تؤكد الخريطة التي أقرتها وزارة الدفاع الاسرائيلية للضفة الغربية المحتلة، بعد اتمام بناء "الجدار الفاصل" ونشرتها صحيفة "معاريف" امس ان الدولة العبرية ماضية في مخططها ابتلاع مساحات كبيرة من الأرض الفلسطينية الى الشرق من حدود الرابع من حزيران يونيو عام 1967 وضم 80 في المئة من المستوطنات والأراضي المحاذية لها غرب الجدار وشطر عدد من القرى الفلسطينية واقامة جيوب استيطانية كثيرة تجعل التواصل الجغرافي بين البلدات الفلسطينية شبه مستحيل وتحول دون اقامة دولة فلسطينية على أكثر من 50 في المئة من مساحة الضفة الغربية. ويتبين مما تنشره "معاريف" ان الجدار سيمتد لمسافة 590 كيلومتراً بتكلفة نحو 1.5 بليون دولار وسيضم الى الجانب الاسرائيلي غالبية المستوطنات مع أكثر من مئتي ألف مستوطن، كما يلتهم عشرات آلاف الدونمات وقرى فلسطينية عدة يقيم فيها اكثر من 70 ألف فلسطيني سيعيشون داخل غيتو واسوار كثيرة لمنع أي احتكاك مع المستوطنين. وتشير الصحيفة الى ان الجدار سيكون ملتوياً ويخترق عمق أراضي الضفة الغربية بجبالها وأوديتها "بهدف شمل أكبر عدد من المستوطنات المقامة فيها تحت السيادة الاسرائيلية". ويشمل مسار الجدار جيوباً استيطانية عدة في "السامرة وغوش عتصيون والقدس". وتقول ان ضم الجيوب الاستيطانية في محيط مستوطنة "ارييل" حيث يرتع اكثر من 40 ألف مستوطن استدعى مد الجدار مئة كيلومتر اضافي يتلوى داخل الضفة من دون ان يكون متواصلاً مع المسار بمحاذاة "الخط الاخضر" حيال المعارضة الاميركية لذلك. ووفقاً للخريطة فإن "جداراً مزدوجاً" سيقام غرب رام الله بزعم حماية المطار الدولي في اللد والحيلولة دون التعرض للطائرات الهابطة أو المقلعة، ما يعني ان القرى الفلسطينية المجاورة للمطار خارج "الخط الأخضر" "ستسجن" بين جدارين، واحد محاذ للخط الأخضر وثان بعمق 9 كيلومترات داخل الأراضي الفلسطينية. وتشير الصحيفة الى ان البناء في هذا المقطع لم يحظ بعد بضوء أخضر اميركي وان ثلاثة خبراء في مجال حماية المطارات وصلوا الى تل ابيب أول من امس وباشروا فحص مسألة تهديد المطار الاسرائيلي ليقدموا لاحقاً توصياتهم للادارة الاميركية لتبت في الخلاف مع تل ابيب. وتقول "معاريف" ان اعطاء ضوء اخضر من واشنطن سيطلق عمل الجرافات في هذه المنطقة في غضون اسبوعين. وتعتبر جهات امنية اسرائيلية اقامة الجدار وفقاً للمسار الذي اقرته وزارة الدفاع أحد أضخم المشاريع الوطنية غير المسبوق بحجمه منذ عشرات السنين. وأبدى المدير العام لوزارة الدفاع عاموس يارون عدم اكتراث لحقيقة ان المسار الذي وضعه بنفسه يجعل حياة عشرات آلاف الفلسطينيين جحيماً لا يطاق، اذ يعزلهم عن ذويهم وأقاربهم ويقطع أرزاقهم. وقال للصحيفة ان الفلسطينيين "هم الذين تسببوا في تدهور الأوضاع الأمنية، واضطرونا الى اتخاذ هذه الاجراءات"، زاعماً ان انزعاجهم الاساسي من اقامة الجدار يعود الى انه "يعرقل تحقيق الرؤية الفلسطينية لدولة ثنائية القومية". وزاد ان المسار حدد وفقاً لمبدأ يقضي بمنح الاسرائيليين اكبر قدر من الحماية على ان يكون داخل الجدار اكبر عدد ممكن من المستوطنين وأقل عدد من الفلسطينيين، زاعماً ان الجدار أقيم لغرض امني وليس لغرض سياسي. في سياق متصل، نقل المعلق السياسي في "هآرتس" ألوف بن عن مسؤولين في الادارة الاميركية ان هناك شكوكاً تساورهم بأن مسار "الجدار الفاصل" جاء مطابقاً تماماً لمواقف رئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل شارون التي طرحها عام 1977 وتقضي بأنه ينبغي السيطرة على المناطق التي تتحكم بالضفة ومنع اقامة دولة فلسطينية في المستقبل. ويستعين المسؤولون بما قرأوه في السيرة الذاتية لشارون باللغة الانكليزية التي حملت عنوان "مقاتل"، اذ ورد على لسان شارون نفسه في جلسة للحكومة برئاسة مناحيم بيغن: "علينا ان نحتفظ بالمرتفعات المطلة على السهل الساحلي شرق تل ابيب وان نقيم عليها سلسلة من المستوطنات الدينية والصناعية". وعلى رغم هذه الشكوك، يكتب المعلق، فإن الادارة الاميركية خففت أخيراً من "حدة تحفظها حيال بناء الجدار" وان النقاش مع تل ابيب انتقل الى "قناة هادئة" عبر السفير الاميركي دان كيرتزر الذي يحض الدولة العبرية على تقليل حجم الضرر اللاحق بالسكان الفلسطينيين على طوال مسار الجدار، مضيفاً ان خفوت حدة المعارضة الاميركية دفع شارون الى الاعلان الاسبوع الجاري في الكنيست ان بناء الجدار سينتهي في غضون عام.