السعودية تتصدر دول «العشرين» في نمو عدد السياح الدوليين في 2024    وطن بلا مخالف.. ضبط 22716 وترحيل 12101 غير نظامي    الشرقية: عروض عسكرية للقوات البحرية احتفاءً بيوم الوطن    بلدية الخبر تحتفل باليوم الوطني ب 16 فعالية تعزز السياحة الداخلية    البكيرية تستعد للاحتفاء باليوم الوطني 94 بحزمة من الفعاليات    الصين لا تزال المصدر الرئيس للاوراق العلمية الساخنة    القيادة تهنئ الحاكم العام لبيليز بذكرى استقلال بلادها    كلية الملك فهد الأمنية الشرف والعطاء    زاهر الغافري يرحلُ مُتخففاً من «الجملة المُثقلة بالظلام»    الفلاسفة الجدد    حصن العربية ودرعها    أبناؤنا يربونا    "البريك": ذكرى اليوم الوطني ال94 ترسخ الإنتماء وتجدد الولاء    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الفوز على ضمك    تشكيل الإتحاد المتوقع أمام الهلال    شكر وتقدير لإذاعتي جدة والرياض    مآقي الذاكرة    اختفاء «مورد» أجهزة ال«بيجر»!    إسرائيل - حزب الله .. لا تهدئة والقادم أسوأ    مصر: تحقيق عاجل بعد فيديو اختناق ركاب «الطائرة»    انخفاض سعر الدولار وارتفاع اليورو واليوان مقابل الروبل    "الأوتشا" : نقص 70% في المواد الطبية و65% من الحالات الطارئة تنتظر الإجلاء في غزة    الشورى: مضامين الخطاب الملكي خطة عمل لمواصلة الدور الرقابي والتشريعي للمجلس    رياح سطحية مثيرة للأتربة والغبار على القصيم والرياض    فلكية جدة: اليوم آخر أيام فصل الصيف.. فلكياً    2.5 % مساهمة صناعة الأزياء في الناتج المحلي الإجمالي    «النيابة» تحذر: 5 آلاف غرامة إيذاء مرتادي الأماكن العامة    خطيب المسجد النبوي: مستخدمو «التواصل الاجتماعي» يخدعون الناس ويأكلون أموالهم    "مدل بيست" تكشف مهرجان "ساوندستورم 2024" وحفل موسيقي لليوم الوطني ال 94    "أكاديمية MBC" تحتفل بالمواهب السعودية بأغنية "اليوم الوطني"    "تعليم جازان" ينهي استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني ال94    الأخضر تحت 20 عاماً يفتتح تصفيات كأس آسيا بمواجهة فلسطين    حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس ترومان» تبحر إلى شرق البحر المتوسط    شرطة نجران تقبض على شخص لحمله سلاحًا ناريًا في مكان عام    مجلس الأمن يعقد اجتماعا طارئا لبحث التطورات في لبنان    الدرعية تحتفل بذكرى اليوم الوطني السعودي 94    بيع جميع تذاكر نزال Riyadh Season Card Wembley Edition الاستثنائي في عالم الملاكمة    رياض محرز: أنا مريض بالتهاب في الشعب الهوائية وأحتاج إلى الراحة قليلاً    «لاسي ديس فاليتيز».. تُتوَّج بكأس الملك فيصل    الناشري ل«عكاظ»: الصدارة أشعلت «الكلاسيكو»    «مكافحة المخدرات» بجازان تقبض على شخص لترويجه 13,981 قرصاً من الإمفيتامين    أمانة القصيم توقع عقداً لمشروع نظافة مدينة بريدة    رئيس جمهورية غامبيا يزور المسجد النبوي    وزارة الداخلية تُحدد «محظورات استخدام العلم».. تعرف عليها    ب 2378 علمًا بلدية محافظة الأسياح تحتفي باليوم الوطني ال94    المراكز الصحية بالقطيف تدعو لتحسين التشخيص لضمان سلامه المرضى    زعلة: ذكرى اليوم الوطني ال94 ترسخ الانتماء وتجدد الولاء    "الصندوق العالمي": انخفاض معدلات الوفيات الناجمة عن مرض الإيدز والسل والملاريا    حركة الشباب تستغل النزاعات المحلية الصومالية    خطيب المسجد النبوي: يفرض على المسلم التزام قيم الصدق والحق والعدل في شؤونه كلها    خطيب المسجد الحرام: أعظم مأمور هو توحيد الله تعالى وأعظم منهي هو الشرك بالله    محافظ حفرالباطن يرأس المجلس المحلي    محمد القشعمي: أنا لستُ مقاول كتابة.. ويوم الأحد لا أردّ على أحد    حصّن نفسك..