في البلاد التي افسحت المجال للمرأة كي تلعب دورها الطبيعي في ورشة التطور والنمو كثيراً ما نرى شواهد على تفوق النصف الاجمل للمجتمع الانساني. شوارع وجادات ومدارس ومستشفيات ومعاهد وجامعات تحمل اسماء سيدات كانت لهن الأيادي البيض في تحريك عجلة التقدم والتحرر والمعاصرة. وليس اكتشافاً ان العكس صحيح حيثما آثر المجتمع ابقاء نصفه معطلاً أو مبعداً عن الفعل والتفاعل. تلك الخاطرة اول ما يواجه الزائر في جامعة إديث كووان، قرب بيرث، في الشمال الاسترالي. ليس لأن الجامعة تحمل اسم امرأة وحسب، بل لأنها احدى اكثر جامعات العالم حداثة بمعنى التقدم والرؤية واستشراف المستقبل. مدخل المبنى الرئيس تحفة معمارية تنطق بالريادة الجسورة، مما هو روح الرسالة الاجتماعية التي تميزت بها إديث كووان. من بعيد يخيل الى الرائي ان انفجاراً شعاعياً تفحم وتجسّم فوق فضاء المبنى، غير ان المشهد سرعان ما يكشف عن هويته المستمدة من محيطه الطبيعي، فالأعمدة الهائلة المشرئبة على شكل نصف دائرة اوتاد خشبية ذات ضخامة ومتانة تجعلانها قادرة على حضن بناء يطول امتداده مئات الأمتار، وفي تشكيلها الهلامي كسر مقصود لرتابة السهوب المجاورة، علماً انها "ابنة" تلك السهوب، اي من اشجارها الصلدة المئوية. أنشئت الجامعة على الأرض التي شهدت بناء أول مركز تعليمي - حرفي للنساء في غرب استراليا، والبناء المذكور تحوّل مع الزمن الى معهد لتدريب الشرطة، أسسته إديث كووان في مطلع القرن الفائت، ومع انه لم يكن نقطة في بحر انجازاتها اختيرت مساحته المحتشدة باشجار الكينا لاحتواء مباني الادارة والكليات النظرية والتقنية، اضافة الى "بيت الكاتب" الذي يستضيف كاتباً كل سنة، والبيت المذكور هو مسقط رأس إديث جرى نقله بحذافيره الى ارض الجامعة. على أحد وجهي الخمسين دولاراً ثلاث صور رمزية لإديث كووان: المرأة الداعية الى الاصلاح الاجتماعي امام سدة المحاضرات، المرأة الحاضنة اشارة الى تأسيسها مياتم ومدارس للاطفال المعوزين، والمرأة ذات النظرة العطوف وفي الوقت نفسه اللائمة كونها اعتقدت دائماً بأن العمل الاجتماعي لا ينتهي. آمنت إديث كووان 1861-1932 بأن التعليم ونشر المعرفة اساس التصدي للمعضلات الاجتماعية، وبالتالي مفتاح النمو والتغيير والتطور. وكافحت بلا هوادة لتحسين ظروف المرأة والطفل والاسرة والمعوزين والاميين والعجزة، ثم نقلت معركتها الى الدفاع عن حقوق المهاجرين. وكان في طليعة انجازاتها الحصول على حق التصويت للمرأة الاسترالية، تأسيس نواة محكمة القاصرين والأطفال وانشاء الجمعيات النسائية العاملة. وفي عام 1922 انتزعت إديث كووان حصة قانونية للمرأة من مدخول زوجها وكانت اول امرأة تشغل مركزاً قيادياً في المجلس الانكليكاني العالي. وفي الستين من عمرها، بعدما بذلت جهوداً ملحوظة في العمل الانساني خلال الحرب العالمية الأولى، كانت اول امرأة منتخبة في البرلمان الاسترالي حيث انتزعت نص القانون الوطني لاوضاع المرأة عام 1923. تضم جامعة إديث كووان اليوم ثلاثة وعشرين الف طالب بينهم نحو ثلاثة آلاف طالب اجنبي من 80 دولة. وتضم خمس كليات: الاعمال والادارة، الكومبيوتر، الصحة والعلوم، الاتصالات، والصناعة الابداعية، اي كل ما يضمّ الخدمات والتعليم والدراسات الاجتماعية. يقول الطالب في المعلوماتية سلامة علي من البحرين: "لطالما شئت ان أدرس في الخارج، واخترت بيرث لجمالها وخضرتها. الجو في هذه الجامعة رائع، لأنه عالمي، كوني، ليس مع الطلبة وحدهم بل مع الاساتذة والمحاضرين. وكلهم خبراء في ما يعلّمون". من اندونيسيا، راشيل وونغ، تدرس مهنة التعليم العالي، تقول: "ولهذه الجامعة سمعة طيبة جداً في مجال تدريب المعلّم، غرف الكومبيوتر ممتازة ومريحة والمحاضرات ايضاً جذابة، كذلك خدمات المكتبة". واخيراً، من كينيا، جون مبويا، تدرس ادارة الاعمال الدولية، تقول: "اصبح العالم قرية واحدة وعلى كل من يريد ان ينافس في هذه الساحة ان يجهّز نفسه جسدياً وذهنياً واجتماعياً وروحياً وعلمياً، وفي اعتقادي ليس هناك افضل من جامعة إديث كووان لمثل هذه المهمة، فهنا العالم مختصر مفيد ومن دون حروب او مشاحنات!".