وقفت جريدة "الغارديان" الراقية الصفحات الأولى من ملحقها اليومي يوم الثلثاء لموضوع "اللاسامية الجديدة" وكتبت ليندا غرانت تحقيقاً متوازناً، ان كان لي ان أعلق فيه على شيء، فهو ان ازدياد كره اليهود في العالم العربي، وفي الدول الاسلامية، أخيراً مرتبط مباشرة بوحشية الاحتلال الاسرائيلي، مع دخول التلفزيون طرفاً والعربي والمسلم يرى كل يوم صور القتل والتدمير والحصار. قبل ذلك بيوم كتبت الصحافية الصهيونية برباره امييل، في "الديلي تلغراف"، أي جريدة زوجها كونراد بلاك، مقالاً ينضح بتحاملها، وزعمت انها سمعت عبارة لا سامية نقلها اليها في الواقع زوجها الرابع بلاك، فقد هاجم السفير الفرنسي دانيال برنار اسرائيل بكلام لا يصلح للنشر، وهاجمت بدورها اللاسامية العائدة الى صالونات لندن، ثم وجدت طريقاً لتقول ان سبب كره الولاياتالمتحدة ليس جرائم آرييل شارون اليومية، بل "الاسلام المتطرف" الذي يكره المسيحيين واليهود لأسباب تنبع من ذاته. الاعتذاريون لإسرائيل، من أمثال امييل وزوجها، يتهمون كل من يهاجم اسرائيل باللاسامية الجديدة أو القديمة، وقد وفر ارهاب 11 أيلول سبتمبر فرصة لتحميل الاسلام المسؤولية، ثم اتهام كل من يحاول وضع الأمور في نصابها الموضوعي. هناك لا سامية بالتأكيد، غير ان ما يغذيها هذه الأيام ليس الاسلام، وإنما نازية الحكومة الاسرائيلية وما يمارس شارون من اغتيالات وقتل وتدمير كل يوم. المشكلة ان الناس العاقلين الذين يحاولون ان يصلوا الى الحقيقة مثل ليندا غرانت قلّة امام الاعتذاريين لاسرائيل من نوع برباره امييل. ولن أقول شيئاً من عندي لهؤلاء وأولئك، ولكن أترجم من مقال ساخر في مجلة "برايفت آي" يعكس الواقع أكثر من أي مقال جاد موثق. المجلة جعلت نقدها على شكل رسالة "مراسلنا الخاص في اسرائيل" وقالت: الارهاب هو موضوع السنة، وبغض النظر عن التركيز الحالي فعند اسرائيل خبرة تاريخية في الموضوع. خذوا مثلاً ضرب أهداف اميركية. شبابنا ضربوا المراكز الثقافية الاميركية في القاهرة والاسكندرية سنة 1954 لتحميل حكومة عبدالناصر المسؤولية. ولكن من سوء الحظ وقع خطأ واضطر وزير دفاعنا بنحاس نافون الى الاستقالة، غير ان المدير العام للوزارة شمعون بيريز نجا وهو الآن وزير خارجية آرييل شارون. أو خذوا الاغتيال السياسي، فإذا وجدتم فهم ياسر عرفات صعباً، فالسبب اننا اغتلنا كبار أعوانه الذين يتقنون اللغات الأجنبية. وفي سنة 1972 المجيدة قتل عملاء الموساد ممثل منظمة التحرير في روما وائل زعيتر، ونظيره في باريس محمود الهمشري. ونعترف بأننا نرتكب الخطأ بين حين وآخر، كما حدث في ليلهامر سنة 1974 عندما قتل عملاؤنا الجرسون المغربي أحمد بوشيكي امام زوجته النرويجية الحامل اعتقاداً منا انه من رجال منظمة التحرير. مع ذلك نحن ننظر بتوازن الى موضوع عين بعين، وعندما تعرض ممثلنا في لندن شلومو ارغوف الى محاولة اغتيال سنة 1982 غزونا لبنان وقتل 20 ألفاً غالبيتهم من المدنيين. ثم ان قصف اهداف مدنية من اختصاصنا. وقد قصفنا في الأشهر الأخيرة، بالاضافة الى مراكز الشرطة، فنادق وميتماً ومستشفى ولادة في بيت لحم، مع العلم انه لا توجد نساء كثيرات فيه لأن أولادنا على الحواجز يمنعونهن من الوصول. وما كان شيء من هذا ليحدث طبعاً لو أن الفلسطينيين قبلوا ان يعيشوا سعداء وسط جنودنا ومستوطنينا. إلا أنهم لم يقبلوا ونحن مضطرون الى حماية أنفسنا. وهذا لا يعني اعتقال المدنيين وانما أخذ رهائن كما فعلنا عندما قتلوا ذلك الجنرال السابق اللطيف رحبعام زئيفي الذي يرأس حزباً، برنامجه الوحيد طرد الفلسطينيين. على كل حال عندما يحدث شيء من هذا نشهر السلاح على جميع سكان الضفة الغربية وقطاع غزة وننزل الدبابات الى الشوارع، ثم ندمر المكان كما فعلنا بساحة المهد في بيت لحم. ونحن أيضاً نستعمل طائرات الهليكوبتر المسلحة ونقتل المشتبه بهم، ولكن نصيب غيرهم. أما بناء المستوطنات المستمر في الضفة الغربية فمجرد صدفة لا سوء نية. طبعاً لا نستطيع التفاوض مع أي كان، لذلك نحاول تحسين ادارة عرفات بقتل الشخصيات المناسبة، وهذا لا يقتصر على العسكريين، فبين الذين قتلناهم الدكتور ثابت ثابت، المدير العام لوزارة الصحة الفلسطينية... الى هنا تنتهي ترجمتي للرسالة الساخرة التي نشرتها "برايفت آي" على لسان مراسلها في اسرائيل، وهي تكفي للرد على أمثال برباره امييل، فهي اكثر جدية وصدقاً وموضوعية من تلفيق الاعتذاريين لاسرائيل. وأريد أن اختتم بشيء ايجابي. ففي سنة 1990 نشرت "الحياة" تحقيقات عن بيروبيجان، الدولة اليهودية التي أنشأها ستالين ليهود روسيا على حدود سيبيريا.، وذهب مراسل "الحياة" في حينه ايغور تيموفييف الى تلك المنطقة في رحلة داخلية استغرقت ثماني ساعات بالطائرة، قطع فيها ست مناطق زمنية، ولم يجد سوى قلة باقية من اليهود في دولتهم السوفياتية. وبعد 11 سنة قرأت في "الغارديان" تحقيقاً مماثلاً كتبه جون ماهوني، وأمنيتي الشخصية ان يهاجر شارون الى هناك فيريح الاسرائيليين والفلسطينيين منه.