اجتاز مجلس الوزراء اللبناني الشوط الأول من "المبارزة" الرئاسية على مشروع موازنة 2004، بسلام، خلال مناقشات الايام الثلاثة الماضية لبنود وملاحظات رئىس الجمهورية اميل لحود عليه، اضافة الى مطالب الوزراء في هدوء، وسيجتمع مجلس الوزراء الثلثاء لاستكمال البحث. وتمحورت الملاحظات، في اطار المبارزة، على انتقادات للمشروع الذي اعده وزير المال فؤاد السنيورة وأقر فيه بأن الوضع السياسي القائم يعيق مواصلة الاصلاحات المالية. وفيما اتبع رئىس الحكومة رفيق الحريري سياسة استيعابية لملاحظات لحود التي كانت بلغت حد المطالبة بتحويل اعتمادات من رئاسة الحكومة الى وزارة المهجرين كذلك اعتمادات مقررة لمجلس الانماء والاعمار ووزارة الاشغال، حرص لحود امس على الادلاء بمداخلة كان الهدف منها ترجيح التوافق. وأكد على ابعاد التجاذب على الاستحقاق الرئاسي عن مناقشة الموازنة. وقال: "صحيح ان الجو السياسي متأزم في البلد وهناك من يرده الى اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي، لكنني لست طرفاً في هذا السجال على رغم كل الحملات وبعضها تخوضها وسائل اعلام معروفة ومدعومة"، مشيراً الى انه لم يركض وراء قيادة الجيش ولا وراء الرئاسة الاولى وانه لم يطلب في الماضي شيئاً لنفسه ولن يطلب في المستقبل. أعلن رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري أمس، وبعد ثلاثة أيام من مناقشة مجلس الوزراء مشروع الموازنة العامة للعام المقبل، أنه شعر بأن لدى رئيس الجمهورية "توجهاً للسير في عملية الخصخصة ونحن واياه متلاقون على أمر جوهري ان هذا الموضوع تقرره الارقام، فاذا حصلنا على ارقام مناسبة تحافظ على خزينة الدولة فنحن سائرون به والرئيس أيد هذا الكلام. وأيضاً أظهر الرئيس، في موضوع التسنيد استعداداً للسير فيه ليس فقط في ما يتعلق بالخلوي انما بالثابت أيضاً". ونقل عن لحود قوله بعد مناقشة هذا الأمر في شكل واسع: "ان الأوراق لم تأتنا وعندما تأتي سنسير في هذا الأمر". واعتبر ان "ما شهدته البلاد بعد اعلان مشروع الموازنة ليس أمراً غير عادي لكن كيف سترسو؟ سنرى الاسبوع المقبل". وأشار الى ان لحود قدم بعد انتهاء المناقشات، مداخلة عن الوضع الاقليمي ومجمل الموازنة وبعض الامور "التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بها وبأمور عدة لها علاقة بالمرحلة المقبلة اذ هناك أمور موجودة في اللجان وأخرى يفترض ان تصدر في شأنها مشاريع قوانين، لا يوجد أي اشكال عليها". وأشار الحريري الى انه قدم أيضاً مداخلة تتعلق بالوضع الاقليمي الذي "نتفق جميعاً على انه حساس ودقيق لكنه قد يكون مدعاة للقلق، لكن ليس هناك سبب للخوف لأنني اعتقد جازماً بأن الحكمة الموجودة لدى القيادة السورية ولدى المسؤولين اللبنانيين تستطيع ان تقود السفينة الى بر الأمان على رغم حساسية الأمور ودقتها في المرحلة الراهنة". وأضاف: "في المحصلة النهائية هناك طلبات للوزراء قد تصل الى مبالغ تزيد من حجم العجز في الموازنة. كلها طلبات ايجابية ومشروعة ونحن لسنا ضدها بل معها، ولكنْ هناك موضوع كبير لم يتطرق اليه أحد وهو اننا ندفع 4300 بليون ليرة لخدمة الدين. هذا الموضوع يحتاج الى معالجة بطريقة واحدة وهي ان نحصل على كتلة نقدية كبيرة تخفض حجم