وزير الدفاع يلتقي قائد الجيش اللبناني    "روشن" تضع حجر الأساس لمجتمع "المنار" في مكة المكرمة    خادم الحرمين يتلقى رسالة من الرئيس الروسي.. القيادة تعزي رئيس أذربيجان في ضحايا حادث الطائرة    المملكة تعزز الأمان النووي والإشعاعي    أسعار النفط ترتفع.. برنت فوق 74 دولاراً    الصين: اتجاه لخفض الرسوم الجمركية على مواد معاد تدويرها    الثقة الدولية في المملكة    محلات الرحلات البرية تلبي احتياجات عشاق الطبيعة    أحلام عام 2025    استنكرت استمرار الانتهاكات لباحات الأقصى.. السعودية تدين حرق الاحتلال لمستشفى بغزة والتوغل في سوريا    المملكة تدعم اليمن اقتصادياً ب500 مليون دولار    المسند: اخضرار الصحراء وجريان الأنهار ممكن    واتساب تختبر مزايا ذكاء اصطناعي جديدة    تغلب على المنتخب العراقي بثلاثية.. الأخضر يواجه نظيره العماني في نصف نهائي خليجي«26»    السعودية تحصد ثمار إصلاحاتها ورؤيتها الإستراتيجية    الجماهير السعودية تحتفل بتأهل الأخضر لنصف نهائي «خليجي 26»    خادم الحرمين يتلقى رسالة خطية من بوتين    في المرحلة ال 19 من الدوري الإنجليزي.. ليفربول في اختبار وست هام.. وسيتي لإيقاف نزيف النقاط أمام ليستر    رئيسة الاتحاد السعودي للريشة مي الرشيد: أشكر وزير الرياضة وسنعمل بروح الفريق    «الهويات» تقلق سكان «زاهر مكة»    مبادرات تطوعية    ضبط أكثر من 23 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    «عزف بين التراث والمستقبل».. متحف طارق عبدالحكيم يحتفي بذكراه السنوية الأولى    "الرياض آرت" يُعلن مشاركة 30 فنانًا من 23 دولة في ملتقى طويق الدولي للنحت    من دفتر الأيام: مشوار في قصرغرناطة بأسبانيا    في إطار الجهود المبذولة لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.. إطلاق فعالية «ليالي الفيلم الصيني»    يوم ثقافي لضيوف برنامج خادم الحرمين    تقدير دعم المملكة لقيم الاعتدال حول العالم    ضيوف "برنامج خادم الحرمين" يزورون مصنع الكسوة    طريقة عمل بسبوسة السينابون    أحد رفيدة وزحام العيادات.. مطالبات بمركز متخصص للأسنان    5 سمات شخصية تميز المتزوجين    طريقة عمل شيش طاووق مشوي بالفرن    5 آلاف خطوة يوميا تكافح الاكتئاب    الحرب العالمية الثالثة.. !    ماسك يؤكد دعمه حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف    المنتج الإسباني غوميز: «الجمل عبر العصور» جدير بالحفاوة في أي بقعة من الأرض    قائد "الأخضر" سالم الدوسري يحصل على جائزة رجل مباراة السعودية والعراق    شولتس: لا أنام إلا قليلاً رغم أني من محبي النوم لفترة طويلة    المنتدى السعودي للإعلام يطلق معسكرًا لتطوير الإعلام السعودي بالذكاء الاصطناعي    من الشهرة إلى الثروة: هل نحتاج إلى رقابة مالية على المؤثرين؟    «الفنيلة والسروال» والذوق العام    المطار.. عودة الكدادة !    القيادة تعزي رئيسة الهند    منصة X: الطريق إلى القمة أو للقاع    الصقور تجذب السياح في الصياهد    «سلمان للإغاثة» يوزع 1.494 من السلال الغذائية والحقائب الصحية في إدلب السورية    ضبط 6 إثيوبيين في عسير لتهريبهم (210) كيلوجرامات من نبات القات المخدر    اللغة العربية كنز خالد    «حمام الحرم» يستوقف المعتمرين    "الإسلامية" تؤهل الأئمة والخطباء والدعاة في تايلند    سعود بن جلوي يتوج الفائزين في «تحدي غرس القيم»    911 نموذج مثالي لتعزيز الأمن والإنسانية    الأخضر السعودي يتغلّب على العراق بثلاثية ويتأهل لنصف نهائي خليجي 26    أمير القصيم يرعى حفل جائزة الذكير لتكريم 203 طلاب متفوقين    الرويلي يرأس اجتماع اللجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبعاد إقليمية واستراتيجية ل"الثورة المخملية" الجورجية . استقالة شيفاردنادزه تفتح مزاد الصراع في القوقاز
نشر في الحياة يوم 27 - 11 - 2003

فجّرت التطورات الجارية في جورجيا والتي توجت بإعلان إدوارد شيفاردنادزه استقالته من رئاسة الجمهورية، تداعيات مختلفة سواء على الصعيد المحلي أو الصعيد الإقليمي. إذ تؤدي هذه الاستقالة إلى تغيير في مناخ الحياة السياسية في جورجيا، التي كانت اشتعلت بعد الانتخابات العامة الأخيرة بسبب اتهام المعارضة لشيفاردنادزه بالتزوير.
وبمنطق الأمور ينعكس التغير في المناخ السياسي لجورجيا على مناخات منطقة القوقاز التي تقع جورجيا جغرافياً فيها. وبلاد كرغستان، كما أطلق عليها العرب القدماء، تستمد أهميتها، حالياً في مسرح السياسة الدولية، ليس فقط من كونها إحدى الجمهوريات السابقة للاتحاد السوفياتي المنهار، ولا من كونها كانت تحت رئاسة شيفاردنادزه وزير الخارجية الأخير في الاتحاد السوفياتي، بل إن أهمية جورجيا الاستراتيجية الآن تتفرع من عامل أساسي وهو موقعها الجغرافي المفتاح كنقطة عبور، أو ما يسمى ترانزيت، على طريق أنابيب نقل النفط والغاز من منطقة بحر قزوين المغلق إلى تركيا حيث البحر المتوسط المفتوح على الأسواق العالمية. وفي حين تتنافس القوى والشركات العالمية على أنصبة الملكية في بحر قزوين، تتنافس القوى الإقليمية على مرور خطوط الأنابيب من أراضيها، نظراً إلى الفوائد الاستراتيجية التي تتولد عن ذلك، والتي تُترجم في النهاية إلى فوائد سياسية واقتصادية أيضاً.
موقع جورجيا الجغرافي إذاً - والجغرافيا هي قدر الأمم - هو أحد المداخل الرئيسة لفهم ما يجرى هناك من تطورات، وكذلك تأثير هذه التطورات في موازين القوى الإقليمية والعالمية. ولأن بحر قزوين صار ومنذ سنوات مركز الدائرة التي تدور عليها دوائر التنافس الدولي بسبب احتياطاته الضخمة من النفط والغاز، صارت المنطقة المحيطة به داخلة وبوضوح في نطاق أولويات السياسة الدولية للقوى العظمي.
