حاويات شحن مزودة بنظام GPS    مهرجان الحمضيات التاسع يستقبل زوّاره لتسويق منتجاته في مطلع يناير بمحافظة الحريق    بلدية محافظة الاسياح تطرح فرصتين استثمارية في مجال الصناعية والتجارية    الأونروا : تضرر 88 % من المباني المدرسية في قطاع غزة    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب الفلبين    سديم "رأس الحصان" من سماء أبوظبي    ضبط 23194 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    أمانة القصيم توقع عقد تشغيل وصيانة شبكات ومباشرة مواقع تجمعات السيول    «سوليوود» يُطلق استفتاءً لاختيار «الأفضل» في السينما محليًا وعربيًا خلال 2024    الصين تخفض الرسوم الجمركية على الإيثان والمعادن المعاد تدويرها    انخفاض سعر صرف الروبل أمام الدولار واليورو    المكسيك.. 8 قتلى و27 جريحاً إثر تصادم حافلة وشاحنة    الفرصة مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    بعد وصوله لأقرب نقطة للشمس.. ماذا حدث للمسبار «باركر» ؟    أدبي جازان يشارك بمعرض للتصوير والكتب على الشارع الثقافي    دبي.. تفكيك شبكة دولية خططت ل«غسل» 641 مليون درهم !    ابتسامة ووعيد «يطل».. من يفرح الليلة    رينارد وكاساس.. من يسعد كل الناس    «الجوير».. موهبة الأخضر تهدد «جلال»    الأردن تدين حرق قوات الاحتلال الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان    رئيس الشورى اليمني: نثمن الدعم السعودي المستمر لليمن    مكي آل سالم يشعل ليل مكة بأمسية أدبية استثنائية    جازان تتوج بطلات المملكة في اختراق الضاحية ضمن فعاليات الشتاء    الرويلي يرأس اجتماع اللجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة    مدرب ليفربول لا يهتم بالتوقعات العالية لفريقه في الدوري الإنجليزي    رينارد: مباراة العراق حاسمة ومهمة للتقدم في البطولة    لخدمة أكثر من (28) مليون هوية رقمية.. منصة «أبشر» حلول رقمية تسابق الزمن    رئيس هيئة الأركان العامة يلتقي وزير دفاع تركيا    السعودية تقدم دعمًا اقتصاديًا جديدًا بقيمة 500 مليون دولار للجمهورية اليمنية    "جلوب سوكر" .. رونالدو يحصد جائزة "الهداف التاريخي"    القبض على أطراف مشاجرة جماعية في تبوك    مدرب قطر يفسر توديع كأس الخليج    ضبط 3 مواطنين في نجران لترويجهم (53) كجم "حشيش"    وزير «الشؤون الإسلامية»: المملكة تواصل نشر قيم الإسلام السمحة    خطيب الحرم: التعصب مرض كريه يزدري المخالف    مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    رفاهية الاختيار    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الحياة" التقت عائلة رئيس الوزراء العراقي الراحل ... وزارت حقائبه وأوراقه . حاول النايف تفادي الغداء فرفض البكر وقال له: لحم الغزال لا يفوت صدام اقتاده من القصر الى طائرة المنفى : لديك اولاد فلا تجعلهم أيتاماً 2
نشر في الحياة يوم 04 - 11 - 2003

في الطائرة التي أرغمه صّدام حسين على الصعود اليها في اتجاه المنفى حاول عبدالرزاق النايف ان يلتقط انفاسه. لن يتوجه غداً الى مكتبه في بغداد. لن يترأس اجتماعات الحكومة. لم يعد دولة الرئيس، كانت الطائرة تبتعد عن بغداد والنايف يحاول ان يقنع نفسه ان الضربة ليست قاتلة. ذهبت أفكارة الى زوجته واولادة. لم يكن أمامه اي خيار آخر. ذلك الشاب الاسمر الوافد من حزب البعث لم يترك له مجالا لطرح سؤال. لم يتح له حتى فرصة إبلاغ عائلته انه لن يعود اليوم الى المنزل وانه صار الآن رئيس الوزراء السابق وانه سيمضي في الرباط ليلته الاولى في المنفى. لا يحب صدام حسين انصاف الحلول. يحب الحلول حاسمة ونهائية وقاطعة ومبرمة. يحبها قاتلة. لا يستسيغ صيغ النفي والإبعاد. ترتاح من خصمك حين تأمر نبضه ان يتوقف فينصاع. لكن الوقت كان لا يزال مبكراً. ثورة 17 تموز يوليو طرية العود ولم تبلغ الاسبوعين بعد. لم يكن واثقاً من وضع الجيش. كان يفضل بالتأكيد ان يفرغ رشاشه في صدر رئيس الوزراء، فالثورات البيضاء ليست عادة عراقية. لكنه خشي من تململ الجيش ومن الروابط التي نسجها النايف مع مئات الضباط حين كان مساعدا لمدير الاستخبارات العسكرية. هنا يتشابه الرجلان. كان النايف "الرجل الثاني" في الاستخبارات العسكرية. لكنه كان الرجل الممسك بالخيوط حتى تلك التي تعصى على الرجل الاول او تغيب عن باله. سيلعب صدام ايضا لعبة "الرجل الثاني" في الحزب والدولة ومجلس قيادة الثورة. سيخفي لعابه بانتظار موعد الوليمة يوم سينحني الرجل الاول منسحباً مفضلاً مرارة الظل على عتمة القبر.