ارتفاع ضغط الدم يهدد بالعمى    احمِ قلبك ب 3 أكوب من القهوة    احذر «النرجسي».. يؤذيك وقد يدمر حياتك    قراءة في الخطاب الملكي    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقاومة في "المثلث السني"... ووثائق النظام السابق مختلطة بحياة البغداديين . تواقيع علي الكيماوي على وثائق الابادة ... و400 مليون مستند للدراسة والتفكير والبيع 4 من 5
نشر في الحياة يوم 13 - 11 - 2003

نتناول في هذه الحلقة من تحقيقات بغداد مسألة الوثائق التي خلفها النظام السابق والتي يبلغ عددها نحو 400 مليون وثيقة من الممكن أن تشكل ذاكرة ومادة للمصالحة والمكاشفة في أيدي المجتمع العراقي، لكن هذه الوثائق يمكن أن تشكل أيضاً مادة لحرب أهلية اذا ما حولتها الغوغاء الى وثائق إدانة عامة.
يحتاج العراق من دون شك الى قراءة مختلفة لما حل فيه في السنوات البعثية الثلاثين. يحتاج العراقيون الى معرفة ما جرى، فهذا يساعدهم على تجاوزه، ولكنه ايضاً يساعد على تفادي الميول الاتهامية والاستئصالية الكبرى المتفشية اليوم من دون ان يعلن ذلك. الحاجة الى تحديد المسؤوليات وتوزيعها متفاوتة بقدر من الحكمة يؤدي حكماً الى تفادي استئناف حرب اهلية يشعر زائر بغداد انها ما زالت تشتغل الى اليوم. فالبيوت العراقية عامرة اليوم بالحكايات المتبادلة عما جرى، وهذه الحكايات اذا ما اتيح لها ان تخرج من البيوت لكي تصبح الشوارع مسرح تصادمها فهي لقسوتها وشدتها لن تجد الا الرصاص لغة مشتركة. والأشهر الثمانية المنقضية على انفلاش هذه الحكايات في الشوارع والأزقة وفي المدن المضطهدة تؤشر الى صحة المخاوف. فالعمليات الانتقامية العمياء ليست في صدر الخبر العراقي ولا في متنه، ولكنها جارية وان على مستوى فردي وامني ضيق، والوثائق التي في حوزة منظمات امنية واهلية وطائفية والتي نهبت من مراكز الأمن والاستخبارات استعملت في عمليات انتقامية ما زالت فردية ولكن احتمال توسعها امر قائم، وهي بدأت تنتج احتقاناً سياسياً وطائفياً ضاعف من تعقيدات الوضع في العراق، وربما كان ما اورده الشيخ عبد السلام الكبيسي ل"الحياة" لجهة تعرض عدد من رجال الدين في بغداد والبصرة لعمليات تصفية وخطف، وتعرض عدد من المساجد للاحتلال، نتيجة اولى مرشحة للتوسع والانتشار. ففي هذا البلد يحتاج كل شيء تقريباً الى اعادة تحديد وتقويم. الأملاك العامة والخاصة، وسجلات النفوس، ومن الميت ومن على قيد الحياة، ومن قتل من، ومن البريء ومن المتهم. ثمة مساجد مثلاً قامت طوائف اخرى باحتلالها مدعية انها انتزعت منها خلال حكم البعث، فأين الدليل على ذلك. وهناك من يقول ان هذه المزرعة كانت لعائلته وصادرها النظام السابق وقد قام فعلاً عدد من المسؤولين العراقيين الجدد باقتطاع املاك عامة مدعين ملكيتها اصلاً، وهذا قبل ان ندخل في قضايا المقابر الجماعية ومخبري الأحياء والأزقة، والمخاتير الذين كانت وظيفتهم ابلاغ العائلة بخبر اعدام احد افرادها، ناهيك عن الضباط والقضاة الموقعين على قرارات الأحكام التي صرت تجد نسخاً عنها في ايدي الجميع.
