العالم كلّه أخذ يدين حكومة آرييل شارون وممارساتها النازية ضد الفلسطينيين ويعتبر اسرائىل أكبر خطر على السلام العالمي مع الولاياتالمتحدة، ورئيس أركان الجيش الاسرائىلي الحالي وأربعة من الرؤساء السابقين للأمن العام الاسرائيلي شاباك مع ألوف الاسرائىليين أنفسهم ينتقدون ممارسات حكومتهم المتطرّفة، وكذلك فعل تقرير الأممالمتحدة عن هذه الممارسات والصليب الأحمر الدولي، فماذا حدث؟ حدث ان تعرّض كنيسان في تركيا لهجوم إرهابي حقير، ما يرجّح مرّة أخرى ان الارهاب واحد سواء كان من "القاعدة" أو من حكومة شارون، فهو يغذّي بعضه بعضاً، ويبرّر كل إرهاب وجود الارهاب المضاد له. أحمّل شارون شخصياً وليكود، وكل من يدافع عنه أو يتعاطف مع سياسته، المسؤولية عن اشتداد موجة اللاسامية حول العالم، وعن العمليات الارهابية، إن كانت ضد مدنيين فلسطينيين في غزة، أو مصلين في كنيس في استانبول. وأكتب وهناك من ادّعى المسؤولية عن التفجيرين في تركيا، وهناك تحقيقات رسمية وأصابع اتهام تشير الى "القاعدة" التي تقتل الأطفال وناساً يصلّون لربهم. وبقدر ما أدين الارهاب بالمطلق، فإنني أشعر براحة لمعرفتي قبل أي تحقيق ان "حزب الله" و"حماس" و"الجهاد الإسلامي" أبرياء منه، فهذه المنظمات الإسلامية حركات تحرّر وطني حقيقية، ولا تمارس أي عمل خارج المواجهة المباشرة مع اسرائىل، فهي تعلّمت من أخطاء المنظمات الفلسطينية في الستينات والسبعينات، ونظام تأسيس كل منها ينصّ على ان يقتصر الكفاح المسلّح على الأراضي المحتلة في فلسطين ولبنان وغيرهما. هذا هو الأسلوب الصحيح لمكافحة اسرائيل، أما الارهاب فهو يفيد الارهابي شارون، ما يجعل منفذيه، مع المخططين والمحرّضين، في خندق واحد مع الحكومة الاسرائىلية التي أصبحت تتعرّض لضغوط داخلية بعد ان كذب شارون على الناخبين مرّتين في 2001 و2003 ولم يحقق لهم الأمن. ليس عندي من تعليق على الارهاب سوى إدانته، ثم أنتقل الى نقاط كنت أجمعها على قصاصات لبناء موضوع عن حكومة شارون. أقول انه اذا كانت هناك فعلاً لا سامية جديدة في أوروبا أو غيرها فالسبب هو حكومة شارون، وقد سمعنا الملحن اليوناني العظيم ميكيس ثيودوراكيس يقول أخيراً ان اسرائيل "أساس كل شرّ"، وهو رأي ليس جديداً. فقد كان صرّح في نيسان أبريل من السنة الماضية لجريدة يونانية بأن "اليهود يقلّدون البربرية النازية، ويتشبهون أكثر وأكثر بالممارسات النازية، وينفذون حلمهم الأخير ضد الفلسطينيين". ورأي الملحن هو رأي اليونانيين كلهم، كما أثبتت استطلاعات عدّة للرأي العام هناك. وقامت حملة هائلة على الملحن المسن 78 سنة ونسي مهاجوه انه نفسه نظّم حفلات ناجحة جداً في اسرائيل، وأن أحد أشهر ألحانه "أغنية ماتهاوزن" وُضع تكريماً ليهود أوروبا. بكلام آخر، ثيودوراكيس لم يكن لا سامياً، وإنما يجب ربط تصريحاته في السنتين الأخيرتين بممارسات حكومة شارون التي جعلته ينتقد اسرائىل واليهود بدل التركيز على تلك الحكومة النازية وحدها. في المقابل، رجل الأعمال العالمي جورج سوروس يهودي أميركي من أصل هنغاري، وهو