ابتعدت الطائرة عن بغداد. ابتعد النايف. ونجح الجزء الآخر من المؤامرة. عضو مجلس قيادة الثورة وزير الدفاع الفريق ابراهيم الداود لن يأتي غداً الى مكتبه في الوزارة. لن يعترض على اقتراح بمنصب صدّام رتبة ملازم. لن يشم رائحه بغداد. من الاردن حيث ذهب لتفقد القوات العراقية سيسلك طريق المنفى وسيقيم بلا اوراق في فندق في روما الى ان يقبل منصب سفير في مدريد. بعد اعوام سيتذكر النايف "30 تموز الاسود". سيلوم نفسه لانه سقط في الفخ وسيلوم الداود لانه سقط في فخ الذهاب الى الاردن. ثمة رجل داهية استدرج الرجلين واسمه الرئيس احمد حسن البكر.
منذ لحظة اخراجه من بغداد سيعيش عبدالرزاق النايف مع المرارات. في فنادق المنفى والشقق والعناوين المتبدلة ستهجم الصور على ذاكرته. خسارته فادحة. شاب في الخامسة والثلاثين ينام مقدماً في الجيش ويستيقظ رئيساً للوزراء. النايف ايضاً جائع الى السلطة. منذ تخرجه من الكلية العسكرية يراوده ذلك الحلم. ان يصعد الى أعلى وان يتابع صعوده. صحيح انه لا يمتلك هالة عبدالكريم قاسم ولا إطلالة عبدالسلام عارف في ثورة 14 تموز 1958. لكن الصحيح ايضاً هو انه يتقن اللعبة ونسج الخيوط في الداخل والخارج.
سيعيش مع المرارات. ما أقسى ان يتقدم شاب برشاشه ويرغمك على التنازل عن كل شيء. منصبك وصورتك واحلامك. يمنعك من العودة الى مكتبك ومنزلك. ويمنعك من العودة الى الوطن. كان باستطاعة النايف ان يتجرع الخسارة ويقلب الصفحة. ان يتحول تاجراً وينهمك بدفاتر الخسائر والارباح. لكنها السلطة لا تترك لعشاقها فرصة الاستقالة والابتعاد. وعلى عادة الضباط الذين ذاقوا طعم السلطة، ولو سريعاً، كان النايف يفكر في ما سيقوله التاريخ. كان يخشى ان ينزل في الصفحات استنادا الى رواية المنتصرين التي تتهمه بالتعامل مع الخارج. أمر آخر كان يؤرقه. كان يشعر انه فتح باب القصر امام عودة البعثيين لأن قائد الحرس ابراهيم الداود ما كان ليفتحه لولا موافقته. هذا على الاقل ما كان يعتقده.
كان صلاح عمر العلي، عضو مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية سابقا، شريكاً في خطة الإيقاع بالنايف وفي تنفيذها ايضاً. وهنا ما قاله سابقا لسلسلة "يتذكر":
"بعد ايام دعانا البكر الى اجتماع طارئ للقيادة القطرية. قال: تذكرون جيداً ما قلته عن النايف في اجتماع سابق. انا الآن ادعوكم ان تتحركوا وبأسرع وقت للإطاحة به. سألناه عن السبب فأشار الى تقارير تفيد ان رئيس الوزراء الجديد يتحرك وبسرعة جنونية لإطاحة حكم الحزب. وقال ان النايف اتصل بعسكريين لتجنيدهم ضد الحزب ولم يكن يعرف بانتماء بعضهم الى الحزب. واضاف: اسرعوا يا رفاق قبل ان يطيح بنا. هذا كل ما أريد قوله وقبل ان يأتينا الى هذه الغرفة ويذبحنا جميعاً. سأغادر الآن. اجتمعوا وخططوا للخلاص منه وانا موافق على ما تقررون.
