أعادت الشمس الدافئة للعيد في الشام بهجته بعد ايام من الامطار الغزيرة، ووفر تزامن اعياد "الميلاد" و"الفطر السعيد" و"رأس السنة" طقوساً احتفالية مختلفة قلما تشهدها المدينة بهذا الزخم. وانعكس هذا التزامن في الاعياد ايجاباً على حركة الاسواق التي شهدت ازدحاماً ميز الأيام الأخيرة من رمضان المبارك، حيث تحدث معظم اصحاب المحلات في دمشق عن "حركة بيع كبيرة" هذا الشهر خلافاً لما حصل في العامين الماضيين بسبب الركود في البلاد. واكتست المدينة زينتها وتحولت الى خلية نحل وسمح لاصحاب الدكاكين التجارية بفتح محلاتهم حتى ساعة متقدمة من ليل كل يوم. على رغم الظروف الجوية العاصفة التي سبقت ايام العيد، الا ان الشوام يعتبرون ان "العيد هو العيد" ويجب ان تراعى طقوسه في الطعام والشراب واللباس. لذلك فإن هذه الاجواء لم تمنع الامهات من النزول الى الاسواق وشراء مستلزمات العيد. تقول ام اسامة: "ننتظر العيد من سنة الى سنة لنعيش اجواء عائلية مختلفة وحميمية، اذ اننا في الايام العادية نكاد لا نلتقي الا في المناسبات. اما في العيد فإننا نتبادل العزائم وزيارات المعايدة". والزائر لدمشق هذه الايام تلفت انتباهه زينة المنازل والمحلات التي تعرض مالذ وطاب من المأكولات والمشروبات التي لاتجد طريقها الى المائدة الا في ايام العيد، كما تنتشر هذه الايام البسطات التي تتضمن كل انواع المأكولات والحلويات الشعبية المعروفة وعلى رغم انتشار هذه الظاهرة منذ سنوات الا انها تبدو العام الجاري اكثر اتساعاً وتغزو كافة الاسواق من دون ان تقتصر فقط على سوق "الحميدية" الشعبي. وكان معظم المحلات في الاسواق المعروفة استعد للعيد قبل ايام عدة، لتتحول عملية بيع الحلويات الى كرنفالات. وقال ابو احمد صاحب محلات لبيع الحلويات في حي الميدان الشهير، ان حركة البيع عنده تضاعفت في الايام الاخيرة كما هو "متوقع". ويفرش البائعون في "سوق البزورية" بضاعتهم من الحلويات والتوابل والزهور والمكسرات امام ابواب الدكاكين، حيث يقول احد الباعة: "لدينا مئات الاصناف من السكاكر والشوكولا والفواكة المجففة وكل شخص يشتري حسب وضعه المادي فالمقتدر يطلب الانواع الفاخرة، فيما يشتري ذوو الدخل المحدود الانواع المتوسطة السعر". ويراوح سعر الكيلو من هذه الاصناف بين ثمانية دولارات و12 دولاراً، حسب نوعية المادة وشهرة المنتج، اذ ان هناك ماركات مشهورة بقيت محتكرة للسوق على رغم قيام المنافسين بحملات اعلانية لمنتجاتهم في التلفزيون الرسمي خلال ايام رمضان التي هي وقت الذروة للمشاهدة. وعلى رغم ان معظم الناس يعرفون ان دمشق هي اقدم مدينة مأهولة في التاريخ، الا انهم يجهلون ان سكانها من اصحاب "الضرس الحلو" أي من محبي الحلويات. فكل ما يشتهيه المتذوقون من أطايب الحلويات، من محشي بالعجوة او المكسرات او القشدة وغيرها سيجدونه في دمشق. و اللافت في هذه المدينة عدد محلات الحلويات الكبيرة والمتنوعة من محلات "الحلونجي" التقليدية الى محلات الحلويات الفرنسية الحديثة. واشهر هذه المناطق هو الجزء القديم من حي الميدان جنوبدمشق والذي يشتهر بجودة الحلويات التقليدية فيه ومنطقة المرجة وسط المدينة القديمة، وباب الجابية وسوق مدحت باشا. ومعلوم ان مهنة "الحلونجي" متوارثة في دمشق بين ابناء العائلة الواحدة منذ اجيال، حيث تحتفظ بسر "الطبخة" كما يقول ابو سعيد، صاحب أحد هذه المحلات ويضيف "المجال واسع امام الناس للتمييز بين صناعة وأخرى، فهناك شروط لصناعة اي نوع من الحلويات سواء من ناحية جودة المواد او رخصها والمقادير و"نفس" القائم على الطبخة وذوقه والتي تميز محلاً عن آخر، مشيراً الى ان الاختيار يتم غالباً "حسب الجودة والسعر طبعاً" ويضيف ابو سعيد: "الطزاجة هي المعيار الاكثر اهمية، حيث ان عدم استخدام مواد حافظة، والسمنة غير المغشوشة والقشدة هي "ما يميز صناعة عن اخرى" بالنسبة لاصناف عدة من