سعى الرئيس الأميركي جورج بوش الى تهدئة "قلق" عائلات العسكريين المنتشرين في العراق الذين قام بزيارة خاطفة لهم الخميس لمناسبة عيد الشكر الاميركي. كما سعى البيت الابيض الى الرد على الانتقادات التي وجهت إلى الزيارة، خصوصاً من جانب معارضي سياسته في العراق، الذين يعتبرون ان السرية التي احاطت بالزيارة دليل على المشاكل الامنية الكبيرة التي لا تزال قائمة في هذا البلد. ومن جهة أخرى، سببت الزيارة احراجاً للمعارضة الديموقراطية التي ركزت منذ فترة هجومها على السياسة الاميركية في العراق استعداداً للانتخابات الرئاسية لعام 2004. سعى الرئيس الأميركي جورج بوش الى تهدئة "قلق" عائلات العسكريين المنتشرين في العراق بعد زيارته الخاطفة لبغداد الخميس لمناسبة عيد الشكر. وفي كلمته الإذاعية الأسبوعية التي سجلت الجمعة في مزرعته في كروفورد تكساس جنوب حيث يمضي عطلة نهاية الاسبوع، قال بوش: "انني سعيد لأعلن اثر عودتي من الجبهة ان جنودنا اقوياء. المعنويات جيدة ورجالنا مقتنعون بأننا سننتصر". واضاف: "رسالتي الى القوات كانت واضحة: بلادكم ممتنة لعملكم، واننا فخورون بكم. وأميركا تقف الى جانبكم في كل ما تفعلونه دفاعاً عنها". وأشاد الرئيس الاميركي، الذي امضى ساعتين ونصف الساعة في بغداد الخميس ليتقاسم مع العسكريين الوجبة التقليدية في عيد الشكر، بتضحيات الاميركيين في افغانستانوالعراق وكذلك بعائلاتهم. واضاف بوش، الذي تعرض لانتقادات لأنه لم يتوجه أبداً لحضور جنازة عسكريين قتلوا في العراق، "ان كل شخص يسقط في المعركة يستحق امتناناً مميزاً من الشعب الاميركي. وبوسع عائلات العسكريين التي هي في حداد ان تعلم هذا: ان بلادنا لن تنسى أولئك الذين أحبتهم، ولا التضحية التي قاموا بها لحمايتنا جميعاً". وسعى البيت الابيض الى الرد على الانتقادات التي وجهت للزيارة، خصوصاً من جانب معارضي سياسته في العراق، الذين يعتبرون ان السرية التي احاطت بالزيارة دليل على المشاكل الأمنية الكبيرة التي لا تزال قائمة في هذا البلد. ومن جهة أخرى، سببت زيارة الرئيس الاميركي احراجاً للمعارضة الديموقراطية التي ركزت منذ فترة هجومها على السياسة الاميركية في العراق استعداداً للانتخابات الرئاسية لعام 2004. وكانت مستشارة بوش لشؤون الامن القومي كوندوليزا رايس ضيفة على العديد من القنوات التلفزيونية الاميركية للتأكيد على ان الوضع في العراق في تحسن. ويبدو ان هذه الزيارة فاجأت المسؤولين في الحزب الديموقراطي المنافس للحزب الجمهوري في السباق الى البيت الابيض، وظهر بعض الاحراج في مواقف المرشحين الديموقراطيين الى الرئاسة من الزيارة. وذهب السناتور الديموقراطي جون كيري ماساتشوستس الى حد توجيه التحية الى الرئيس الاميركي على زيارته. وقال كيري في بيان "ان هذه الرحلة هي مبادرة ايجابية للبلاد" بينما قال مساعد المرشح الآخر للفوز بترشيح الحزب الديموقراطي الى انتخابات الرئاسة السناتور جون ادواردز كارولاينا الشمالية ان الرحلة "مبادرة جريئة وتنم عن بعد سياسي". إلا أن المسؤولين الديموقراطيين عادوا وغيروا لهجتهم وعملوا على التقليل من اهمية هذه الزيارة. وقال كيري ان "زيارة الرئيس الى بغداد ما كان ينبغي ان تتم". واضاف "عندما يمر عيد الشكر، آمل ان يكون لدى الرئيس الوقت لتصحيح سياسته الفاشلة في العراق والتي جعلت جنودنا في مرمى النيران". وقال جمال سيمونز، الناطق باسم المرشح الديموقراطي ويسلي كلارك: "هذه الرحلة تدل الى اي حد يسود انعدام الامن في العراق، والى اي حد نحن بحاجة الى وجود حلفائنا" معنا في العراق. وأكد جاي كارسون الناطق باسم هاورد دين احد المرشحين للفوز بترشيح الحزب الديموقراطي الى الانتخابات الرئاسية "ان هذه الزيارة لا تغير بشيء الواقع الذي يقول انه ما كان من اللازم أبداً ارسال عسكريينا الابطال الى العراق للقتال". أما رايس فشددت على ان "العراقيين بدأوا يتولون أمورهم، ومعظم مناطق البلاد مستقر. إنهم يعدون لانتقال السيادة ويتولون المناصب في الوزارات وفتحت المدارس أبوابها مجدداً". وفي اشارة الى السرية التي احاطت بزيارة بوش قالت رايس: "الرحلات الرئاسية تتطلب تدابير