في اليوم التالي اجتمعنا في منزل صالح مهدي عماش الذي كان وزيراً للداخلية وفي غياب البكر تخوفنا من ان يطبق النايف على الجميع في مكان واحد. وضعنا الخطة واتفقنا على التنفيذ الذي أوكل الى اثنين: أنا وصدام. وكانت الخطة تقضي بالتخلص من النايف والداود أي من رئيس الوزراء ووزير الدفاع.
كانت لدينا قطعات عسكرية في الاردن. فقررنا ان يذهب وزير الدفاع ابراهيم الداود لتفقدها على ان نرسل سراً في الوقت نفسه اعضاء من المكتب العسكري في الحزب لاعتقاله وإرغامه على التوجه الى اسبانيا. وفي هذا الوقت ننفذ الشق الثاني من الخطة المتعلق بالنايف وبالتزامن مع ما يجري في الاردن.
في 30 تموز ألقي القبض على الداود وارسل عنوة الى اسبانيا. وفي الوقت نفسه تم انهاء قصة النايف. كان من عادة رئيس الوزراء الجديد ان يأتي الى القصر لتناول الغداء. وبعد الغداء يتوجه مع البكر الى مكتب الأخير لتدارس بعض شؤون الدولة. في 30 تموز وبعد الغداء دخلا الى المكتب وكان معهما صالح مهدي عماش. ووفقاً للخطة دخلت وصدام وفي يد كل واحد منا رشاش وطلبنا من النايف ان يستسلم. في البداية كان شرساً وحاول ان يسحب مسدسه فلم يتمكن. بعدها راح يتوسل ويقول انا لدي عائلة وأطفال.
كان لا بد من استكمال التنفيذ سريعاً. النايف عسكري ورئيس وزراء ولا بد من اخراجه من القصر من دون لفت نظر حراسه. أبلغناه ان عليه ان يخرج وكأن شيئاً لم يحدث وأننا سنقتله لو أرسل الى مرافقيه والعسكريين أي اشارة بحدوث شيء ما. صعد النايف الى سيارة ورافقه صدام الذي كرر له انه سيقتله اذا أبدى أي مقاومة. خرجت السيارة من باب خلفي للقصر واستسلم النايف لقدره وكانت الطائرة في انتظاره وغادر البلاد".
من هو عبدالرزاق النايف وماذا قال لعائلته عن الاحداث التي عاشها. عدت الى نجله علي وسألته عن صداقات والده وخصوماته. وهنا نص الحوار:
من أين جاء عبدالرزاق سعيد النايف؟
- ولد في 1934. من الرمادي. وتحديداً من مدينة صغيرة اسمها عانة الغريقة. انها المدينة التي جاء منها في السياسة العراقية عبدالسلام عارف وشقيقه عبدالرحمن ووالدي.
هل كان والدك يحب عبدالسلام عارف؟
- جداً. وكان يعتبر نفسه مديناً له. ففي عهد عبدالسلام عارف ارسل في أول دورة استخبارات في الخارج. كان عارف وراء اختيار والدي لتلك الدورة في 1964 وقد أرسل الى لندن وشارك في دورة في ساندهيرست.
واسم والدتك؟
- لمياء نجم الدين عبدالله المدلجي. ونحن أربعة شبان وبنت: دريد وجمال وخالد وهند وعلي.
أين درس والدك اصلاً؟
- درس حتى المرحلة الثانوية في الرمادي ثم التحق بالكلية العسكرية في بغداد وتخرج منها في 1957 وتحديداً في 1/5/1957 في أيام الملك فيصل الثاني. والدي درس الهندسة العسكرية أي انه اصلاً من سلاح الهندسة. خدم في الرمادي والبصرة وبغداد.
في عالم الاستخبارات
كم مكث في ساندهيرست؟
- ثمانية اشهر. عاد الى جهاز الاستخبارات وعين معاوناً لمدير الاستخبارات العسكرية في 1965 أي في أيام عبدالسلام عارف وكان شفيق الدراجي مديراً للاستخبارات.
