اتصلت بي الزميلة شدا عمر لأشارك في برنامجها التلفزيوني الأحد الماضي وكان عن المحافظين الجدد. وشدا عزيزة عليّ، فأنا أسمع عنها باستمرار أخباراً طيبة، ثم ان برنامج "الحدث" من عمر التوأمة الأخبارية بين "الحياة" والفضائية اللبنانية LBC. مع ذلك اعتذرت، فأنا أعرف ان LBC منتشرة الا انني قدرت ان ليس لها استوديو في نيراغازا، من أعمال هنغاريا، قرب الحدود مع روسيا. كنت مع أصدقاء نصطاد طائر "القزانت" والأرانب، وأعتقد ان شدا انقذت ستة طيور على الأقل، فأنا لا أخطئ، والمكالمة شغلتني عن الصيد، فيما كنت أشرح للزميلة أنني خارج نطاق الخدمة. لا بد أن يكون هناك برنامج آخر عن المحافظين الجدد، وأرجو أن أشارك فيه، لأنني أحب أن أبدي رأيي في سياساتهم، وما ألحقوا من أذى بالعرب والمسلمين، وما بنوا من جبال الكذب لتنفيذ هذه السياسات. والمرة القادمة لن أكون في هنغاريا، فالصيد بضعة أيام فقط في آخر هذا الشهر من كل سنة. وأريد ان أكمل بقصص من هنا وهناك بعد عودتي الى لندن: اعترف بأنني أفضل هنغاريا عندما كانت شيوعية، مع انني بورجوازي صغير جداً طيلة عمري، وطموحي ان أصبح بورجوازياً كبيراً. والسبب الأول هو الغلاء، فعندما كنا نصطاد في السبعينات والثمانينات كانت الرحلة كلها تكلف ألفي دولار أو ثلاثة آلاف، واليوم يكلف اليوم الواحد أكثر من ذلك. ومجموع ما ندفع اليوم يكفي لاثارة اهتمام مصلحة الضرائب. والسبب الثاني ان البلاد كانت طبيعية أكثر في تلك الأيام، أما الآن فأنا أزور نسخة محدودة من أوروبا الغربية أو أميركا، ولا أعتبر مطعم "ماكدونالدز" أو متجر "الجينز" من نوع "ليفايز" دليل تقدم البتة. وثمة أسباب أخرى ليست للنشر، الا ان السبب الأخير هو السبب الأول، أي الغلاء، فرحلة صيد لا تستحق أن يأخذ الواحد منا قرضاً ثانياً على بيته من البنك. وكان هناك صديق وعدني بأن أصطاد في ضيافته ثم توقف عن الصيد ليتهرب من وعده. استأجرت في دمشق شقة لابني. ما أعطاني خبرة وتجربة لا تتوافران عادة لصحافي يتعامل مع أصحاب القرار. وكنا رأينا شقة معقولة، في المكان المطلوب، واتفقت مع الوكيل العقاري ان نجتمع مع مالكتها للتفاوض. المالكة كانت حاجّة تجاوزت الستين ترتدي الأسود بالكامل، وتغطي شعرها بدقة، الا انها على رغم مظهرها الوديع فقد فاوضت بشراسة مدير بنك، وعندما كانت تتعب كان ابنها يكمل عنها. ولاحظت اننا في كل مرة نصل الى اتفاق كانت الحاجّة تقول: "اتفقنا، بس بعد فيه شغلة زغيرة". وانتقلنا من أمر صغير الى أصغر منه، وهي في النهاية قالت ان لابنها خزانة ثياب في الشقة، واقترحنا أن يغلقها ويأخذ المفتاح، الا ان الحاجّة طلبت ان نسمح له بزيارة الخزانة بحسب الحاجة لتغيير ثيابه. وقلت لها ان هذا "مسمار جحا" ولم نتفق. وقال لي الوكيل العقاري بعد أن غادرت الحاجة وابنها مكتبه: شفت يا أستاذ لماذا اليهود طلعوا من الشام فقراء. عرّجت ضمن أسفاري على لبنان، وسمعت حديثاً قديماً جديداً عن الاقتصاد "المتردي" ولعله كذلك. أريد اليوم أن أثير نقطة واحدة هي الفساد، فقد سمعت من تكلم وكأن الفساد ظاهرة جديدة، أو أن الحكومة مسؤولة عنه أو الحكم. هما مسؤولان، وأدعو الى القضاء على الفساد من أصله، فالاقتصاد اللبناني من نوع "لا تهزّو واقف عَشْوار"، والفساد يزيد من اهتزازه الا انني أريد أن أروي لقراء ما بعد الحرب الأهلية في لبنان قصة ذات مغزى. عندي صديق اسمه باسم، سيجده القارئ جالساً على شرفة بيته في بيت شباب، كما كان عندما تركته قبل 30 سنة، وأمامه المازات اللبنانية المعروفة، وهو يتفرج على البحر والجبل. عمل باسم معنا في "الحياة" و"الديلي ستار" ثم قرر، وهو من أسرة ميسورة، ان يجرب حظه في التجارة بتأسيس مصنع لانتاج الأشرطة الموسيقية حوّله في منتصف الطريق الى مصنع لألعاب الأطفال البلاستيك بعد أن سرقت حاوية من معدّات المصنع في الميناء. القصة تعود الى أوائل السبعينات وقد دفع باسم رشوة على كل خطوة في الطريق، من أول ورقة، وحتى اكتمال الملف عند أكبر مسؤول على الطريق. وكنا نراجع معه كل يوم ما سميناه "رشوة اليوم". وفكر باسم في حينه ان يكتب كتاباً عن تجربته، الا انه اختار ان يتمتع بالجلوس على شرفة البيت يتفرج على الجبل والبحر. والمغزى يجده القارئ في المثل اللبناني المعروف "كل عمرك يا زبيبة فيك هالعودة". كتبت وأنا مسافر مقالين لمجلتنا "الوسط" وأضعتهما، فالحذر يؤتى من مكمنه. وكنت خفت إذا وضعت المقالين في حقيبة السفر أن تضيع بين مطار وآخر فحملتهما معي باستمرار، ولا أعرف كيف ضاعا، فأنا لم أفقد شيئاً آخر. سأعيد كتابة المقالين فأنا لا أزال أذكر الفكرتين، غير انني كنت بعد الكتابة ألقيت في سلة المهملات ملاحظاتي الشخصية عنهما، وما جمعت من أفكار لهما، فالكتابة دائماً أسهل من الفكرة. والمقالان الجديدان سيختلفان عن المقالين الضائعين، وكنت أتمنى لو أجدهما في المستقبل لأقارن بين كل مقال والمقال اللاحق. أخيراً عندي بريد كثير، وسأرد على بعضه في شكل مباشر، وأنشر ما أعتقد ان له فائدة عامة في هذه الزاوية. غير أنني وجدت بعد أن عدت من السفر ان بريدي الالكتروني راح ضحية "فيروس" فضاع كله بين 12 أو 13 من هذا الشهر وحتى 21 أو 22 منه، وأرجو من أي قارئ راسلني في هذه الفترة أن يعيد ارسال رسالته الالكترونية بعد ان تغلبنا على "الفيروس" الخبيث. خبراء الكومبيوتر قالوا لي ان "الفيروس" هذا جاء على شكل "رسالة حب"، غير انني كنت مسافراً، وبالتالي لم أفتحها، ما يبعد المسؤولية الشخصية عني، فقد كنت سأقع في الفخ لو تحدثت الرسالة عن دواء، أما الحب فقد تجاوزناه الى مرحلة الدفاع عن النفس.