يسلم رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد 77 عاماً اليوم مقاليد الحكم الى نائبه عبدالله بدوي، وكان ألقى امس خطابه الأخير كرئيس للوزراء في مأدبة افطار اقامها التنظيم الوطني للماليزيين المتحدين. حكم مهاتير بلاده لأكثر من عقدين حوّل فيهما بلداً مصدراً للمطاط والتنك الى نمر اقتصادي آسيوي. ولد في العام 1925 دخل الى عالم السياسة من خلال حزب التنظيم الوطني للماليزيين المتحدين اومنو لدى تأسيسه عام 1946. درس الطب في جامعة مالايا في سنغافورة وفتح عيادة خاصة في بلدته عام 1957 بعد عام على زواجه من طبيبة تدعى حمسا وأنجبا خمسة اولاد. انتخب مهاتير عام 1964 نائباً في البرلمان الماليزي، لكنه خسر منصبه وطرد من حزب "اومنو" غداة انتقاده رئيس الوزراء تونكو عبد الرحمن في رسالة مفتوحة اتهمه فيها بإهمال سكان الملايو الاصليين الذين يشكلون 60 في المئة. وأصدر مهاتير بعد خروجه من الحزب كتاب "معضلة المالاي" متهماً الاستعمار بتهميش السكان الاصليين. ولم يوفر مهاتير ابناء الملايو من انتقاداته اذ وبّخهم لقبولهم بوضعهم كمجموعة سكانية من الدرجة الثانية. ولاقى كتابه رواجاً لدى الشباب في حزب "اومنو" فدعوه للعودة الى الحزب. وغداة عودته، انتخب نائباً في العام 1974 وعُين وزيراً للتعليم. وشغر بعد اربع سنوات منصب نائب زعيم "اومنو"، ما افسح المجال ليصبح رئيساً للوزراء في العام 1981. وغداة تسلمه السلطة، بدأ مهاتير بتطبيق افكاره التي ناضل من اجلها، ما سمح له بتحويل ماليزيا الى احد النمور الاقتصادية الآسيوية السبعة، وبادر في خطاباته الى التمسك بالقيم الآسيوية وتوجيه انتقادات حادة الى ما وصفه ب"المعايير المزدوجة" للغرب، الامر الذي كان له صدى واسع لدى الدول النامية. ونفذ مهاتير مشاريع ضخمة لتعميق الاحساس والفخر الوطني في البلاد، كان من بينها اطول مبنى في العالم والمدينة الالكترونية "مالتيميديا سوبر كوريدور" المنسوخة عن وادي السيليكون في الولاياتالمتحدة. وألقى بعض منتقدي مهاتير باللوم على المشاريع الخيالية لرئيس الوزراء السابق في تنامي الدين الضخم في البلاد. ويذكر ان ماليزيا شهدت اسوأ ازمة اقتصادية في تاريخها الحديث عام 1997 والتي شملت معظم الدول الصناعية الآسيوية عدا العملاق الصيني. لكن مهاتير اتهم تجار العملات الصعبة ومن بينهم البليونير الاميركي جورج سوروس بالاشتراك في "مؤامرة يهودية عالمية" ضد بلاده. وتمكن مهاتير من انتشال بلاده من الازمة الاقتصادية بتثبيت العملة الوطنية مخالفاً تعليمات صندوق النقد الدولي. وعلى صعيد المنافسة السياسية، لم يتعايش مهاتير مع المعارضة التي لقيها داخل حزبه الحاكم. وشن في العام 1987 حملة اعتقالات طاولت العديد من منتقديه في اطار قانون الامن الداخلي المثير للجدل. وطرد في العام 1993 مجموعة من القضاة بسبب تدخلهم في شؤون الدولة، الامر الذي اعتبره بعض المراقبين تكريساً لنهجه المناهض للديموقراطية الغربية. وفي العام 1993، قلص مهاتير من صلاحيات العائلة المالكة التي بات دورها رمزياً. وجاء اعتقال ومحاكمة انور ابراهيم النائب السابق لمهاتير بتهم الفساد والشذوذ الجنسي عام 1998 ليشكل قمة القمع المهاتيري لأي محاولة تهدد سلطته. وتمكن مهاتير من خلق طبقة وسطى ومجموعة من الاثرياء من المالايين، وذلك من خلال نفوذ الحكومة وسياساتها في "التمييز الايجابي" في التوظيف. لكن الاقلية الصينية في البلاد لا تزال تتمع بنفوذ اقتصادي قوي في البلاد، الامر الذي دفع مهاتير اخيراً الى الاعراب عن اسفه بسبب فشله في تطوير عرقه المالاي الى عرق ناجح وجدير بالاحترام. وغداة هجمات 11 ايلول سبتمبر على الولاياتالمتحدة، منح مهاتير واشنطن دعمه وتعاونه الكاملين في الحرب على الارهاب. واستخدمت حكومة مهاتير قانون الامن الداخلي لتبرير اعتقال عشرات الاسلاميين من دون محاكمة. لكن تعاطف مهاتير العلني على الاقل مع الحرب على الارهاب لم يدم، خصوصاً غداة تعرضه لتفتيش دقيق في الولاياتالمتحدة اعتبره نتيجة ل"الهستيريا الاميركية المعادية للمسلمين" التي جعلته يبدو كارهابي. وشكل مهاتير في العامين الماضيين صوتاً معارضاً للسياسات الاميركية في العالم الاسلامي ورأى انها ستتحول الى حملة شاملة ضد العالم النامي، ولا تزال انتقاداته الأخيرة للحضور اليهودي في الإعلام العالمي تثير صخباً بين احتجاج وتأييد. "السيد اللطيف" عبد الله بدوي 62 عاماً نائب الرئيس الماليزي الذي يتولى اليوم رئاسة الوزراء معروف بلقب "السيد اللطيف"، لكن كثيرين يرون ان هذه الصورة لن تدوم طويلاً غداة تسلمه مقاليد الحكم. وُلد بدوي في عائلة متنفذة في ولاية بينانغ الشمالية. وكان والده من مؤسسي حزب التنظيم الوطني للماليزيين المتحدين اومنو الذي تمكن من نزع استقلال البلاد من الاستعمار البريطاني، ولا يزال يحكم البلاد حتى اليوم. ودخل بدوي غداة حصوله على إجازة في الدراسات الاسلامية وعمله لفترة في الخدمة المدنية، العمل السياسي اثر مقتل والده. وانتُخب في العام 1978 نائباً في البرلمان كيبالا باتاس في ولاية بينانغ شمال. وصعد بدوي بسرعة الى واجهة العمل السياسي وزيراً للتعليم ثم للدفاع قبل تعيينه وزيراً للخارجية في العام 1991. وفي العام 1999، عُين نائباً لرئيس الوزراء خلفاً لانور ابراهيم. ويشك المحللون في امكان ان يبقى بدوي معتدلاً، لكنه سيواجه العديد من تحديات قيادة "اومنو". كما سيكون عليه مواجهة الفراغ الناتج من غياب مهاتير الذي يحظى باحترام كبير لدى عموم الشعب الماليزي.