لم تكن لوالدك أي علاقة بحزب البعث؟
- أبداً
هل كان يكره حزب البعث؟
- لم يكن والدي يكره أحداً باستثناء الشيوعيين. ولعل هذه النقطة هي التي زادت من قربه من عبدالسلام عارف. لم يكن لدى والدي أي كره للبعثيين. ما أعرفه هو أن مبلغاً ما من مخصصاته في الاستخبارات في المرحلة الأولى كان يصل إلى صدام وبعض رفاقه. بصراحة لا أعرف السبب. هل كان الأمر بتوجيه من سلطة عليا أم خدمة لأحمد حسن البكر. ما أعرفه ان صدام كان يتلقى مساعدة في حدود 30 ديناراً. والدي أكد ذلك. لا أذكر اسم الشخص الآخر. اعتقد أنه بعثي حاورته أنت شخصياً. لنترك هذه النقطة. الأمر كان يتعلق براتب شهري.
من كان صديقاً لوالدك؟
- إبراهيم الداود وسعدون غيدان.
خيانة غيدان
هل كانت لدى والدك مرارة من سعدون غيدان قائد كتيبة الدبابات في القصر الجمهوري؟
- لم يحقد على البكر بقدر ما حقد على سعدون غيدان الذي جاءت الخيانة منه. الحقيقة أن خروج إبراهيم الداود وزير الدفاع إلى الأردن كشفت ظهر والدي، لكن الخيانة جاءت من سعدون غيدان. خلال وجوده في عمّان تلقى والدي رسالة من سعدون غيدان يعبر فيها الأخير عن ندمه وأسفه. أصر والدي على إعادة الرسالة وقال لمن نلقها "إذا عدت إلى بغداد سأعلقه في ساحة التحرير". وكان هذا الكلام غريباً من والدي الذي يكره العنف والقتل والدم. لم يتحدث في حياته بمثل هذه اللهجة إلا عن شخص واحد اسمه سعدون غيدان.
هل كان والدك محبوباً في الجيش؟
- نعم. ما قاله لك صلاح عمر العلي يؤكد ذلك. لو لم يكن محبوباً في أوساط العسكريين لما خططوا للتخلص منه سريعاً.
"30 تموز الأسود"
ماذا روى والدك لعائلته عن قصة اخراجه من بغداد في 30 تموز يوليو 1968؟
- كان والدي يطلق على ذلك النهار اسم 30 تموز الأسود. أعد البعثيون خطة للتخلص من والدي ومن إبراهيم الداود. اغرقوا والدي في العمل. كمية هائلة من الملفات لا بد لمعالجتها من العمل من الصباح حتى منتصف الليل. كان الغرض صرف اهتمامهما عما يحاك لهما. في 30 تموز شعر بتعب شديد منذ الصباح، لكنه تلقى دعوة إلى الغداء من أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية. اعتذر والدي عن عدم تلبية الدعوة لكن البكر اتصل به وقال إن الغداء هو لحم غزال و"الغزال لا يمكن تفويته". هناك مسألة لم تستوقف والدي وهو يتوجه إلى القصر. وصلت سيارته ولم يفتح الحراس البوابة. ترجل مرافقه واسمه محمد وكان من أخلص الناس وقال للحراس: "شبيكم هيدا رئيس الوزراء عبدالرزاق النايف". كانت الحراسات متواضعة وعدد المرافقين محدوداً. فتحوا البوابة من دون تأدية التحية. لم تستوقف هذه المسألة والدي إلاّ بعد وصوله إلى المغرب. كان وزير المال في القصر فالتقاه والدي واعتذر منه لعدم تمكنه من الاجتماع معه حتى ذلك التاريخ. كان الغداء طبيعياً. بعده طلب البكر اللقاء بوالدي في مكتبه. صدام لم يكن مشاركاً في الغداء.
عاتب البكر والدي لأنه اتصل بالإذاعة معترضاً على استخدام كلمات وحدة - حرية - اشتراكية في بعض الأوراق والبرقيات التي تخص الدولة. وكان والدي اتصل بالبكر في 25 وذكّره بالاتفاق على عدم الحزبية في العمل، ويبدو أن والدي كان حازماً. عاتبه البكر. وبحسب رواية والدي عند هذه النقطة دخل صدام حسين وبرزان التكريتي اخ غير شقيق لصدام بالسلاح. أخذ برزان مسدس والدي. تظاهر البكر أنه فوجئ، وقال: خلينا نتفاهم يا جماعة. فقال لهم صدام: "هدا مو شغلك". فتظاهر البكر بالانفعال وخرج من الغرفة. قال صدام لوالدي: لديك أربعة أولاد فلا تجعلهم أيتاماً. برزان لم يتفوه بأي كلمة. وتابع صدام: ستخرج معززاً مكرماً وستذهب سفيراً إلى المغرب. خلال خروجك ستتصرف طبيعياً كأنك لا تزال رئيساً للوزراء. تؤدي التحية رداً على التحيات وإلا تتحمل مسؤولية تصرفك. فوجئ والدي ثم أنه أب قبل أن يكون رئيساً للوزراء. لا صحة للروايات التي تقول انه حاول اشهار مسدسه.
