مثلما عقد الرئيس الأميركي السابق فرانكلين روزفيلت ورئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشيرشل التحالف التاريخي بين بلديهما إبان الحرب العالمية الثانية تحت شعار "العلاقة الخاصة"، فإن الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير هذه الأيام يعمقان هذه العلاقة الخاصة، وفقا لما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤول بريطاني كبير. وأضافت الصحيفة أنه في ضوء التطورات الحاصلة فإن اقتراب بلير من بوش يكلف رئيس الوزراء البريطاني ثمناً باهظاً، لأن الرئيس الأميركي من النوع الذي يقسم المحيطين به إلى قسمين على نحو استقطابي لا ثالث بينهما، فإما أنت معه أو ضده، ولأن الرأي العام البريطاني إجمالا معاد للحرب على العراق، وفي كلا الحالين فإن بلير هو الخاسر. وتوقعت أن تؤدي زيارة بوش للندن إلى المزيد من مشاعر الإحباط لدى البريطانيين لأن الرئيس الأميركي لن يقدم شيئا ملموسا لبريطانيا، بل ستكون هناك نتيجة عكسية للزيارة وهي اتساع قاعدة المعارضة للحرب على العراق. مشيرة إلى أنه على عكس الرئيس وودرو ويلسون الذي خرج عام 1918 وحيا الجماهير التي احتشدت في شوارع لندن لاستقباله، فإن زيارة بوش تمت خلف أبواب موصدة، حتى أن الخطاب الذي ألقاه أول من أمس كان أمام عدد محدود جدا من المدعوين الذين ظلوا صامتين وهادئين طوال فترة الخطاب، وحين صفقوا، فعلوا ذلك مجاملة للضيف الأميركي بلا حماس يذكر. لكنها زادت أن بلير أكد لدى استقباله بوش في لندن، ثباته على إيمانه بمقولته الشهيرة: "من المستحيل أن يكون لبريطانيا أي تأثير في العالم إن لم تكن حليفا موثوقا للولايات المتحدة". وتابعت أن الزعيمين يواظبان منذ فترة طويلة على اللقاء، ويتحدثان أسبوعيا بلا توقف في مكالمات مصورة منقولة بالفيديو. وأضافت أن موقف بلير ليس جديدا وليس مرتبطا بالرئيس بوش شخصيا، إنما هو ثابت لا يتأثر بمن يصل الى البيت الأبيض، إذ أن رئيس الوزراء البريطاني أقام هذه العلاقة الوطيدة مع واشنطن منذ تسلمه السلطة في عهد الرئيس بيل كلينتون، وتعاونا في أكثر من مسألة، منها إيرلندا الشمالية، وكوسوفو ومنطقة البلقان، بل أن كلينتون، في آخر زيارة له للندن، نصح بلير بأن يبقى قريبا من بوش. وساعد في توثيق العلاقة بينهما سفير بريطانيا السابق في واشنطن كريستوفر ماير الذي أقام منذ عهد كلينتون بتوصية من رئيس الوزراء علاقات وطيدة مع الحملة الانتخابية لبوش الجمهوري ومع إدارة بوش بعد وصوله إلى البيت الأبيض. وتحول بلير مدافعاً عنيداً عن بوش لدى الأوروبيين وحتى داخل حزب العمال البريطاني الحاكم. وأصر على ذلك الى درجة هددت مستقبله شخصيا كزعيم للقارة الأوروبية، وكبدته خسائر كبيرة لا تقل عن خسارته جراء افتضاح زيف الادعاء بوجود أسلحة دمار شامل في العراق وعدم العثور على أي منها بعد الحرب. ونقلت الصحيفة عن بيتر ريدل الذي يحضر كتابا عن العلاقة الخاصة بين بوش وبلير باسم سيصدر قريبا، أن بلير وجد بوش أكثر صراحة وانفتاحا من صديقه كلينتون. فيما يقول سفير بريطانيا الحالي في واشنطن السير بيتر ماننغ أن أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001 لعبت دورا كبيرا في التقارب الشديد بين الزعيمين. ووفقا لمحللين أميركيين لم تأت الرسالة التي قدمها بوش الى البريطانيين والأوروبيين بأي جديد، وشككوا في أن يكون نجح من خلال هذه الزيارة في تغيير الصورة المطبوعة عنه في الأذهان، كراعي بقر كابوي أناني يعمل لوحده بلا اعتبار للآخرين. بل هناك من يشير إلى أن الرأي العام البريطاني مستاء جدا من ظهور أميركا كقوة عظمى وحيدة في العالم. ونقلت "نيويورك تايمز" عن أحد المعارضين الذي تظاهر في لندن ضد زيارة بوش قوله: "إننا نعلم أن الرئيس الأميركي لن يرانا خلال زيارته، لكننا نريد من الشعب الأميركي نفسه أن يرانا. فعلى الأميركيين أن يعلموا إلى أي مدى نحن نعتقد بأن هذا الرجل خطير".