في زمن يتواصل فيه عالمي الأنس والجان، وقعت أميرة الجان رندا أسمر في غرام أمير بشريّ كارلوس عازار، واستوت امرأة تتلوى من الرغبة. وبعدما تحولت الى جارية، سلبت الأميرة قلب حبيبها البشري بجسدها المتمايل وبحركة يديها الفرعونية. وحملت العرافة جاهدة وهبي، بلغة تستعيد رباعيات عمر الخيام وتستلهمها، أنباء عالمي الجن والأنس وشجونهما بصوت رخيم وجميل ومتعدد النبرات. وارتفع صوت العرافة بانسياب عذب وتنقل بين أوتار الحنجرة المختلفة. فخففت رباعيات الخيام من ضعف حوار العشق المصطنع بين الأمير والجارية - الأميرة. وملأ الراقصون والراقصات خواء المسرح الخالي إلا من مربع أحمر اللون. والتصقت أجساد الراقصين بأجساد الراقصات مشكلة تمثالاً بوذياً متعدد الأيدي وضخم الجسد. وقد صمم اللوحات الراقصة الفنان جهاد الأندري برهافة عينه وعمق مخيّلته. وتحت أضواء خافتة ومظلمة، بانت عفاريت العالم السفلي وخطفت الأميرة وأودعتها السجن. ورقص "العفاريت" رقصاً حديثاً متخففاً من التراث الفولكلوري، وأعطوا نفحة هوائية الى أعضاء الجسم، البارزة في ملابس لصيقة بالجسد وبلون الضباب، وقد انتفضت، وتمددت وانكمشت وفقاً لايقاع الموسيقى. ولحق الأمير بمحبوبته الى العالم السفلي، كما فعل "أورفيه" في فيلم الشاعر الفرنسي جان كوكتو، ووجد حتفه على يد ملك الظلمات. وفي خاتمة تقليدية، سعت الأميرة الى الموت لتجتمع روحها بروح أميرها. وعلى وقع الدف، رثى الراقصون الأميرة بملابس تجمع الحشمة الى نقيضها. وعلى رغم نجاحها، بقيت اللوحات الراقصة منفصلة عن سياق الحكاية، ولم ينجح المخرج جبار حسن في ادراج الرقص والغناء والحوار في حبكة متماسكة ونسيج مشهدي متين. واختتمت العرافة الحكاية بحكمة الخيام وشعره: "أولى بهذا القلب أن يخفقا/ وفي ضرام الحب أن يحرقا". غير أن "أيام رباعيات الخيام" يظلّ عرضاً جميلاً على رغم بعض الملاحظات التي قد يسجلها المشاهد والمستمع. فالعرض بدا أشبه بعالم "ألف ليلة وليلة" بجوّه السحري والغناء البديع الذي تألقت به جاهدة وهبي وبأداء الممثلين القديرين وفي مقدمهم رندا الأسمر وغبريال يمين. ويجب عدم نسيان شعر عمر الخيام الذي يشكّل مرجعاً جمالياً، بكلماته الرنانة وصوره والمناخات الوجدانية والغنائية التي يتمتع بها. فهذا الشاعر الفارسي ما زال قادراً على إدهاش القراء على رغم مرور الأعوام الطويلة على رحيله، وكيف إذا غنّى شعر الخيام صوت جميل ورافقته ألحان بهية؟ قدم العرض على مسرح قصر الأونيسكو والانتاج لمؤسسة مهرجانات بعلبك.