ازدحام الأسواق ليس الأمر الوحيد الذي يميز الأسبوع الأخير من رمضان عندما يسمح لأصحاب الدكاكين التجارية بفتح محلاتهم حتى ساعة متقدمة من ليل كل يوم. بل ان ذاك الاصرار الكبير من المواطنين على المساومة مع الباعة لدى التسوق لأيام العيد، سواء من الحلويات او الألبسة، وذلك كي يصل المواطنون الى "الرضا عن النفس" إذا لم يكن "الحصول على سعر أرخص أمراً ممكناً". لكن الأمر اللافت ان معظم أصحاب المحلات يتحدث عن "حركة بيع كبيرة" على عكس ما كان يحصل في السنتين الأخيرتين بسبب أزمة الركود في البلاد. وتقول احدى السيدات: "حتى لو لم أكن في حاجة الى شراء أي شيء فهناك ما يدفعني الى النزول الى الأسواق قبل العيد للفرجة والاستطلاع على الأقل". فيما ترى امرأة أخرى العيد عبارة عن "ملابس جديدة للأولاد، وإلا فإن فرحة العيد تذهب". وكان معظم المحلات التجارية في أسواق "الشعلان" و"الصالحية" و"باب توما" و"الحمراء" فتح أبوابه الى ساعة السحور أمام الكم الهائل من الراغبين في ارتداء ملابس جديدة في العيد. في حين يفرش البائعون في "سوق البزورية" بضاعتهم من الحلويات والتوابل والزهور والمكسرات أمام أبواب الدكاكين. ويقول أحد الباعة: "لدينا مئات الأصناف من السكاكر والشوكولا والملبس وكل واحد يشتري الضيافة حسب وضعه المادي. فالمقتدر يطلب الأنواع الفاخرة، فيما يحصل ذوو الدخل المحدود على الأنواع الوسطى في سعرها". ويراوح سعر الكيلوم من هذه الأصناف بين ثمانية دولارات و12 دولاراً، وذلك حسب نوعية المادة وشهرة المنتج. إذ ان هناك ماركات مشهورة بقيت محتكرة السوق على رغم قيام المنافسين بحملات اعلانية في التلفزيون الرسمي خلال أيام رمضان التي هي وقت الذروة للمشاهدة. وعلى رغم ارتفاع أسعار الحلويات العربية - الدمشقية مثل "البرازق" و"المبرومة" و"المغشوشة" و"عش البلبل" و"نوكا" و"الراحة" التي يراوح سعر الكيلو منها بين عشرة وعشرين دولاراً، إلا ان الحصول على أي كمية يعني ضرورة تسجيل الاسم قبل أسابيع من رمضان. وكثيراً ما كان أصحاب المحلات يعلقون اعلاناً: "الرجاء من الاخوة المواطنين الراغبين في شراء الحلويات تسجيل اسمائهم في الدور بين 15 و25 رمضان المبارك". وكتب مسؤول قسم الاقتصاد في صحيفة "الثورة" أسعد عبود انه قصد محلاً للحلويات في العشرين من رمضان "كي نوصي على حلويات العيد. وعندما سجلت دوراً كان رقمي عنده 2758". ثم تساءل كيف يقول الناس ان هناك أزمة اقتصادية في البلاد، طالما ان دوره كان 2758 قبل أيام من العيد وفي محل واحد. في المقابل يحرص عدد من الأسر خصوصاً في الأرياف على صنع حلويات العيد في المنزل. وتقول احدى السيدات. "هكذا تعودنا ومن المستحيل ان نشتري من السوق. إذ لا يحلو العيد إلا بالمعمول الذي نعجنه ونحشيه ونخبزه في البيت، اضافة الى اننا نشترك في صنعه مع الأهل والجيران، مما يخلق جواً جميلاً". فيما يعتقد آخر بأن "حلويات السوق بدعة اخترعها الكسالى". ويتمنى الريفيون لو انهم قادرون على نسج جميع ألبستهم كي لا ينزلون الى السوق. ومعظم النساء ينسجن الألبسة الصوفية لهن ولأولادهن فقط. وهناك ورشات عائلية في كل قرية، لكن لا بد من "النزول" الى السوق في المدينة حيث الازدحام على أشده. ويقول صاحب محل ألبسة نسائية: "على رغم التعب الذي يصيبنا من كثرة الجدل مع الزبائن، إلا ان فترة الأعياد لها طعماً مميزاً، حيث لاحظنا ان الاقبال على الشراء حالياً جيد جيداً"، بعدما "عانى" الباعة في الأعياد الأخيرة من "كثرة الحركة وقلة البركة" نتيجة كثرة المساومة من دون شراء. ويضيف ان "أغلب زبائننا من الأمهات مع أطفالهن وكثير من الآباء يتركون للأمهات حرية اختيار ملابس أولادهن. لذلك لا نرى في الأعياد إلا القلة من الآباء الذين يصطحبون العائلة". ويعتبر بائع آخر ان اختيار زملائه فرصة العيد كي يعلنوا عن حسومات وهدايا "يحير المواطنين". وتتباين