الحاجة الى تحديد جدول دقيق للمسؤوليات ولتبرئة قاعدة اوسع من المتهمين تعسفاً، حاجة ملحة في العراق. وذاكرة العقود الثلاثة الفائتة موجودة على ما يبدو. فالنظام السابق ترك بيوته وقصوره ودوائره مليئة بالوثائق والأوراق التي يمكن ان تشكل اما مادة لاستئناف الحرب الأهلية او لتجاوزها. واذا ما كان العراقيون عقدوا العزيمة على التصارح والمسامحة، فإن المادة التي خلفها النظام قد توفر لهم فرصة لم تتح لغيرهم من الشعوب التي مرت بأزمات وحروب اهلية عادت وتجددت بفعل قصر التجربة على صورة واحدة. هذه الوثائق وبحسب مطلعين على قسم منها لن تبرئ مجموعة بكاملها، كما انها لن تدين اخرى، فالتداخل بين المتورطين والضحايا كبير، ورسم الحدود بين الفئات قد يكون مهمة في غاية الدقة والتعقيد.
يؤكد المهتمون بمتابعة مصير وثائق النظام العراقي السابق وجود نحو 400 مليون وثيقة خلفها هذا النظام قبل اندحاره. وتتفاوت نوعية هذه الوثائق من حيث الأهمية بدءاً من المستوى الأعلى اي تلك المتعلقة برئاسة الجمهورية والاستخبارات العسكرية والاستخبارات ومديرية الأمن العام، ثم الوثائق الحزبية المرتبطة بحزب البعث الذي كان دولة رديفة له اجهزته الأمنية والسياسية التي خلفت وثائق وقرارات، ثم الوثائق المستقلة المتعلقة بعمل الوزارات والادارات. ويؤكد هؤلاء المهتمون ان نحو 80 في المئة من هذه الوثائق هي اليوم في حوزة قوات التحالف التي انشأت هيئة امنية استخباراتية مشكلة من مجموع الأطراف الاستخباراتية في اجهزتها واطلقت عليها اسم ISG او مجموعة استعراض العراق، ومهمة هذه الهيئة البحث في هذه الوثائق عن معلومات يمكن ان توظف لأهداف عسكرية او امنية او سياسية تتعلق بقوات التحالف، وفي مكافحة الأعمال العسكرية وكشف شبكات النظام السابق وارتباطاته وخططه، ولن يكون عمل هذه الهيئة بحكم تكوينها مرتبط بما قد تشكله هذه الوثائق من قاعدة معلومات قد تحدد للعراقيين مادة تفكير في المستقبل.
اما المتبقي من هذه الوثائق فهي في حوزة اطراف عراقية بعضها حزبي وطائفي، وبعضها انساني وثمة جزء مهم منها في يد عدد من المتاجرين بها خصوصاً تلك الوثائق التي وصل الكثير منها الى وسائل الاعلام التي دفعت ثمنها لوسطاء عراقيين، وهي تشمل اضافة الى اللوائح والوثائق الأمنية والسياسية، اشرطة فيديو وصوراً وأغراضاً عينية ودلائل حسية ومعنوية.