أمنية استثنائية في كل الظروف. وفي هذه الحال زيارة بغداد كان من المفترض ان تتخذ اجراءات أكثر استثنائية، لكن الرئيس كان يريد توجيه رسالة". ويقول ستيفن هيس، الخبير السياسي في "بروكنغس انستيتوشن" في واشنطن ان "مسألة العراق ستلعب دوراً مهماً في انتخابات العام المقبل. فمع تحسن الاقتصاد بات العراق الموضوع الأكثر أهمية بالنسبة الى الديموقراطيين". وقال لاري ساباتو، استاذ العلوم السياسية بجامعة فيرجينيا، ان أولى الضحايا الديموقراطيين لزيارة بوش هي السناتور هيلاري كلينتون، زوجة الرئيس السابق بيل كلينتون، التي قامت بزيارة لافغانستانوالعراق بمناسبة عيد الشكر. واضاف ان زيارتها "لم تعد موضع اهتمام أحد". ولكن الخبراء يعتبرون زيارة بوش عملية ناجحة من وجهة نظر رمزية. وقال الان ليشتمان انها "مناورة سياسية جيدة لأنه عرض نفسه للمرة الأولى للخطر. لقد ذهب الى الخط الامامي لدعم سياسته، وهذا يرفع كثيرا من معنويات الجنود". واعتبر ساباتو ان "هذا يبرهن على ما يمكن للرئيس ان يفعله. يمكنه تغيير عناوين الصحف ساعة يشاء. لن يكون لأي مرشح ديموقراطي مثل هذه القدرة. هذا يثير لديهم الكثير من القلق". أما ستيفن هيس فقال: "هذا يبين ان بوش سياسي جيد. من الصعب توجيه نقد مبرر" للزيارة. واضاف ان الرئيس الاميركي هو "القائد الأعلى للجيوش الاميركية. وهو يتمتع دائما بالغلبة في مثل هذه الأوضاع. الباقون مجرد سياسيين. بوش يستخدم هذا بطريقة رمزية جداً مع كثير من المهارة في مجال العلاقات العامة"، مشيراً إلى صورة بوش وهو يقدم الديك الرومي الى الجنود. وعلى المدى القصير، يقول الخبراء إن الزيارة ستسهم في تحسين شعبية بوش في استطلاعات الرأي. وقال هيس ان "هذا سيساعد على الأرجح في تثبيت موقعه لدى الاميركيين على المدى القصير". أما على المدى البعيد، فيبدي الخبراء شكوكاً كثيرة حيال اثر هذه الزيارة على الحملة الانتخابية. ويقول ستيفن هيس "ان نجاح سياسته في العراق يتوقف في آخر المطاف على ما يجري على الارض وليس على مثل هذه الأمور". كما انقسمت الصحف الاميركية في شأن تداعيات الزيارة. وعكست صحيفة "واشنطن بوست" هذا التجاذب، وقالت انه اذا كانت القوات الاميركية التابعة للفرقة الاولى المدرعة "قد تمتعت بهذه اللحظة، فمن المبكر جداً معرفة ما اذا كانت صورة بوش، وهو يرتدي السترة العسكرية، ستصبح رمز زعامة قوية او رمز تحد غير مرغوب فيه". أما صحيفة "لوس انجليس تايمز" فكتبت "مع هذه الزيارة المسرحية الى بغداد، اظهر الرئيس بوش مرة اخرى ايضا اهمية عزمه على القيام بمهمة عسكرية قد تقرر مصيره اثناء الانتخابات الرئاسية في العام 2004". ولفتت الى ان "الرسالة الاولى من وراء هذه الزيارة ستؤدي على الارجح الى مزيد من الانقسام في شأن النقاش الوطني حول اعادة اعمار العراق". المجلس الأعلى ينتقد ولم تخل زيارة بوش من تداعيات داخل العراق. اذ انتقد عمار الحكيم، نجل عبدالعزيز الحكيم رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق الممثل في مجلس الحكم الانتقالي، زيارة بوش السرية الى بغداد. اعتبر عمار في كلمة القاها في افتتاح معرض ثقافي في النجف 150 كلم جنوببغداد ان "هذا ليس اسلوب الزيارات الرسمية"، وقال "ينبغي الاعلان عن الزيارة وان يلتقي الزائر بالمسؤولين العراقيين. وهذا لم يحصل". واضاف "تؤكد هذه الزيارة عمق المشكلة التي تعانيها الولاياتالمتحدة في العراق خصوصاً بالنسبة الى الوضع الامني". ورأى ان "بوش لم يفلح في اظهار الواقع الذي كان يطمح الى اظهاره". من ناحيته أكد محمود عثمان عضو المجلس الانتقالي "ان احداً لم يعلم مجلس الحكم كمجلس بالزيارة"، لافتا في تصريحات صحافية الى "ان بوش لم يعقد اجتماعا رسميا مع العراقيين". وكان الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر اعتبر أول من أمس ان الزيارة بالشكل الذي تمت به "مرفوضة". وقال الصدر في خطبة الجمعة في مسجد الكوفة جنوببغداد: "ان "يأتي رؤساء بهذه الطريقة هذا امر مرفوض عقلا وقانوناً". وكان وزير الخارجية الايراني كمال خرازي اعتبر ان زيارة بوش الخاطفة الى بغداد اظهرت ان "واشنطن تخاف من الشعب العراقي".