الأسعار من سوق الى أخرى فالبنطلون الرجالي في الأسواق الشعبية يباع بنحو 14 دولاراً، فيما يباع نفسه او قريب منه في سوق أخرى بعشرين دولاراً. ويرتبط هذا الاختلاف أحياناً باختلاف اسم الماركة المسلجة على القطعة. ويوضح احد التجار: "ان ايجار محلي ثلاثة أضعاف ايجار محل في سوق شعبية، ويعمل عندي في المحل أربعة عمال. ويفرض ذلك عليّ ان تكون أسعار الألبسة عندي مرتفعة"، أي ان المستهلك سيشارك البائع في دفع الأجر الشهري للمحل والعمال. لكن مدير دائرة الأسعار في وزارة التموين الدكتور جمال السطل يقول ان "اختلاف أسعار المنتج نفسه من سوق الى أخرى مخالفة تموينية. ونحن نقوم بدوريات لتفقد الأسعار وحصر هذه المخالفات". وكان واضحاً اشتداد المنافسة في الموسم الحالي بين الماركات السورية الخاصة والعامة وبين ماركات الامتيازات الأجنبية المصنعة في سورية مثل "بنتون" و"ناف ناف" و"بيغ ستار" التي انتشرت في الآونة الأخيرة ولقيت رواجاً كبيراً. ويقول مدير احدى صالات البيع في شركة حكومية: "ان القطاع الخاص بدأ منذ شهر يطرح بضاعته في الأسواق من أجل العيد، بينما نحن نقف عاجزين عن تلبية الكثير من الطلبات، حيث واجهتنا اشكاليات عندما طلبنا بضاعة جديدة، وهي ارتقاع أسعار شركة الشرق قطاع عام التي نتعامل معها". من جهته يقول صاحب محل للألبسة الولادية: "ان هناك منافسة بشكل عام بين الجميع. وكل محل له زبائنه الذين خبروا بضائعه واعتادوا عليها والمنافسة مشروعة". غير ان احدى السيدات تشير الى ان "المحلات الجديدة مثل بنتون وناف ناف لديها موديلات جديدة وغير مكررة بالاضافة الى جودتها العالية وأن السوق بحاجة الى التغيير". وقد حصل بعض العاملين في مجال الألبسة الجاهزة على امتيازات لتصنيع الملابس من شركات عالمية مثل "بنتون"، وهي أول شركة ألبسة بامتياز أجنبي في سورية توزع منتجاتها على عدد كبير من المحلات المتخصصة بهذه الماركة في جميع المدن السورية. وهي تصنع الملابس النسائية والرجالية والولادية، وتختار مواقع صالتها بعناية شديدة. كما افتتحت العام الماضي محلات تحت اسم "ناف ناف" وعددها تسعة محلات، خمسة منها في دمشق. ويقول السيد أحمد كنعان مدير شركة "ناف ناف" انه اختار العمل مع شركة عالمية "تقدم لنا الاسم والموديلات وبترونات العمل، وهذا أفضل من العمل تحت اسم خاص يحتاج الى سنين طويلة ليشتهر، بالاضافة الى الخبرة التي نحصل عليها في مجال التصنيع العالمي". وتوجه هذه الشركات انتاجها الى الأسواق الداخلية، إذ ان كنعان لا يعترف بوجود "أي منافسة من البضائع المحلية". وتقول احدى السيدات: "في البداية فرحنا بهذه المحلات، لكن موديلاتها بدأت تتحول الآن الى لباس موحد للشباب ففقد صفة الاختلاف والتميز عن باقي السوق". ويصل سعر القطعة عند هذه الشركات الى 120 دولاراً للتيور النسائي وستين دولاراً للولادي، ويماثل هذا السعر أسعار الشركات السورية الخاصة الأخرى التي تحاول استرداد مكانتها بتحسين نوعيتها وتقليل الاعداد من الموديل الواحد. وتواجه الورشات الخاصة، التي كانت تعاني في السابق من منافسة البضائع المهربة ولكن بشكل محدود، تحدياً حقيقياً من منافسيها الحاليين الذين يتفوقون عليها في مجال النوعية. ويقول صاحب وكالة "بيغ ستار" السيد هيثم نصرالله: "نقوم بتصنيع منتجاتنا تحت اشراف خبراء أجانب من الشركة الأم، ولدينا مصنع خاص بحيث لا نعتمد على الورشات لعدم قدرتها على التصنيع بالدقة المطلوبة". وتختلف هذه الشركة عن مثيلاتها بأنها تملك وكالة ليس لسورية فقط بل لعشر دول عربية. ويضيف نصرالله: "اننا نغطي السوق المحلية بنحو 40 في المئة من انتاجنا و30 في المئة للسوق العربية و20 في المئة للسوق الأجنبية. وتملك الشركة عدة وكالات لألبسة الجينز بينها لورد ولويز. وتوزع هذه الماركات على 30 محلاً في سورية، فيما تتخصص ستة محلات في بيع منتجاتنا من ماركة بيغ ستار".