عاد الرئيس جورج بوش الى بلاده بعد ساعتين ونصف ساعة قضاها في العراق مساء الخميس في زيارة خاطفة لمناسبة عيد الشكر، وقال خبراء أنها عملية علاقات عامة ناجحة لدى الجنود والرأي العام الاميركي لكن تأثيرها قد يكون محدوداً. وقال بوش خلال عودته من بغداد على متن الطائرة الرئاسية "ايرفورس وان" انه كان مُستعداً ان يطلب من قائد الطائرة العودة قبل وصولها الى العراق في حال تسرّب سرّ ذاهبه الى هناك. ولم يعرف العالم أن الرئيس الأميركي قام بزيارته المفاجئة سوى بعدما كانت طائرته صارت في الجو عائدة الى الولاياتالمتحدة وتوجه فوراً الى مزرعته في تكساس حيث وصل مع طلوع الفجر. وفيما كان بوش يهنئ الجنود الأميركيين بعيد الشكر في بغداد، كانت وسائل الإعلام الأميركية تبث تقارير انه يستمتع بالعيد مع عائلته في مزرعته في كروفورد. وكان ذلك بالطبع ما سربه مسؤولو البيت الأبيض الى وسائل الإعلام. وقال بوش انه يعتقد بأن الأميركيين سيتفهّمون هذه الخديعة لأن من المهم للجنود الذين يواجهون خطر الموت ان يعرفوا ان قائد قواتهم المسلحة وبلدهم يدعمانهم ويقدّران تضحياتهم. وأضاف ان الأميركيين سيتفهمون انه لو أُعلن أمر الزيارة "لكان ذلك سيعرضني للخطر، وعرّض آخرين للخطر، بما في ذلك انتم الصحافيين". وأعطت طبيعة الزيارة التي بثّتها وسائل الإعلام في وقت كان معظم الأميركيين في بيوتهم مع عائلاتهم يشاهدون مباريات الكرة او الاستعراضات احتفالاً بعيد الشكر، دفعة مهمة من الدعم لبوش في وقت يسقط فيه مزيد من جنوده قتلى في العراق. وسبقت الزيارة أسابيع من التحضيرات السرية، التي تخللتها تساؤلات وشكوك استمرت حتى اللحظة الأخيرة. وبدأت الفكرة في منتصف تشرين الأول اكتوبر عندما سأل كبير موظفي البيت الأبيض اندي كارد الرئيس بوش إن كان مهتماً بأن يذهب الى العراق خلال عطلة عيد الشكر. وقال انه أجاب: "نعم، سأكون مهتماً بذلك". وتابع: "إلا انني لا أريد ان أضع أحداً في وجه الخطر. قُلت انه من المهم جداً ان أفهم كل جوانب الرحلة، بدءاً بهل يمكن او لا يمكن ان ندخل ونخرج من العراق بأمان". ولو تسرّب خبر الرحلة لكانت الطائرة الرئاسية ستصبح هدفاً مهماً لإرهابيين أو أنصار الرئيس صدام حسين. وقال بوش انه كان "أكثرهم تشككاً" في إمكان القيام بهذه الرحلة. وأضاف انه وجّه اسئلة الى القادة العسكريين والحاكم المدني الأميركي للعراق بول بريمر، بل انه جلس مع قبطان "ايرفورس وان" الكولونيل مارك تيلمان لمناقشة تفاصيل الرحلة. وقبل وصول الطائرة الى العراق كان بوش لا يزال قلقاً من إمكان بقاء الأمر سراً. وقال انه سأل عملاء جهاز الأمن الذين سألوا مسؤولين على الأرض، أكدوا لهم ان الخبر لم يتسرّب. وأضاف انه كان مستعداً لإعطاء أمر بالعودة لو أفشي السر. وهبطت الطائرة الرئاسية بعد إطفاء اضوائها وإغلاق ستائر نوافذها، وسط الظلام في بغداد. وانطلق موكب بوش مسرعاً من الطائرة عبر مدرج الهبوط في اتجاه المطار حيث كان 600 جندي ينتظرون بفارغ الصبر عشاء "عيد الشكر". وقال بريمر للجنود انه حان وقت قراءة رسالة العيد، وهو أمر يُترك في العادة لأكبر المسؤولين الموجودين. وأضاف والى جانبه الجنرال ريكاردو سانشيز، قائد قوات التحالف في العراق: "هل هناك في الخلف من هو أرفع منا في المسؤولية؟". ومع هذه الجملة ظهر بوش من خلف الستار ليلقى ترحيباً حاراً من الجنود. وقال الرئيس الأميركي لجنوده مازحاً: "كنت أفتّش عن مكان فيه عشاء ساخن" وأضاف متوجهاً لقوات الفرقة المسلحة الأولى والفرقة المظلية ال82 وفرق أخرى انه جاء برسالة من بلادهم تقول: "نشكركم على خدماتكم. إننا فخورون بكم، وأميركا تقف بتماسك وراءكم". وأضاف ان الإرهابيين يختبرون عزم أميركا و"يأملون بأننا سنفر" من العراق. وتابع: "لم نندفع مئات الأميال الى قلب العراق، وندفع ثمناً مراً من الاصابات، ونهزم ديكتاتوراً لا يرحم ونُحرر 25 مليون شخص كي نتراجع أمام عصابة من المجرمين والقتلة". وصفّق الجنود طويلاً لرئيسهم الذي ساعد لاحقاً في تقديم وجبات الطعام لهم. ثم انتقل لعقد اجتماع مع مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس التي رافقته في الرحلة الى بغداد، وبريمر وسانشيز واربعة من اعضاء مجلس الحكم العراقي. ورافق بوش في الرحلة خمسة مراسلين وخمسة مصوّرين وفريق تلفزيوني ومخرج أقسموا جميعهم على إبقاء الأمر سراً. وغادر الرئيس الأميركي مزرعته في كروفورد بسيارة غير معروفة زجاجها مُظلم، ورافقته فيها رايس وعدد من أفراد جهاز الأمن. ولم يعرف أفراد في جهاز الأمن بقوا في المزرعة ان الرئيس غادرها. وارتدى بوش ورايس قبعات رياضية، وقال الرئيس الأميركي انه أنزل القبعة على وجهه ليمنع حراس المطار من معرفته. وتابع انه ورايس "بدينا أناساً عاديين". وقالت رايس في مقابلة مع برنامج "توداي" في محطة "ان بي سي"، ان الحراسة خلال الرحلة "كانت شديدة جداً" و"ان لا أحد عرف بها لأن الأمن كان بالغ الأهمية". وحطت "ايرفورس وان" في قاعدة أندروز الجوية قرب واشنطن ثم تقدمت في اتجاه مستودع هانغار حيث صعد الرئيس الأميركي الى طائرة ثانية مماثلة تُستخدم أيضاً بوصفها "ايرفورس وان". وأخذ مسؤولو الأمن من الصحافيين الذين التحقوا بالرحلة في قاعدة أندروز، هواتفهم والأجهزة الالكترونية التي كانت معهم. "عمل رمزي" وصدرت أمس تعليقات كثيرة على زيارة بوش الخاطفة للعراق. فقال ستيفن زونيس استاذ العلوم السياسية والخبير في شؤون الشرق الاوسط في جامعة سان فرانسيسكو: "انها مجرد عملية علاقات عامة للرأي العام الاميركي. انه عمل رمزي". وأضاف ان بوش الذي لم يشارك في حرب فيتنام "كان في حاجة للقيام بمبادرة تظهر انه يدعم القوات" الاميركية. وادى جورج بوش خدمته العسكرية بين 1969 و1972 في الحرس الوطني في تكساس. ورأت جوديت كيبر، الخبيرة في شؤون الشرق الاوسط في معهد العلاقات الخارجية في واشنطن، ان "معنويات الجنود منخفضة وعليهم مواجهة الكثير من المشاكل. فاذا زارهم القائد الاعلى رئيس البلاد حتى لساعتين فقط فإن ذلك يساعدهم". وأضافت: "ان تفقد القائد الاعلى للقوات المسلحة للقوات في مناطق النزاع أمر مألوف. بالطبع ان الوضع الامني هناك في العراق اضطرهم الى ابقاء الزيارة سرية". وجاءت الزيارة لمناسبة عيد الشكر، العيد المفضل لدى كثير من الاميركيين الذين يحتفلون ضمن العائلة بأول محصول جناه في 1621 المهاجرون البروتستانت الذين وصلوا على متن السفينة "مايفلاور" من ساوثهامبتون في جنوب انكلترا، الى شمال شرقي الولاياتالمتحدة، حيث أسسوا بليموث في ماساتشوسيتس. لكن خبراء يشككون في تأثير هذه الزيارة السياسي. وقالت جوديت كيبر: "لست متأكدة من انها ستفيد كثيراً" الرئيس الاميركي في سياسته في العراق. ورأى ستيفن زونيس ان "الرئيس ليندون جونسون قام بذلك في فيتنام. التقطت له صور وهو يصافح الجنود، لكن هذا الامر لم يساعده على المدى الطويل". وأضاف: "كون الامر تم بهذه السرعة وبهذه السرية يشير الى فشل العملية حتى الآن. فالجمهور الوحيد الذي استقبله في العراق كان اميركياً. انه مؤشر الى ان الامور لا تسير كما كان بوش يتوقع" في العراق. والتقى بوش اعضاء في مجلس الحكم الانتقالي العراقي في المطار لكن تعذر استقباله ك"محرر" من قبل شعب العراق. ويتكبد الجيش الاميركي الذي عجز حتى الان عن القبض على الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، خسائر يومية في العراق منذ نهاية عمليات القتال الرئيسية في الاول من ايار مايو الماضي. ورأى الخبيران كيبر وزونيس ان زيارة بوش الى العراق قد تساعده "موقتاً" للحصول على دعم اضافي من الاميركيين لسياسته في العراق. ورأت كيبر ان "عملية كهذه خلال فترة اعياد وفي ظل تحسن الاقتصاد والكثير من الخسائر يومياً في العراق تساعد. لكن هذا لا يضمن شيئاً بالنسبة للانتخابات" الرئاسية المقررة في تشرين الثاني نوفمبر 2004. وهذه ليست المرة الاولى التي يقوم بها بوش بحملة علاقات عامة في شأن سياسته في العراق. ففي الاول من ايار أعلن ان عمليات القتال الرئيسية انتهت في العراق، امام آلاف من العسكريين الذين تجمعوا على حاملة طائرات عائدة من العراق قبالة شواطئ كاليفورنيا. ووجهت الى هذه المبادرة انتقادات كثيرة.