الحلويات التي تحلى بالقطر. وتعتبر "البرازق" و"المبرومة" و"المغشوشة" و"عش البلبل" و"نوكا" و"الراحة" من اشهر الحلويات العربية - الدمشقية في العيد ويراوح سعر الكيلو منها بين 10 و20 دولاراً. ويقول نبيل بندقجي صاحب احد محلات الحلويات في حي الميدان في دمشق: "لدينا اصناف عدة من الحلويات ونوعيات تختلف حسب الزبون، فهناك الانواع الوسط التي يمكن شراؤها مباشرة وهناك الانواع التي تحتاج الى تسجيل دور للحصول عليها قبل اسبوعين احيانا وتتميز بنوعية فاخرة". ويعلّق عدد كبير من اصحاب المحلات اعلانات تقول: "الرجاء من الاخوة المواطنين الراغبين في شراء الحلويات، تسجيل اسمائهم في الدور بين 15 و25 رمضان المبارك". في المقابل، تحرص بعض الاسر الشامية على صنع حلويات العيد في المنزل. وتقول احدى السيدات: "للعيد اصوله واحد مستلزماته صناعة المعمول ومن المستحيل ان نشتري من السوق فلا يحلو العيد إلا بالمعمول الذي نعجنه و نحشيه ونخبزه في البيت اضافة الى اننا نشترك في صنعه مع الاهل و الجيران ما يخلق جواً جميلاً"، فيما تعتقد سيدة اخرى بأن "حلويات السوق بدعة اخترعها الكسالى". وشهدت محلات بيع الالبسة حركة بيع وشراء بدأت باكراً هذا العام، وتقول احدى السيدات "كل شيء في الايام التي تسبق العيد يغري بالشراء لذلك فإني استمتع بالنزول الى السوق وشراء الحاجيات"، فيما تقول اخرى: "حتى لو لم أكن في حاجة الى شراء اي شيء فهناك ما يدفعني الى النزول الى الاسواق قبل العيد للفرجة و الاستطلاع على الاقل". ويؤكد صاحب محل للألبسة النسائية: "على رغم التعب الذي يصيبنا من كثرة الجدل مع الزبائن الا ان فترة الاعياد لها طعم مميز حيث لاحظنا ان الاقبال على الشراء جيد جداً بعدما عانينا في الاعياد الاخيرة من "كثرة الحركة وقلة البركة" نتيجة كثرة المساومة من دون شراء". ويعتبر العيد فرصة لزيادة الاسعار التي تتباين من سوق الى اخرى فالتايور النسائي في الاسواق الشعبية مثل "الحميدية" و"اليرموك" يباع بنحو 40 دولاراً، فيما يصل سعره في اسواق "الشعلان" و"الحمرا" و"الصالحية" الى 60 دولاراً. ويرتبط هذا الاختلاف احياناً باختلاف الماركة المسجلة على القطعة . ويوضح احد التجار: "ان ايجار محلي ثلاثة اضعاف ايجار محل في سوق شعبية ويعمل عندي اربعة عمال ما يفرض علي ان تكون اسعار الالبسة عندي مرتفعة"، اي ان المستهلك يشارك البائع في دفع الاجر الشهري للمحل والعمال. و كان واضحاً اشتداد المنافسة في الموسم الحالي بين الماركات السورية الخاصة والعامة و بين ماركات الامتيازات الاجنبية المصنّعة في سورية مثل "بنتون" و"ناف ناف" و"بيغ ستار" و"كيكرز" التي انتشرت في الفترة الاخيرة ولقيت رواجاً كبيراً. ويقول صاحب محل للالبسة الولادية "هناك منافسة بين الجميع وكل محل له زبائنه الذين خبروا بضائعه واعتادوا عليها والمنافسة مشروعة". غير ان احدى الفتيات تشير الى ان "المحلات الجديدة مثل بنتون و ناف ناف لديها موديلات جديدة وغير مكررة اضافة الى انها تتميز بمواصفات افضل والسوق بحاجة الى التغيير". ويصل سعر القطعة عند هذه الشركات الى 120 دولارآً للتيور النسائي وستين دولاراً للولادي. و هذا السعر يماثل اسعار الشركات السورية الخاصة الاخرى التي تحاول استرداد مكانتها بتحسين نوعيتها وتقليل الاعداد من الموديل الواحد. وفيما ينتقد متدينون المبالغة في شراء مستلزمات العيد ويعتبرونه "تبذيراً لا مبرر له يهز موازنة العائلة طوال العام"، تزداد الروابط الاجتماعية بين الاسر في العيد، ويسودها التواصل والترفع عن الصغائر، اذ مع اليوم الاول تبدأ الزيارات والتبريكات ب"الفطر السعيد". ويقول السيد محمود الجمعات 55 عاماً: "اذا مرّ اليوم الاول من العيد ولم نقم بزيارة جدي وأعمامي تصبح زعلة كبيرة". وعلى رغم ان هذه الطقوس خفّت حدّتها في الاعوام القليلة الماضية، الا ان الاساسيات لم تلغ.