الدين وتؤدي الى خفض خدمته بنسبة خفض حجمه وأيضاً تخفض نسبة الفائدة على بقية الديون، ما يؤدي الى خفض نسبة الدين العام. أي اذا كنا نتحدث عن 4300 بليون لخدمة الدين في العام 2004 من الممكن ان تكون 2200 او 2500. هناك مبلغ ضخم نصرفه نتيجة عدم السير في برنامج الحكومة المتعلق بالحصول على كتلة نقدية مهمة متأتية من الخصخصة". وعن موضوع الكهرباء قال الحريري: "يجب ان تخصص لأن ثمة أمرين فيها يكلفاننا: الخسارة المتأتية من تشغيل الكهرباء، وحجم الاستثمارات اللازمة للسير في الكهرباء للوصول الى الحد الاقصى من الانتاج وتأمين الكهرباء لكل مواطن وهذه تحتاج الى ملايين الدولارات". وسأل: "لماذا نريد ان تدفع الدولة هذه الأموال بينما يمكننا انجاز ذلك عبر القطاع الخاص. اذا أدير هذا القطاع في شكل جيد وحصلنا على فيول في سعر رخيص فسنربح، وتكون للدولة حصة. ليس في الضرورة ان تخصخص الدولة القطاع كاملاً لكن يجب ان تخرج الدولة وموازنتها من عمليات الخسارة المستمرة من جهة والاسعار العالية التي يدفعها المواطن من جهة ثانية واستمرار دفع مبالغ واقتراض مبالغ من اجل الاستثمار لأن هذه المبالغ غير موجودة لدينا وسنقترضها من السوق وبالتالي سنزيد الدين العام وبالتالي الفوائد وبالتالي خدمة الدين". وقال: "هذه الحلقة يجب ان نخرج منها، وان ننظر الى هذا الأمر بعقل بارد بعيداً من التجاذبات ونسير كالعدالة مقفلين عيوننا وانما نرى فقط الارقام ومصلحة الخزينة والدولة لا غير". واعتبر ان الكلام عن بيع قطاعات الدولة "غير دقيق، فأنا لم أتحدث مرة عن بيع قطاع الخلوي او الثابت بيعاً كاملاً أي ان نتقاضى مبلغاً الآن ونبقى عشرين عاماً من دون ان نأخذ شيئاً، أنا ضدّ البيع الكامل لهذه القطاعات، يجب ان يكون لنا دخل يقارب الدخل الذي نحصل عليه الآن. القانون الذي صدر يجيز للحكومة ان تبيع بالكامل وأعلنت انني ضده في المجلس النيابي، وأعلن مجدداً انني ضدّ ان تبيع الدولة القطاع الخلوي او الثابت بيعاً كاملاً. لا يجوز ان نفعل ذلك لأن هذا القطاع لا يمكن احداً ان يعرف كيف سيكون حجمه بعد عشرين سنة". وأضاف: "يمكن ان نسير في عملية الخصخصة فتحصل الدولة بموجبها علىبملغ معين من مجموع الايرادات سنوياً زائداً ال6 سنت دولار التي نأخذها زائداً الضريبة على القيمة المضافة زائداً الاتصالات الدولية. ومجموع هذه يوازي ما نأخذه الآن، وبالتالي يمكن الدولة ان تحصل على مبلغ الآن وتستمر في الحصول على مبالغ مقاربة للمبالغ التي تحصل عليها الآن سنوياً مدة 20 سنة وبعد ذلك يعود القطاع بالكامل. وتكون أولاً قبضت الآن مبلغاً تستخدمه في خفض الدين واستمرت في القبض كل سنة مبلغاً مقارباً لما تحصل عليه الآن، والاستثمارات تكون من جانب القطاع الخاص والادارة على مسؤوليته وتأخذ الدولة حصة جيدة تبلغ 40 في المئة من الايراد. والأمر نفسه بالنسبة الى موضوع الهاتف الثابت والكهرباء". وعن علاقته برئيس الجمهورية بعد هذه الجلسة، قال: "كل الكلام الذي قلته يوحي بأن الأجواء تميل نحو الايجابية". من وقائع الجلسة وبدأت الجلسة بكلام هادئ للحود، استهله بالاشارة الى الضغوط التي تمارس على لبنان وسورية والمجازر في حق الفلسطينيين، مؤكداً الصمود في مواجهتها "لأننا أصحاب حق لن نتنازل