ومن جهة أخرى كان لسياسة شيفاردنادزه أكبر الأثر في تشكيل خريطة التحالفات الإقليمية والدولية في القوقاز، على خلفية احتياطات بحر قزوين. إذ دعمت جورجيا الثوار الشيشان في حربهم ضد موسكو وتحالفت مع أذربيجان ضد أرمينيا، على رغم "إسلامية" الأولى و"مسيحية" الثانية اتساقاً مع تحالفات تبيليسي مع واشنطن. وهكذا احتفظ شيفاردنادزه لبلاده بتحالف خارجي مع واشنطن كأساس العلاقات الدولية لجورجيا، كما تحالف مع تركيا التي ينتهي إليها خط أنابيب نقل النفط القادم من بحر قزوين عبر جورجيا. وهكذا يمكن مطابقة خريطة التحالفات الإقليمية لجورجيا مع خريطة خط الأنابيب من باكو إلى جورجيا ومنها إلى تركيا لنجدهما متطابقتين. وفي المقابل سعت موسكو، وما زالت، إلى منع خط أنابيب باكو - سوبسا في جورجيا ثم إلى تركيا من النجاح، لأن نجاح هذا الخط يعني فشل خط أنابيب روسي مقترح يمر من بحر قزوين عبر الشيشان إلى روسيا ومنها إلى تركيا عبر المضايق إلى الأسواق المفتوحة. وفي هذا ما يفسر تورط وزير الخارجية الروسي إيغور إيفانوف في المفاوضات الأخيرة التي انتهت باستقالة شيفاردنادزه وتنازله للمعارضة وبحضور إيفانوف، وذلك مقابل السلامة الشخصية للرئيس المستقيل. وفي سياق التحالفات الإقليمية والاستراتيجية نفسها يمكن تفسير تورط موسكو السابق في دعم المعارضين الأبخاز وانفصالهم الواقعي عن جورجيا، لأن كل إضعاف لجورجيا هو إضعاف لخط الأنابيب المار في أراضيها لمصلحة موسكو.
وفي المقابل دعمت جورجيا الثوار الشيشان في حرب استقلالهم عن موسكو، لأن خط الأنابيب الروسي المقترح يمر بطول 300 كيلومتر في أراضي الشيشان وداغستان. ولأن - بمنطق الأمور - كل عدم استقرار في طريق الخط الروسي المقترح يعتبر مكسباً صافياً لجورجيا وحليفاتها الإقليميات، كان دعم جورجيا للثوار الشيشان متسقاً مع مصالحها الاستراتيجية. وبالتالي يعتبر التغيير الأخير في جورجيا ليس فقط خطوة في اتجاه ترسيخ الديموقراطية في القوقاز، بل أيضاً، وفي الوقت نفسه، تغييراً عميقاً في خريطة التوازنات السياسية هناك، وانتكاسة للاستراتيجية الأميركية التي ترعى خط الأنابيب الذي تقع جورجيا في منتصف طريقه. ولأن الشركات الأميركية هي التي اشترت نصيب الغالبية المطلقة من احتياطات بحر قزوين، فهي تعتبر المستفيد الأول من تدشين خط الأنابيب لنقل هذه الاحتياطات النفطية، كما تعتبر الخاسر الأول بخروج شيفاردنادزه من موقع الرئاسة.
وتترسخ الخسائر الأميركية في حال أقدمت الحكومة الجديدة في جورجيا على تبديل تحالفاتها الدولية لمصلحة موسكو، وعلى هذا فقد فتح مزاد الصراع في جورجيا والقوقاز على مصراعيه لمصلحة القوى والأطراف الخارجية. وبعبارة أخرى، ففي اللحظة نفسها التي أعلن فيها شيفاردنادزه استقالته، كان الصراع الإقليمي بين روسيا التي تعتبر القوقاز تاريخياً حديقتها الخلفية، وبين واشنطن التي ترى في جورجيا حجر زاوية سياستها الخارجية في القوقاز، وصل إلى محطة أكثر من مهمة. ولا تقتصر تداعيات استقالة شيفاردنادزه على منطقة القوقاز فقط، بل تمتد أيضاً إلى مناطق أخرى في الشرق الأوسط مثل أفغانستان وإيران. ويتأتى هذا الامتداد ليس فقط من طريق تشابك العلاقات الدولية الراهنة وهو أمر صحيح وواقعي، ولكن قبل ذلك أيضاً بمنطق الاستراتيجية والمصالح الأميركية في المنطقة.