قال ان اللاسامية الجديدة في أوروبا، اذا كانت موجودة، سببها ممارسات اسرائيل والولاياتالمتحدة، وقد بدأ يخصص كميات هائلة من ماله لاسقاط جورج بوش في الانتخابات المقبلة باعتباره خطراً على السلام العالمي. وردّ شارون على الاستفتاء الأوروبي والأممالمتحدة ومهاتير محمد وميكيس ثيودوراكيس وجورج سوروس، والمعارضة الاسرائىلية المحلية باتهام كل من يعارض استخدام القوّة ضد الفلسطينيين بأنه يمارس نوعاً جديداً من اللاسامية. وفي حين ان هناك عدداً كافياً من الكذابين المحترفين حول شارون ليجعلوا التهمة تلصق بملحن يوناني أو رئيس وزراء ماليزي سابق، فإن كذابي العالم كلّه لا يمكن ان يبنوا حجة اللاسامية ضد سورس أو رؤساء الشاباك السابقين. هناك خلل، وهو في حكومة شارون وأنصارها، المفضوحين مثل برباره امييل في لندن، أو المتسترين مثل توماس فريدمان في نيويورك. كنت أقرأ مقالاً لزوجة ناشر "الديلي تلغراف" عن جلسة مع رئيس لجنة الاتحاد الأوروبي رومانو برودي في نيويورك. وهي كانت غاضبة لاعتبار الأوروبيين اسرائىل أكبر خطر على السلام العالمي، ووجدت وسيلة لتقول ان مئات ملايين الدولارات؟ اليورو؟ يدفعها الاتحاد الأوروبي للسلطة الوطنية الفلسطينية وتنتهي في حسابات سويسرية لياسر عرفات. منذ سنتين أو أكثر وأنا انتقد أبو عمار في كل مناسبة، ولكن أسأل اليوم هل من المعقول ان للرئيس الفلسطيني حساباً أو حسابات في سويسرا، ولا تعطينا هذه اليهودية الانكليزية العجوز أو إدارة بوش أرقامها لفضحه ومصادرة أمواله؟ وماذا يفعل سلام فياض الذي أعطاه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أعلى علامات على أداء وزارة المالية الفلسطينية؟ أعتقد ان اناء بربارة امييل فاض بما فيه، وكذلك فعل توماس فريدمان الذي عرفته معتدلاً ليبرالياً، وأصبح الآن يتذاكى وهو يختلق الاعذار لاسرائىل، ولا يجد من يستعين به للحديث عن السعودية سوى "خبير" مثله هو ستيفن كوهن. فريدمان طلع علينا بمقال في "نيويورك تايمز" يقترح صفقة بين المملكة العربيةالسعودية واسرائىل، فهذه "تشتري الوقت" للسعودية وهي تجري إصلاحات سياسية واقتصادية، والسعودية تساعد اسرائيل في مكافحة المد المتزايد للاسامية. أقول لفريدمان: "ليس في ألف سنة". فالمملكة العربية السعودية لا تحتاج الى اسرائيل، ولن تعقد اي صفقة معها من أي نوع قبل قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس. وهو قد يعرف شارون، الا انني أعرف السعوديين بمن فيهم الكبار من خمسة آلاف أمير تحدث عنهم فريدمان وأقول انهم لن يعقدوا أي صفقة مع اسرائيل، التي لا يمسكها انسان هذه الأيام الا وفي يده من نتنها عود، وإذا فعلوا فأنا أعد فريدمان بالتوقف عن الكتابة السياسية. وأستغرب ان يسعى صحافي ليبرالي من نوع فريدمان الى مساعدة شارون حتى وهو يزعم انه يتحدث عن اسرائىل، فالمطلوب الآن إسقاط حكومة اليمين المتطرّف في اسرائىل رحمة بالاسرائىليين أنفسهم مع الفلسطينيين ولازالة الخطر عن السلام العالمي، واستئصال الارهاب من الجانبين اللذين يمارسانه.