ويبدو ان قوات التحالف عادت والتفت على اطراف حزبية او اهلية تملك وثائق، وذلك عبر تمويلها مشاريع هذه الهيئات المتعلقة بهذه الوثائق على ان تزاوج الفائدة منها وتدخلها في عملية المسح الأمني لهذه الوثائق. وعلمت "الحياة" ان اطرافاً اميركية دخلت في الفترة الأخيرة على خط المنافسة على حيازة هذه الوثائق منها مكتب حقوق الانسان والعدالة الانتقالية التابع لسلطة الأئتلاف، الذي عرض على مؤسسة الذاكرة العراقية شراء منهجية العمل في هذه الوثائق، مستفيداً من كونه مؤسسة اميركية ويمكنها بالتالي ان تكون اقرب الى قوات التحالف من مؤسسة الذاكرة العراقية التي كانت من اولى الجهات المهتمة بالعمل على هذه الوثائق. ويبدو ان الادارة الأميركية في العراق تميل الى التعاون مع جهات اميركية على رغم الاتفاق المبدئي على التعاون مع مؤسسة الذاكرة العراقية. ومن المؤشرات التي يمكن رصدها في هذا الخصوص اعاقة حضور ممثل لهذه المؤسسة الى مؤتمر مدريد للدول المانحة، على رغم حصول اتفاق مسبق على حضوره. ويعيد مسؤولون قريبون من الادارة المدنية الأميركية هذا الأرباك في التعامل مع مؤسسة الذاكرة الى ان وزارة الدفاع الأميركية هي التي قررت قبل الحرب توزيع الأدوار في موضوع الوثائق ولكنها تخلفت عن تنفيذ قراراتها مما خلق فراغاً تحاول الآن ملأه مؤسسات اميركية لا تملك خبرات في هذا المجال. وهذا الفراغ هو الذي ادى الى توسيع صلاحيات مكتب حقوق الانسان في سلطة الائتلاف وبالتالي دخوله على خط المنافسة على الوثائق، وشروعه بدعم مشاريع محلية بهدف منافسة مؤسسة الذاكرة عراقياً. ويؤكد المسؤولون ان العمل في الوثائق العراقية حاز على موازنة تقدر بنحو 15 مليون دولار، وبالتالي فإن تسليم هذا الملف الى مؤسسة عراقية يعني ان هذه الموازنة ستكون في تصرفها، في حين ان ما يجري في بغداد هذه الأيام انما يجري وفق معادلة اخرى تتمثل في ان اميركيين يتنافسون على اموال اميركية في العراق.
اسماء كثيرة لمؤسسات انسانية وثقافية تعمل اليوم في بغداد، ومادة عملها الأساسية هي ارشيف النظام في العراق. لعل الأبرز بين هذه المؤسسات، مؤسسة الذاكرة العراقية التي كانت بدأت عملها في العام 1991، اي بعد حرب الخليج الثانية تماماً، ومادة عملها الأولى في ذلك الوقت كانت نحو 5.3 مليون وثيقة حصلت عليها المؤسسة من الفصائل الكردية، ومن قوات التحالف التي كانت دخلت جزئياً الى مناطق عراقية. ولكن المؤسسة لم تحصل على هذه الوثائق فور طلبها فقد سلمتها قوات التحالف هذه الملفات بعد استنفاد المسح الأمني لها الذي لم يؤت بحسب القيمين على المؤسسة نتائج كبرى، فهذه الوثائق بحسبهم يمكن ان تشكل قاعدة معلوماتية مفيدة بالمعنى الاجتماعي والسياسي لا بالمعنى الأمني. ويأمل القائمون على المؤسسة ان يتكرر اليوم ما حصل في التسعينات لجهة وصول قوات التحالف الى قناعة مفادها ان وثائق النظام هذه لن تتضمن معظمها او كلها معلومات امنية واستخباراتية تقتضي الاحتفاظ بها فتبادر الى تسليمها للعراقيين. ويؤكد الناشطون في هذه المؤسسة ان هدفها في النهاية ليس التقرير عن المجتمع العراقي وانما تشكيل الأدوات التي تسمح له عبر الحكومة المنتخبة ان يقرر الوسيلة التي سيتجاوز من خلالها المحنة التي عاشها، اي ان مهمة المؤسسة تمكينية وليست تنفيذية، وان تكون مصدراً من مصادر الاستفادة في مناهج التعليم في المدارس العراقية، كما ستكون المادة في متناول الباحثين والفنانين والكتاب.
ثمة مؤسسات انسانية اخرى تتصدى للعمل في وثائق الدولة العراقية واجهزتها، وتختلف هذه المؤسسات او الهيئات في اهدافها ومنهجية عملها. جمعية السجناء الأحرار واحدة من هذه المؤسسات، ويحاول القائمون على هذه المؤسسة استخراج اسماء الأشخاص الذين صدرت في حقهم احكام اعدام او سجن وتبويبها، وذلك من خلال الوثائق التي حصل عليها اعضاء الجمعية ومعظمهم سجناء سابقون. وحصلت هذه الجمعية على مساعدات مالية من الادارة المدنية الأميركية كان آخرها مساعدة بقيمة مئة ألف دولار.