خرج والدي ورد على تحية العسكريين. صعد إلى السيارة ورافقه صدام وبرزان. نسيت أن اذكر أنه خلال الغداء كان تم اعتقال مرافقي والدي من دون أن يعلم بذلك.
اوصل صدام والدي إلى المطار. وصعد معه إلى الطائرة ضابط بعثي اسمه عدنان شريف وهو رجل شريف فعلاً.
هنا سأروي حادثة رواها لي صائب الفرحان الذي كان وزيراً مفوضاً في سفارة العراق في القاهرة. قال إنه في 1977 جمعته جلسة شراب مع نوري اللويس الذي كان آنذاك السكرتير الثالث في السفارة وعدنان شريف الملحق العسكري. شربوا وإذ بعدنان شريف يقول: دعكم من الكلام. أشرف ضابط في القوات العراقية هو عبدالرزاق النايف. في 1980 انفجرت الطائرة التي كانت تقل عدنان شريف مع 12 ضابطاً آخر.
كيف وصل والدك إلى المغرب؟
- استقبل لدى وصوله استقبال رئيس للوزراء. فوجئ المغاربة حين أبلغوا بوجوده في الطائرة. ثم اكتشفوا أن شيئاً ما قد حدث. لم يكن لدى والدي إلاّ الثياب التي يرتديها. عاد عدنان شريف بالطائرة إلى بغداد بعد تزودها بالوقود. لم يكن لدى والدي أي فلس. فأمر الملك الحسن الثاني بشراء ملابس له.
كيف عرفت والدتك بالأمر؟
- تأخر والدي كثيراً. اتصل وزير الخارجية ناصر الحاني رحمه الله برجب عبدالمجيد نائب رئيس وزراء سابق الذي كان موجوداً في نادي الصيد. قال له سنمر انا وعبدالرزاق في السادسة مساء نحب علي أيدك. لم يكن الحاني على علم بما يحدث. في السادسة جاء الحاني. رجب عبدالمجيد كان عرف بالحركة لأن الدبابات انتشرت في بغداد وعرف ان النايف صار في طريقه الى المغرب. سأل الحاني ان كان والدي قد وصل فأجابه أبو محمد: "ألم تسمع. حدثت حركة والموضوع انتهى". حاول الحاني الاتصال بالقصر فلم يجبه أحد.
الهاتف لا يرد
والدتي قلقت من تأخر والدي، منذ توليه رئاسة الوزراء كان لديه خط خاص. اتصلت فوجدت الهاتف مقطوعاً. اتصلت بسعدون غيدان وسألته عنه فقال لها: "أبو دريد اجتمع مع رئيس الجمهورية وقد يكون تأخر بسبب كثرة الشغل"، قالت له: "الدبابات تملأ الشوارع"، فأجاب: "كل شيء طبيعي أم دريد. تعرفين نحن في ثورة". في السابعة مساء أذيع البيان.
كم أمضى والدك في المغرب؟
- حتى بداية 1969. لم يرفض المنصب حرصاً على عائلته، لكنه لم يمارس كسفير. والدتي خرجت بعد اسابيع مع اخوتي وكانت حاملاً بي. الغريب ان والدتي خرجت في وداع وفتحوا لها صالون الشرف.
في تشرين الثاني نوفمبر عادت والدتي الى العراق وولدت انا. لهذا كان والدي يقول لي انت بدأت مع المشكلة ولا أعرف كيف ستخرج منها.
بعد المغرب غادر والدك الى سويسرا؟
- وبعدها الى المانيا الغربية لمدة ستة شهور. ثم لندن في أوائل 1970 حتى 1973. وتعرض في لندن لمحاولة اغتيال.