ومرد ذلك أنه إضافة إلى الخط الروسي لنقل أنابيب نفط بحر قزوين وهو ما يطلق عليه الخط الشمالي، والخط المار عبر جورجيا، أو الخط الغربي، هناك الخط الجنوبي لنقل نفط بحر قزوين عبر الأنابيب إلى الخليج العربي ومنه إلى الأسواق الدولية. وهناك احتمالان استراتيجيان للخط الجنوبي: الأول من بحر قزوين عبر إيران ومنها مباشرة إلى الخليج، أو من طريق أفغانستان ومنها إلى كراتشي في باكستان على بحر العرب ومنه إلى الأسواق المفتوحة. ولأن واشنطن ليست في صدد إعطاء مكافآت لطهران، بل تحاصرها ديبلوماسياً وإعلامياً وجغرافياً، تعتبر أفغانستان هي البديل الأقرب إلى الاتساق مع السياسة الأميركية لمرور خط أنابيب نقل نفط بحر قزوين.
ولكن عدم استقرار الوضع الأمني في أفغانستان على رغم الوجود الكثيف للقوات الأميركية فيها، يجعل أمر نجاح خط الأنابيب الجنوبي صعباً. وبالتالي كانت جورجيا هي أحد الأحجار المهمة في موزاييك الاستراتيجية الأميركية في القوقاز، باعتبارها البديل الأنسب سياسياً واستراتيجياً لنقل نفط وغاز بحر قزوين إلى الأسواق الدولية، لمصلحة شركات النفط الأميركية، ولمصلحة تثبيت وضعية واشنطن كقطب عالمي وحيد بالتالي. إذ إن امتلاك واشنطن وشركاتها النفطية نصيب الأسد في احتياطات بحر قزوين، ونجاحها في تسويق النفط و"تسليعه" يضغط على الأقطاب المنافسة لواشنطن دولياً ويضع الأخيرة في موقع المتحكم في سوق الطاقة العالمية. وبناء على هذه الخلفية تعتبر استقالة شيفاردنادزه خسارة واضحة في خانة واشنطن وحلفائها الإقليميين في أذربيجان وتركيا، ومكسباً نسبياً في الموازين الاستراتيجية لروسيا وإيران.
وتأسيساً على كل ذلك لا يمكن النظر إلى الأحداث الأخيرة في جورجيا داخل إطار الحدود السياسية لجورجيا فقط، بل في إطار أشمل يضم كل منطقة القوقاز وآسيا الوسطى والخليج العربي وبحر العرب. والمفارقة هنا أن شيفارنادزه الذي تتهمه كثير من منظمات حقوق الإنسان الدولية بانتهاك القوانين والديكتاتورية، هو الحليف الرئيس في منطقة القوقاز لواشنطن، التي ما انفكت منذ حربها على الإرهاب تردد دعمها للديموقراطية وعمليات التغيير الديموقراطي في المنطقة والعالم. ومن هنا وضع التغيير الحادث في جورجيا، وما أسفر عنه من تداعيات إقليمية واستراتيجية، صدقية أطروحات واشنطن الخاصة بمسألة الديموقراطية في العالم على المحك. فهل تدعم الإدارة الأميركية المحافظة عمليات التغيير الديموقراطي في العالم إذا كان هذا التغيير لا يصب بالضرورة في خانة المصالح الأميركية؟ أم يتحين صقور هذه الإدارة الفرص لتغليب المصالح الاستراتيجية الأميركية على مبادئ حقوق الإنسان والديموقراطية؟
الشاهد، وفي ضوء الأحداث المتلاحقة في منطقتنا والعالم، أن مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان وعلى رغم تكرارها في الخطاب الرسمي والإعلامي الأميركي، لا تزال تنحني للأسف أمام المصالح الاستراتيجية لواشنطن باعتبارها المحرك الرئيس للعلاقات الدولية الحالية.
* رئيس تحرير مجلة "شرق نامه" في القاهرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.