تصل يومياً الى مركز الجمعية مئات من اهالي المفقودين ليبحثوا في السجلات عن اسماء ابنائهم. ويبدو من آلية العمل ان امكان وصول الأهالي الى محاضر الاعدامات امر قائم، ومتاح لهم ايضاً الاطلاع على كامل الملف المتعلق بابنهم في حال وجد. ومركز المؤسسة في بغداد تحول بفعل تقاطر المراجعين الى المكان الذي يعلن فيه الأهل الذين فقدوا ابنهم وفاته بعد ان يعثروا على اسمه. فعلى الجدار الخارجي للمبنى اوراق نعي متأخر لآلاف العراقيين والعراقيات استنسخت على عجل وتضمنت صورة المفقود وتاريخ فقده واحياناً اسبابها. نساء واطفال من بين المفقودين الذين اعلنوا اهلهم وفاتهم، ومن بين المعلقة صورهم على الجدار نساء غير محجبات ورجال دين.
لكن الأرشيف العراقي في ايدٍ اخرى ايضاً. مجموعات عدة وضعت يدها على كميات من هذا الأرشيف وبدأت بالتصرف بها على نحو مختلف. في منطقة الكاظم في بغداد عدد من هؤلاء الذين يطلقون على انفسهم اسماء مختلفة حولوا منازلهم الى مراكز انشطة خاصة. من الصعب الحكم على عمل هذه المجموعات ولكن الأكيد ان ثمة فروقات بين اهدافها المعلنة وانشطتها الفعلية. واضافة الى هؤلاء هناك روابط محلية وضعت يدها على سجلات وراحت تعمل. الرابطة الانسانية في منطقة الكاظم يقول المسؤولون فيها ان في حوزتهم نحو عشرة ملايين وثيقة، وان العدد الأكبر منها تم تخليصه من النيران اثناء احتراقها في قبو في الأسواق المركزية القريبة من حي المنصور في بغداد. الوثائق مركونة في شكل مرتجل، وموضبة في صناديق من المرجح ان تكون هي نفسها الصناديق التي وضبتها بها الاستخبارات العراقية، ولا يبدو ان هذه الوثائق بصدد ان تستعمل في اي مشروع. فالمنزل صغير ومصدع وخطر تسرب الرطوبة والمياه قائم. لكن اهل الدار يتعاملون مع هذه المادة كأملاك خاصة على من يريد الاستفادة منها ان يأخذ ذلك في الاعتبار. ويقول مسؤول الجمعية الشيخ عماد الدين الهادي: "لدينا وثائق كثيرة واشرطة فيديو صورت عليها جرائم ارتكبها عناصر ومسؤولون من النظام. ولدينا وثائق الأمن القومي وهي احكام اعدام وسجن والكثير منها موقعة من قبل صدام حسين". ومن الوثائق التي اخرجها الشيخ من درجه ليقدمها كنموذج على ما في حوزته، احكام اصدرتها محاكم عسكرية عراقية خلال فترة احتلال الجيش العراقي للكويت تقضي بمصادرة اموال واملاك العائلة الكويتية الحاكمة، وهي احكام تفصيلية بالأسماء والأعمار وشملت اسماء كثير من افراد عائلة الصباح. وجميع هذه الأحكام تبدأ بعبارة "استناداً الى الفقرة أ من المادة الثانية والأربعين من الدستور، قرر مجلس قيادة الثورة ما يأتي: ...". ورداً على سؤال عن اهداف الرابطة يقول الشيخ انه يقدم الخدمات لأهالي الشهداء والمعدومين عبر ايجاد فرص عمل لهم، وعبر مطالبة قوات الائتلاف ومجلس الحكم بالتعويضات. ويشير الى ان لديه في الكومبيوتر اسماء 20 ألف سجين تم اعدامهم واسماء المدفونين في المقابر الجماعية في منطقة المسيب. واخرج الشيخ من درجه ايضاً اغراضاً واوراقاً وجدت في هذه المقابر تم من خلالها التعرف على هوية عدد من المدفونين.
