يمكن التعرُّف الى صوت ديانا كرزون عبر أغنية "نساني ما بنساك" أكثر من أي أغنية أخرى في كاسيتها الجديد. بل يمكن القول ان هذه الأغنية هي بيت القصيد شعراً ولحناً وأداء في الكاسيت. ففي حين غرقت أغان عدة فيه في أمواج متلاطمة من الاقتراحات الأدائية الشعبية أو الرومنسية أو الطربية وغير ذلك فغرق صوت ديانا في تعدّد هويات أو تعدد تأويلات نستطيع اعتبارها تشتتاً لا تنوعاً ضرورياً وأساسياً لكل صوت جديد... حافظت أغنية "نساني ما بنساك" على شخصية متماسكة في المبنى والمعنى وأعطت صوت ديانا نكهة خاصة جداً هي على الأرجح النكهة التي ستُبرز طاقاته في حال التركيز عليها وكشف ما فيها من الجمال، من دون أن يعني ذلك انقطاع ديانا عن أداء أي نوع آخر قد يساعدها في التعرف الى موهبتها أكثر فأكثر. صوت ديانا كرزون في الأغاني الخاصة مختلف عن صوتها في الأغاني المعروفة التي أنشدتها في برنامج "سوبر ستار". هذه ملاحظة غريبة نسبياً، وقد سمعتها ديانا نفسها من أكثر من معلّق أو من شخص عادي من الجمهور الكبير الذي تابعها في البرنامج ثم ابتاع كاسيتها الجديد. لا تعرف ديانا سبب الاختلاف، كما لا يعرفه الكثيرون ممن تنبهوا له. السبب ربما يكون في الاختلاف الحاد بين ما كانت ديانا تغني في البرنامج، وما غنت في كاسيتها الخاص. اختلاف كبير وظاهر وعميق كهذا لا يمكن أن يمر من دون علامة استفهام أو حتى تعجُّب. وإذا كان مبرراً لبعض الجمهور ألا يستطيع تفسير سبب الاختلاف لغياب الهمّ النقدي عنده عموماً، فإن ديانا بوصفها صاحبة الصوت الذي أنشد في البرنامج ثم أنشد في الاستديو ينبغي أن تحدّد ما جرى معها وأن تجد له حلاً أو تفسيراً. فالأغاني الشهيرة أو الخالدة التي اختارتها للبرنامج كانت متميزة وكان هاجس ديانا فيها إبراز الإمكانات الأدائية التي تمتلكها، أما أغاني الكاسيت فقد اختيرت لتناسب أجواء مزاج الجمهور الحالي في العالم العربي، وهو مزاج يجد متعة في العودة الى الماضي الغنائي المعروف عبر أصوات شابة قديرة، لكنه يجد متعة أكبر في الانحياز الى النمط "العصري" أو "الحديث" أو الرائج اليوم إذا ما كان عليه أن يختار للأصوات الشابة لوناً تؤديه وتتراقص فيه، بما يطرح سؤالاً جدياً عن مدى التوازن بين ما يريد الجمهور من المغني أو المغنية عندما يتعلق الأمر بالماضي، وما يريده منهما عندما يتعلّق الأمر بنتاج خاص جديد. في كاسيتها حاولت ديانا كرزون، أو حاولت الشركة المنتجة التي أشرفت على الاختيار والتسجيل والإطلاق الاعلامي، ان تطلّ على أكثر من لون غنائي أملاً في الوصول الى تحديد هوية صوتها المنتظرة بعد الاختبار والتجربة، فذهبت الى مروحة واسعة عموماً من الأغاني ذات المستويات المتعددة نصاً وروحاً، وإن غلبت القاعدة الرومنسية نظراً الى اشتمال صوت ديانا على مؤشراتها المغمّسة بالحنان العاطفي أكثر من المواصفات الأخرى. ولهذا اعتبرنا ان "نساني ما بنساك" وهي للشاعر سمير نخلة والملحن طارق أبو جودة والموزّع الموسيقي هادي شرارة من أجمل أغاني الكاسيت، إذ أظهرت مدى انتساب صوت ديانا الى رومنسية تجلِّل الأغنية ببساطة وعمق معاً، وشهدت على مدى استعداد هذا الصوت لإحداث مسحات من التغيير في ما كاد يسمى ثوابت لا تزحزح من الأداء النطناط المكتسح عالم الغناء العربي اليوم... هذا اذا رأت ديانا انها مؤهلة لهذا الدور الكبير الذي لا يتم بالمصادفة بل بالإصرار، وكذلك اذا رأت شركة الانتاج في نفسها أيضاً حوافز لتأكيد او لابتداع نظرة جديدة لأصوات جديدة ولجمهور جديد. أما إذا كان الأمر مصادفة لا غير، فالفرحة لن تكون طويلة!