كان يمكن أن تكون الصورة مختلفة تماماً. يرجع وزراء "الترويكا" الأوروبية خائبين. تعبّر وكالة الطاقة الذرية عن استيائها من نقص التعاون الايراني. يذهب الملف الى مجلس الأمن. وتكون الحصيلة قراراً يعيد دفع ايران الى العزلة. ويبرر دراجها على لائحة "محور الشر". ويسهّل للولايات المتحدة البحث في خيارات أشد حماوة. ويبرر لحكومة شارون الاستمرار في النفخ في نار الأزمة. لحسن الحظ لم يحدث ذلك. تصرّفت القيادة الايرانية بوعي ومسؤولية وبراعة. لم تسقط في منطق المبارزة والمنازلة بغض النظر عن موازين القوى والنتائج المحتملة. ولعلها استعادت مجموعة صور. الطائرات الاسرائيلية تقصف في 1981 المفاعل النووي العراقي وتدفن البرنامج برمته. غداة الثورة كان الاصطدام ب"الشيطان الأكبر" مكلفاً على رغم وجود الاتحاد السوفياتي وعالم المعسكرين. كانت الحرب العراقيةالايرانية الطويلة، في شق منها على الأقل، نوعاً من العقاب الأميركي والغربي للثورة التي هددت بتصدير النار. وكانت عقاباً للثورة التي احتجزت الأميركيين رهائن في سفارة بلادهم في طهران وسهلت احتجاز أميركيين في شوارع بيروت. ما كان ممكناً قبل عقدين صار متعذراً اليوم. ما كان ممكناً صار مكلفاً وباهظاً. قرأت القيادة الايرانية المشهد الدولي والاقليمي الراهن. الجيش الأميركي يرابط عند حدودها ويحيط بها من أكثر من اتجاه. ادارة جورج بوش الجامحة يمكن أن تذهب بعيداً خصوصاً اذا تعمق مأزقها في العراق. حكومة شارون لا تتساهل حيال ما تعتبره خطراً على الدولة ووجودها. تملك فوق ذلك، وتحديداً منذ 11 أيلول سبتمبر، قدرة غير عادية على توحيد المواقف مع الادارة الأميركية. اللوحة ليست قاتمة تماماً. قرأت القيادة الايرانية نتائج سياسة الحكمة والتعقل. في حرب الخليج الثانية تفرجت ايران على "عاصفة الصحراء" تدفع الجيش العراقي من الكويت. لاحقاً رفضت الانزلاق الى مواجهة مع "طالبان" بعد استهداف الديبلوماسيين الايرانيين. ابتلعت الاهانة مفضلة انتظار "انتحار" "طالبان" أو مقتلها بأيد أخرى. تفرجت ايران بعد ذلك على النظام الذي حاربها وأرغم ثورتها على الانكفاء الى الداخل يتهاوى تحت ضربات الجيش الأميركي. وكما في افغانستان كذلك في العراق سقط خصومها بأيدي خصومهم ولم يكلفها الربح جندياً أو مرفقاً. برعت القيادة الايرانية في ادارة "الأزمة النووية". أهدت الحل للأوروبيين فقطعت الطريق على إجماع ضدها. أهدت الحل لوزراء فرنسا وألمانيا وبريطانيا فاضطرت واشنطن الى الترحيب بخطوتها. ومن يدري فقد تكون تحتاج الى مزيد من الوقت للتسلل الى النادي النووي في ظروف أخرى. وربما اعتبرت ان عليها تفادي العزلة لجمع المزيد من المكاسب بعد شطب العراق من المعادلة، وارتباك تركيا بطموحاتها في العراق ومخاوفها منه وهبوب رياح عدم الاستقرار في المنطقة. انها البراعة الايرانية تعمل في خدمة دولة ستكون بالتأكيد لاعباً كبيراً في اقليمها إذا أظهرت قدرة على التحول دولة طبيعية.