ولكن العمل في الملفات مختلف عن العمل في المقابر الجماعية، اذ لم يجر مثلاً بحث عن اثر للأسماء التي عثر عليها في المقابر في ملفات الاستخبارات العراقية، فهذا الأمر يحتاج الى امكانات ليست في حوزة هذه الجمعيات. ويبدو ان منطق توزع الأسماء والملفات على مراكز الأمن لم يجد طريقاً كي يربط في مواقع المقابر الجماعية. فهل يعني وجود اسم معدوم محدد في مركز استخبارات الحلة وجود جثته في مقبرة جماعية قرب الحلة. الأمر يتطلب مقارنات ومتابعات مختلفة خصوصاً ان قرارات الاعدام لا تتضمن مكان دفن الجثة لا سيما قرارات الاعدام الجماعية. ولا يبدو ايضاً ان جهداً يبذل لأبعد من مهمة البحث في الأسماء او الاحتفاظ بوثائق مغرية من نوع اشرطة الفيديو التي يبدو ان المؤسسات التلفزيونية وخصوصاً العربية منها تتنافس على شرائها بمبالغ مغرية بالنسبة لهؤلاء.
الصحافية الفرنسية التي استغربت امتناع الشيخ عن عرض ما في حوزته خصوصاً عندما قال لها انه يحتفظ بالجزء الأكبر منها في منزل خارج بغداد لم يفصح عن موقعه، راحت تقول ان هذه الوثائق املاك عامة ولا يجوز اخفاءها. امتعض الشيخ من اصرارها وقال: "ان في هذه الوثائق اسراراً تتعلق في اعراض الناس وسمعتهم، فالأشرطة المصورة تحتوي على صور لبنات وهن يُغتصبن والوثائق فيها متورطون لا نحب ان نكشف اسماءهم". الشيخ بدا وكأنه يعرض ما في حوزته، خصوصاً عندما عبر عن ضيقه من الصحافيين الذين "يتكلمون كثيراً ولا ينفذون ما يقولون".
ويتحدث خبراء الوثائق في بغداد عن عمليات تزوير كبيرة تحصل في العراق لهذه الوثائق خصوصاً ان عدداً كبيراً من الأوراق البيض الخاصة بالأجهزة الأمنية المختلفة تمت سرقتها وانتشرت في ايدي العشرات، وتزوير هذه الأوراق جار على قدم وساق، وتم أخيراً الكشف عن عدد من الأوراق المزورة لأهداف عدة منها البيع وتشريع الأنتقام. ولكن عمليات التزوير يمكن كشفها من قبل الخبراء، فالوثائق الحقيقية تحتوي ارقاماً وتواقيع والتواريخ يمكن ان تكشف اسماء المناوبين من الضباط والمسؤولين، وللمراسلات بين الأفرع الأمنية منطق ولغة خاصتين.
يقول الناشطون في مؤسسة الذاكرة العراقية ان الوثائق المتوافرة تحتوي على مادة يمكن ان تشكل مادة مسامحة على قدر ما يمكن ان تشكل مادة ادانة للكثير من المسؤولين في النظام، ويعطون امثلة على ذلك من الوثائق التي حصلوا عليها في التسعينات والمتعلقة بالمناطق الكردية وتحديداً مناطق دهوك واربيل والسليمانية، فالاجرام تحول الى عمل مؤسساتي في هذه الحالة ويمكن الخلوص الى ذلك من خلال رصد عملية الأنفال التي جمع فيها اهل القرى في مجمعات مدينية اشبه بمراكز الاعتقال. القرى التي استؤصل منها سكانها تحولت الى مناطق امنية محظورة. انه التصنيف العسكري العراقي لهذه المناطق. ولكن السكان ظلوا مرتبطين بقراهم، بعضهم حاول الرجوع وآخرون عادوا بهدف زيارة القبور مثلاً او الاطمئنان على مزارعهم. اعدم جميع من حاول العودة الى قراه مهما كانت اسباب العودة. كانت سياسة الاعدام الفوري سياسة رسمية ونظامية صادرة بقرارات وتم تنفيذها مراراً وتكراراً بحق مجموعات بكاملها. وهي اعمال تم الآن توثيقها. وطبعاً تضمنت الوثائق ان عودة هؤلاء هي بمثابة مقاومة او تمرد، ولكن من الواضح وبعد التدقيق بالأسماء والتهم ان هؤلاء لا ينتمون الى اي جهة وانهم مجرد عائدين الى قراهم.
