ربما كانت مراكش أجمل مدن الوطن العربي، إلا أنني «وش فقر» ودخلتها وأنا أفكر في كلمة «ازدياد» وتركتها مع كلمة «إركاب». قضيت ثلاثة أيام حول رأس السنة الغربية مع أصدقاء في مراكش. وكنا عشرة رجال وعشر نساء، أزواجاً وزوجات، وأيضاً صديقة الجميع السيدة أميّة اللوزي التي وجدتني يوماً في مؤتمر أتحدث الى شابة حسناء فأنسى اسمها وأتذكر اسم والدتها، واتهمتني أميّة بأنني «وش فقر». كنت أملأ بطاقة دخول المغرب عندما وجدت أن عبارة مكان الإزدياد تعني مكان الولادة. وكنت أغادر مطار مراكش ووجدت أن «إركاب» تعني الصعود الى الطائرة. لا بد أن قراء كثيرين سمعوا بفندق «المأمونية» وهو يستحق شهرته، وقد تعرض لعملية تجديد وتجميل كبرى أخيراً. إلا أن مراكش تضم بضعة عشر فندقاً وجدتها كلها من مستوى «5 نجوم» أو أكثر، وبما أن الفنادق محاطة بأسوار عالية، فالزائر لا يراها إلا إذا زارها، وسيفاجأ بحدائق تحتاج الى شاعرية المتنبي لوصفها كما وصف «شِعب بوان». واخترت والأصدقاء يوماً أن نقضي النهار قرب بعض قمم جبال أطلس التي تغطي أعاليها الثلوج. واقتربنا من قمة توبقال التي يبلغ ارتفاعها 4167 متراً عن سطح البحر، أي بزيادة أكثر من ألف متر عن القرنة السوداء، أعلى قمم جبال الأرز في لبنان... كل هذا مع أجمل طقس ممكن، فلو أننا طلبناه لما حصلنا على أفضل مما اسْتُقْبِلنا به. لست دليلاً سياحياً فلا أزيد على ما سبق سوى أن مراكش ليست المدينة وحدها فهناك أسواق جديدة توفر للراغب الإنتاج المغربي التقليدي مع الغربي المستورد. رفاق الرحلة فتنوا بجمال مراكش والطبيعة المحيطة بها، وأنا اخترت أن أقرأ الجرائد، ولم يكن هدفي متابعة أحداث الدنيا، وإنما درس خصوصيات اللغة العربية في المغرب فهي تختلف عمّا عندنا في المشرق. قرأت: وطالب فريق «البام» بعقد اجتماعين عاجلين للجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة، ولجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان. الأسماء السابقة تعود الى وزارات، والداخلية والعدل مفهومتان ومستعملتان في المشرق، وأتصور أن السكنى بمعنى الإسكان عندنا، واسم الوزارة الكامل السكنى والتعمير وسياسة المدينة، مع ترجيحي أن آخر كلمتين بمعنى البلديات في المشرق. وأثق أن الجماعات الترابية ليست من حزب الشيخ حسن الترابي. أما «البام» فلم أحاول أن أسبر غورها، مكتفياً بأنها شيء برلماني. أعرف من أعضاء حكومة المغرب رئيس الوزراء السيد عبدالاله بن كيران، الذي رأيته في دافوس قبل سنة، ووزير الخارجية الدكتور سعدالدين العثماني. وأصبحت أعرف بعد قراءتي الصحف أن امحند العنصر وزير الداخيلة، وأن مصطفى الرميد وزير العدل والحريات. قرأت أخباراً كثيرة عن الفساد، حتى أن مجلس المستشارين مهدد بالشلل بعد متابعة أمنائه الثلاثة بتهم الفساد. وقرأت عن اعتقال برلماني متلبساً يتلقى 20 مليون سنتيم رشوة من مقاول، وعن مقاول يتهم مهندساً بابتزازه، وعن شبكة متخصصة بإصدار وثائق عقود زواج مزورة. واعتقدت أنني أمام أحجية وأنا أقرأ «قائد بطاطا يدمر نصباً تذكارياً امازيغياً» ولم أفهم لماذا تحتاج البطاطا أو البطاطس الى قائد، وما مشكلته مع الامازيغ. غير أنني عند قراءة النص وجدت السبب فبطل العجب. وباختصار، فالموضوع هو أن قائداً عسكرياً في طاطا، وهذه إقليم مغربي، دمر نصباً للحرف الامازيغي فثار عليه السكان وطالبوا بنقله. مرة أخرى «وش فقر» فأنا في أجمل مدينة عربية، وأترك القديم والحديث، بل الغناء، لأقارن بين استعمال اللغة العربية في المشرق والمغرب. أقول لكل قارئ قادر أن يزور مراكش، ولن يندم بل سيشكرني، وقد ودعت المدينة وأنا أدندن لحناً ذائعاً كان مغنٍ مغربي ردده أمامي في مطعم الفندق. وتوجهت الى باب «إركاب» في المطار وأنا أدندن «حتى ازيَّك مِسْتَخْسَرها / مِسْتَكْتَرها ما بيقولهاش / اللي في حبّه ضيَّع قلبي / ضيَّع قلبي ورحتِ بلاشْ...». [email protected]