لماذا غادر بعد ذلك الى الأردن؟
- أثناء محاولة اغتيال والدي في 1972 كان الملك حسين، رحمه الله، قيد العلاج في لندن. نحن في تلك الفترة كنا نحمل جوازات سفر اردنية وبدءاً من 1970. أرسل العاهل الأردني رئيس التشريفات مريود التل شقيق رئيس الوزراء الراحل وصفي التل الذي أبلغ والدي ترحيب الأردن به واستعداده لحمايته. في منتصف 1972 انتقل والدي الى الأردن ولحقناه في بداية 1973. كان مهتماً بالتأكد ان اقامته هناك لن تمنعه من العمل ضد نظام صدام حسين وقد اعطوه الضمانات.
اعطت السلطات الاردنية والدي مقراً للإقامة ووفرت له الحماية.
أشرت الى علاقة ما لوالدك بالحادث الذي كان فندق انتركونتيننتال في عمان مسرحاً له؟
- عندما كنت استيقظ كنت أذهب للنوم قرب والدي. في ذلك اليوم لم أجده. خرجت لألعب في الحديقة فلاحظت انتشاراً كثيفاً لرجال الأمن الأردني حول المنزل. في ذلك اليوم تسلل فريق كوماندوس الى الفندق واحتجز رهائن ووقع قتلى وجرحى. اخبرني ضابط استخبارات أردني متقاعد ان مجموعة مسلحة تسللت الى الأردن وفقدت قوات الأمن الأردنية أثرها. جاء رجال الاستخبارات ليلاً وطلبوا من والدي ان يرافقهم وغادر الى فرنسا على أول طائرة حيث أمضى ثلاثة اسابيع. اعتقد ان المجموعة كانت من "الجبهة الشعبية". الاستخبارات الأردنية كانت مقتنعة ان والدي كان مستهدفاً. الاستخبارات الأردنية أخذت سيارة والدي الى الأماكن التي يتردد عليها أي نادي الملك حسين ثم الانتركونتيننتال. كانت سيارته من نوع مرسيدس خضراء وقد حصل الهجوم اثناء توقفها أمام الفندق واستهدف الركن الذي كان يجلس فيه.
ما قصة زيارة طارق عزيز لوالدك في عمان؟
- حصلت زيارتان. الأولى برئاسة سفير العراق في الأردن، وفي اطار وفد ضم سبعة أشخاص. احد اعضاء الوفد رفض ان يُفتش على مدخل البيت واعتبر رجال الأمن الأمر مريباً. عرف الملك حسين بقصة الزيارة فأرسل حارسين من عنده للوقوف على باب غرفة الاجتماعات. خلال الاجتماع حصل انفعال. قال والدي للوفد: اذا كان قتلي يحل مشكلة العراق فهذا مسدسي. وقدم لهم مسدسه. تناول رئيس الوفد العراقي المسدس واخرج منه الطلقات ووضعها في جيبه.
عاتب الملك حسين والدي على حركته هذه في الاجتماع، وقال له: هؤلاء مجرمون والدليل ان احدهم رفض ان يفتش ومنع من الدخول وكلهم يتمتعون بالحصانة الديبلوماسية. كان يمكن ان يتسبب أي حادث في مشكلة كبرى بين البلدين.
الزيارة الثانية قام بها طارق عزيز الذي استقبل استقبالاً فاتراً في الأردن بسبب اعدام طالب أردني في العراق اتهموه بالعمل لاستخبارات بلاده. لم يكن والدي يكن وداً لطارق عزيز، لكنه كان يلاحظ ان يديه غير ملطختين بالدماء. ولهذا السبب وافق على استقباله. جاء عزيز وقال لوالدي ان تحركه بات يسبب للسلطة وجع رأس. وقدم عرضاً سخياً مفاده أن تقدم بغداد لوالدي 40 مليون دولار في مقابل توقفه وبشكل كامل ونهائي عن أي نشاط معارض. رفض والدي العرض بتهذيب كامل. أشاع بعض العراقيين ان والدي حصل على أموال من السلطة. بأمانة أقول ان والدي ترك في حسابه ساعة مقتله مبلغ خمسة آلاف دينار أردني لا غير.
قرأت ما قاله صلاح عمر العلي عن اخراج والدك من القصر والعراق، ما هو ردك؟
- انها رواية رسمية تكررت. اسم صلاح عمر العلي لم يرد في أوراق والدي التي حوت اسماء كثيرة، كنت آمل ان يكون صلاح عمر العلي جريئاً وان يحترم الحقيقة. من السهل ادعاء الأدوار لاحقاً. أريد فقط ان أقول انه حين جاء حسين كامل صهر صدام الى الأردن ورفضت المعارضة العراقية التعامل معه، جاء صلاح والتقاه مرات ومرات وذهب بعيداً في العلاقة معه.
غداً حلقة ثالثة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.