وفي المقابل هناك اشارات من نوع آخر يمكن ان تستخلص من الوثائق وتتمثل في ميل الى التستر على متهمين، وهذه الميول غالباً ما نجدها في الوحدات الأمنية المحلية. فمثلاً عندما تثبت تهمة الانتماء الى "زمرة عملاء ايران" او "سليل الخيانة" او غيرها من التهم على شخص ما، العقاب لا يقتصر عليه اذ ترسل مديرية المخابرات او غيرها الى دوائرها المحلية للتحري عن عائلته واشقائه، وغالباً ما لاحظ العاملون في الوثائق ان اجوبة الكتب الاستفسارية والأمنية هذه تكون في اتجاه تبرئة عائلة المدان من فعلته وحصرها به. ففي وقت تتأكد من خلال الوثائق حقيقة تضمن النصوص القانونية والرسمية للعقاب الجماعي في شكل واضح وصريح، يمكننا ان نجد وفي الدوائر التنفيذية الأدنى محاولات للتخفيف منها ولحرفها في اتجاه تخفيف الخسائر. وفي هذا السياق يمكن ادراج انواع اخرى من الوثائق بهدف توسيع دائرة البراءة من النظام. ففي مديريات المخابرات العراقية ملفات موظفي الدولة العراقية جميعهم، وهي تضم تعهدات موقعة من كل مواطن عراقي تقدم بطلب وظيفة، وهذه التعهدات التي ما كانوا ليحوزوا وظيفة من دون توقيعهم عليها يقرون فيها بالابلاغ عن اي شيء يخل بالنظام واي عمل معاد له وذلك تحت طائلة اعتبارهم شركاء فيه في حال تخلفهم عن ذلك. وهذه التعهدات التي يمكن مطابقتها مع اسماء المخبرين الذين تضمهم وثائق اخرى، وهو ما حصل على ما يبدو فظهرت نتائج مبدئية قد تساعد على تفهم اوضاع موقعي هذه التعهدات والعاملين بموجبها.
والعمل على تحديد سلم للمسؤوليات مسألة تتيحها الوثائق بالأسماء والأرقام خصوصاً ان الحكايات جميعها تتقاطع عند اسماء بعينها. ويتحدث العاملون في هذه الوثائق عن تكرر اسم علي حسن المجيد في معظم وثائق المأساة العراقية سواء في العقابات الجماعية او الفردية، فقد مثل هذا الرجل بحسب الوثائق اقصى القمعية والاجرامية، فهو كان ممثل مجلس قيادة الثورة في السلطة التنفيذية، وانيطت به جميع الصلاحيات التنفيذية والادارية والعسكرية، وقراراته لا عودة عنها. جميع قرارات الاعدام الجماعي التي نفذت في الشمال حملت توقيعه، وكذلك الأمر بالنسبة لقرارات اعدام فردية لمواطنين عاديين. ففي ملف تضمن قضية عائلة كردية في الشمال سرد لتفاصيل عقاب تعرضت له هذه العائلة على الشكل الآتي: في العام 1988 اصدر صدام حسين عفواً عن المتخلفين عن الخدمة العسكرية في شمال العراق، وعندما وصل الخبر الى المواطن الكردي احمد حمه خان علق امام احد معارفه بأن صدام ما كان ليصدره لولا الضغوط التي مارسها عليه جلال طالباني. وصل خبر هذا الرجل الى الاستخبارات التي اعتقلته وابلغت تفاصيل ما قاله الى علي حسن المجيد الذي ارسل امراً مكتوباً بقطع رأسه وتدمير منزله وحجز كامل اسرته. وضم الملف ورقة اخرى كتبت بعد سنة ونصف على قرارات المجيد المتعلقة بهذه العائلة، والورقة عبارة عن رسالة من الاستخبارات الى علي حسن المجيد يبلغونه فيها انه لم يعطهم التعليمات المتعلقة بمدة حجز هذه العائلة.
