قرأت رسالة الدكتور كمال أحمد عبدالباقي من ألمانيا "الحياة" 12 تشرين الثاني - نوفمبر متعرضاً فيها الى الأضرار التي طالت الجاليات العربية المقيمة في بلاد الغربة الأوروبية والأميركية، واصفاً إنتاج المسلسلات مثل "الشتات" بالإفلاس الفكري، وعدم القدرة على محاسبة النفس. والغريب ان د. كمال يقول كل هذا وهو، كما كتب، لم يشاهد سوى الحلقة الأولى من المسلسل. ولا اعرف كيف يمكنه ان يطلق هذه الاحكام المطلقة من دون ان يشاهد ربع عدد الحلقات على الأقل، حين تتبلور الأفكار، وتتشابك الخيوط، وتظهر الخطوط العريضة. ولا أعرف كيف يمكن لمسلسل "الشتات" ان يصيبه، ومعه العرب المغتربون، بالأذى والمسلسل يعرض على قناة وحيدة - قناة "المنار" - بعد ان رضخت الحكومة السورية للضغوط الأميركية، ولم تعرضه على رغم انها جهة مشاركة في إنتاجه. كما ان المسلسل لا يعرض مترجماً الى اي لغة أجنبية، ما يعني انعدام تأثيره في جمهور المشاهدين العرب. وهي النقطة التي أتمنى ان تنتبه اليها جهة الانتاج، لأن المسلسل مميز بحق من الناحية الفنية التقنية، ومن الناحية التاريخية، والأداء الدرامي فيه مرتفع للغاية، وقدم في سلاسة، في بناء محكم، قصة الحركة الصهيونية، وكيفية نشأة اسرائىل متعرضاً للدور الذي قام به اليهود في إشعال الحروب العالمية والفتن، في داخل الدولة الواحدة. من اجل إحكام سيطرتهم على البلاد التي يعيشون فيها كخطوة الى الانتقال الى فلسطين، واحتلالها على زعم انها أرض الميعاد. وإن كنت اتفق مع كاتب الرسالة على ان كثيرين من الحكام العرب اتخذوا قضية فلسطين سبباً للتخلف والجمود والبعد عن التقدم، الا ان ذلك لا يعني ان يتم إهمالها. مثل هذه القضية المهمة تعتبر، شئنا أم أبينا، جزءاً أساسياً من الأزمات في الوطن العربي، بل لعلي أزعم ان البعد عن تناول مثل هذه القضايا العامة فنياً - درامياً أو سينمائياً - هو الخطأ وليس الصواب. ان اسرائيل، ومعها القوى الصهيونية المنتشرة في أنحاء العالم، تفعل ذلك لصالحها وبحرفية شديدة. والأمثلة كثيرة: أجيال كثيرة من الأوروبيين كبرت وترعرعت وهي تحمل على كاهلها ذنب محرقة اليهود، وجاء المخرج الأميركي الأشهر، ستيفن سبيلبيرغ، عام 1996، ليقدم فيلم "قائمة شيندلر"، جسد فيه عذابات اليهود إبان المحرقة، ونال عليه مكافأة جائزة الأوسكار. وتسبب في تأكيد عقدة الذنب لدى الملايين من الأوروبيين الذين شاهدوا الفيلم، وفيلم "يوم الاستقلال" الذي تعرضه كثير من الفضائيالت العربية ببلاهة شديدة، يؤكد فكرة تميز اليهودي على سائر الأديان والأجناس، من خلال نجاح عالم يهودي بمفرده في ان يصد غزواً فضائياً جاء ليحتل الأرض بمن فيها. في مهرجان برلين، العام الماضي، قدم المخرج اليوناني كوستا غافراس فيلم "آمين"، متعرضاً فيه لتحالف مزعوم، وغير منطقي، بين الفاتيكان والنازية من اجل الزج بأكبر عدد ممكن من اليهود في "الهولوكوست". والقائمة تطول ولا أعرف كيف نصف أول الخطوات صحة بأنها خطأ وغير لائقة. ربما جاء اعتراض الخارجية الأميركية على المسلسل اكبر دليل على صحة ما جاء فيه، ان المؤلف اعتمد على اكثر من 250 مرجعاً ليس بينها ما يصفه اليهود بأنه غير صحيح. والقصة التي يتعرض اليها "الشتات"، ربما تكون معروفة لبعضهم، الا ان عرضها درامياً - وفي هذا صواب - يزيد من دائرة العارفين والفاهمين والمتتبعين للجذور والنشأة. ألم يقولوا، من زمن، اعرف عدوك! المنصورة - محمد هشام عبيه [email protected]