حتى الارهاب يمكن ان يحكمه "منطق" وأن "يوظف" سياسياً في خدمة "عدالة" قضية مرتكبيه. واذا كان عرب ومسلمون كثر ممن هزتهم أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001 حاولوا تلمس "منطق" ما ل"غزوتي" نيويوركوواشنطن، ولتفجير السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا أو للهجوم على المدمرة الأميركية "كول" في ميناء عدن اليمني وغير ذلك من هجمات طاولت مصالح ومنشآت غربية، محاولين تبريرها بالانحياز الأميركي "الأبدي" ضد قضايا العرب والمسلمين، يصعب على هؤلاء اليوم اختلاق أي "منطق" لسياسة ال"خبط عشواء" البن لادنية التي سادت أخيراً، من الهجوم على مجمع المحيا السكني في الرياض الذي ذهب ضحيته عرب ومسلمون الى "غزوتي" اسطنبول الأخيرتين. المتتبعون لشؤون "القاعدة" قد يرون الى الاعتداءات الأخيرة في اسطنبول عقاباً من هذا التنظيم لتركيا على علمانيتها وتحالفها الوثيق مع الولاياتالمتحدة، وعضويتها في حلف شمال الأطلسي، وسعيها الحثيث الى الاندماج في الغرب من طريق عضوية الاتحاد الاوروبي، وتنامي علاقاتها مع اسرائيل. غير ان هذا "المنطق" يغفل ان في أنقرة اليوم حكومة ديموقراطية اسلامية تحكمها توازنات دقيقة وينتظرها العسكر وخصومها العلمانيون عند أول مفترق. وهي حكومة لم يمنعها تحالفها الوثيق مع واشنطن من اغلاق حدودها أمام القوات الأميركية عشية الحرب على العراق، ومن الاستجابة للرأي العام التركي بعد الحرب عبر سحب عرضها بارسال قوات الى العراق بقيادة الولاياتالمتحدة. وهي حكومة ابتعدت قدر الامكان عن سياسة سابقاتها في الارتماء في أحضان الدولة العبرية عبر "تعريب" سياستها الخارجية و"أسلمتها"، فجاءت الضربتان الأخيرتان لتدفعاها الى تكثيف التعاون مع واشنطن وتل أبيب في مجالات الامن والاستخبارات، والوقوف الى جانب حكومة آرييل شارون في وجه "الارهاب الدولي"! ولا يضاهي سوء "منطق" هذا الارهاب الا سوء توقيت ضرباته. فالهجومان على مصالح بريطانية تزامناً مع احتشاد عشرات آلاف البريطانيين في لندن للاحتجاج على زيارة الرئيس جورج بوش ولمساءلته، مع حليفه توني بلير، عن المبررات الأخلاقية للحرب على العراق وعن مصير أسلحة الدمار الشامل، وهما أعطيا الرجلين الفرصة لالتقاط الأنفاس والتذكير باستهداف "قوى الارهاب والشر الأمم الحرة الخيّرة والعالم المتمدن". كما تزامن الهجومان مع رفض الحكومة الاسرائيلية قرار مجلس الأمن تبني "خريطة الطريق" بنصها الأصلي لانهاء النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي، فغطت أخبار مقتلة اسطنبول على هذا الرفض، كما غطّى الهجومان على الكنيسين اليهوديين قبلهما على أنباء الاستطلاع الأوروبي الشهير حول اعتبار 60 في المئة من الأوروبيين اسرائيل تهديداً للسلام الدولي، لتسارع الدولة العبرية في عملية علاقات عامة ضخمة الى ربط الهجمات ب"تنامي ظاهرة العداء للسامية" في العالم، وبالتحريض ضد اليهود في دول عربية واسلامية وفي أوروبا. مرة أخرى، "ينجح" الارهاب في اضافة خسارة جديدة الى خسائرنا المتتالية.