قاعدة المعلومات التي يمكن ان توفرها هذه الوثائق تتيح كتابة وقراءة مختلفة للمأساة العراقية، اذ يبدو ان الكثير من الملفات متضمن تفاصيل يمكن عبرها اولاً الكشف عن آلية عمل شبه عامة كانت آلة الاضطهاد تشتغل بموجبها، وثانياً تتيح رصد منطق القسوة الخاص ومقارنته بأنواع اخرى شهدتها المجتمعات البعيدة والقريبة. ومن دون الوقوع في فخ الادانة الجماعية يمكن لهذه الملفات طبعاً ان تشكل بيانات ادانة تقدم لمحاكم عراقية تنظر في جرائم النظام السابق، خصوصاً ان مسؤولين فيه هم اليوم قيد الاعتقال ومن الممكن محاكمتهم.
غداً حلقة خامسة أخيرة، عن وقائع العيش اليومي في بغداد.
محضرا اعدامات جماعية وفردية
مديرية أمن محافظة السليمانية
26/5/1988
محضر تنفيذ حكم الاعدام
تنفيذاً لقرار قيادة مكتب تنظيم الشمال الموقر، الرقم 4008 في 20/6/987 ولثبوت تواجد المتهمين المدرجة أسمائهم الكاملة أدناه، عند القاء القبض عليهم في المناطق المحذورة أمنياً، وحيث تنطبق عليهم التوجيهات الصادرة من قيادة مكتب تنظيم الشمال الموقر، فقد تم صباح يوم 26/5/1988 تنفيذ حكم الاعدام بحقهم رمياً بالرصاص، بعد أن تم مطابقة أسمائهم مع الاضابير الخاصة بهم من قبلنا وعددهم عشرة متهمين فقط، عليه ختم المحضر ووقع من قبل اللجنة في 26/5/1988.
نقيب الأمن فاضل محسن علي نقيب الامن ثابت خضر عباس رائد الأمن رحيم ريشان عبود رائد الأمن ابراهيم محمد عطوان
الأسماء
1- رسول أحمد حجه أمين الجاف 2- سرور علي صابر حسن السوراني 3- عبدالله علي صابر حسن السوراني 4- محمد علي كريم فتاح الكوراني 5- جبار عارف لطيف حسين البرزنجي 6- ظاهر محمد شيخة عبدالله البرزنجي 7- رضا أحمد غفور زوراب السوراني 8- كامل عمر نجم محمد الشواني 9- عماد محمد عبدالكريم صالح قلاسوكه 10 ميكائىل محمد ياسين أحمد الشواني
"عشرة متهمين فقط"
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد المدير المحترم
ت/12/12/1989م
تحية وتقدير: / / /1410ه
هامش سيادتكم المسطر على أصل طلب المواطن صديق أحمد طه خان المرفق على اليمين، نوضح لسيادتكم ما يلي: بتاريخ 12/9/1988 أرسلت الينا قيادة فرع السليمانية للحزب القائد المتهم جمال أحمد طه خان وذلك لتهجمه على شخص السيد الرئىس القائد "حفظه اللّه ورعاه" وتشكيكه بقرار مجلس قيادة الثورة الموقر الصادر بتاريخ 6/9/1988 المتضمن العفو العام والشامل عن أبناء منطقة الحكم الذاتي بقوله مجبور صدام حسين اعطى العفو وأن العفو جاء بقوة مام جلال طالباني.
ثم عرض موضوعه الى انظار الرفيق المناضل علي حسن المجيد عضو القيادة القطرية المحترم الذي أمر بقطع رأسه وهدم داره وحجز عائلته وتم تنفيذ ذلك. علماً بأنه لا توجد مده محدده لفترة الحجز.
راجين التفضل بالاطلاع وتنسيبكم... مع التقدير.
الحجز 6 أشهر
يطلق سراحهم
بيرق بذلك الى الشرطة 12/12
ونقيب الأمن ضابط التحقيق 12/12/1989


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.