عنه". وأضاف لحود: "ان الجميع الى هذه الطاولة يحملون الخيار السياسي نفسه وأرفض التشكيك بأحد من دون استثناء وأعود وأؤكد اننا فريق عمل واحد ولا مجال للتشكيك أو رسم أية علامة استفهام". وطالب لحود باحياء وزارة التخطيط. وقال ان الوزير كريم بقرادوني اقترح عليه "ضمّ ما هو مخصص في مشروع الموازنة لمجلس الانماء والاعمار ووزارة الأشغال الى صندوق المهجرين". وطالب لحود بخفض الفوائد على الديون، وغمز من قناة وزير المال فؤاد السنيورة "الذي يصوّرني وكأنني ضد الخصخصة والتسنيد"، لافتاً الى انه لا يريد "شلّ البلد أو تجميد كل شيء في السنة الاخيرة" من عهده. ورد الحريري مشيداً بموقف لحود ومنوهاً ببعض ما ورد في ورقة الملاحظات على الموازنة التي قدمها الى مجلس الوزراء، ومشيراً الى ان معظم ما تضمنته قابل للتنفيذ نظراً الى ان هناك قوانين صادرة في شأنه لكنه عارض إحياء وزارة التخطيط لأن هذه التجربة كانت اعتمدت سابقاً في لبنان واعتمدتها دول عدة ثم عادت وتخلت عنها لتضارب في الصلاحيات وفي مجالات العمل والتنفيذ. وفي شأن خفض الفوائد، نقل وزراء عن الحريري قوله للحود: "ما من أحد يقف ضد خفضها لكن تحقيق ذلك يستدعي إغراق السوق بالسيولة في شكل يضطر المصارف الى خفض الفوائد... وأظن ان الطريق الى ذلك يكون من خلال الخصخصة والتسنيد وبعد باريس -2 لم تستدن وزارة المال من المصارف فانخفضت الفائدة". وتدخّل لحود موضحاً: "لم يعرض على مجلس الوزراء سوى خصخصة الهاتف الخلوي وأنا لست ضدّه لكن لا بد من الحفاظ على أكبر نسبة من العائدات للدولة" فأيده الحريري، لكنه عارضه في قانون الخصخصة، مقترحاً ان يناقش في جلسة لاحقة. وأكد الحريري انه ليس ضد إدخال زيادة على الموازنات المخصصة لعدد من الوزارات "لكن علينا ان نفكر بهدوء في كيفية توفير واردات مقابلها وقد يكون الطريق اليها عبر الاسراع في إنجاز الخصخصة". وكان لافتاً ان الوزير جان لوي قرداحي لم يتدخل عندما تطرق الحريري الى موضوع الخلوي كذلك الحال بالنسبة الى السنيورة الذي بقي صامتاً طوال مداخلة لحود. وكان لافتاً ان الحريري أشاد بوزير المال بعدما كان انتقد الورقة التقديمية التي وضعها السنيورة في مشروع قانون الموازنة، نظراً الى تضمينها مواد تتسبب بإلغاء قوانين، الأمر المخالف للدستور. وهذا ما لفت اليه وزير العدل بهيج طبارة ايضاً. وتحدث الوزير مروان حمادة الذي نوّه بكلام لحود والحريري وقال: "ليس هناك من يقف الى جانب انهيار الدولة والفرصة ما زالت مواتية للتعاون والعمل كفريق واحد منسجم ما يمكن ان يبدّل من الصورة العالقة في اذهان اللبنانيين حول خلافات أهل السلطة وغياب التضامن في مجلس الوزراء". وشدّد على ترشيد الانفاق ووقف الهدر والاسراع في إصلاح الادارة، محذراً من أي عمل غير مدروس مذكراً بالمآسي التي سبّبها الانهيار المالي نتيجة قرارات متسرّعة كلّفت الخزينة وأثّرت في الوضع النقدي فانخفضت القوة الشرائية لليرة. وطالب حمادة بإعادة النظر في تكلفة القوى الأمنية مشترطاً مناقشة هذا الموضوع بهدوء وبعيداً من الاستفزاز. وردّ لحود بأن القوى الأمنية لم تكن سبباً في الانهيار المالي الذي أشار اليه حمادة وأوضح الحريري ان الأخير لم يأتِ على ذكرها إنما تحدث في العموميات.