينخفض سعر الأنواع نفسها إلى النصف عندما تصنف من النوع الثاني ويكون هذا الصنف مخصصاً في الغالب لابناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة. ويشكل العيد فرصة كبيرة لبعض أصحاب المهن وخصوصاً عمال النظافة والمسحراتية، اضافة الى الشحاذين الذين يزداد عددهم في هذه المناسبات، للطواف على المنازل لطلب المساعدة متذرعين بحجج يرددونها على مسامع الناس "بأنها أيام أعياد وأولادنا بحاجة إلى طعام وكساء"، من اجل استعطافهم ومد يد المساعدة إليهم. هكذا يبدو العيد في دمشق كل عام، تسوق وقضاء أحلى السهرات مع الأهل والأصدقاء وأحلام تدغدغ مخيلة المواطنين بأن تكون الأيام المقبلة افضل لهم ولأطفالهم.