تشهد العاصمة الايرانية هذه الايام مهرجاناً للموسيقى الاوروبية في اطار برنامج مشترك مع الاتحاد الاوروبي برئاسة ايطاليا ووزارة الثقافة والارشاد الاسلامي و"مركز الرودكي" شاعر ايراني قديم الثقافي. وعلى رغم طابعها الثقافي، فإن التظاهرة لا تبدو بعيدة من السياسة، التي تشهد توتراً متصاعداً بين طهران وأوروبا. ويبدو ان الاتحاد الاوروبي يسعى الى القول انه في علاقته مع ايران يحاول الفصل ما بين رغباته او الارادات المفروضة عليه في السياسة، وبين الاعتراف بالجوانب الايجابية للجمهورية الاسلامية. ويعد المهرجان تعبيراً واضحاً عن هذا التعاطي، وان كان السفير الايطالي روبرتو سوكانو رئيس اللجنة المنظمة ومندوب الاتحاد الاوروبي، اشار الى ان الجانب الثقافي ليس بعيداً او مفصولاً عما تزخر به الصحف اليومية من أخبار عن صراعات سياسية. الا انه اكد من جانب آخر ان المواضيع الثقافية ترتبط بالمستقبل فيما المسائل السياسية محدودة بالآني. وتشارك في المهرجان فرق موسيقية من فرنساوايطاليا والمانيا وفلندا والنمسا واليونان وقبرص واسبانيا وهولندا، على مدى عشرة ايام ما بين الخامس عشر من شهر تشرين الاول اكتوبر الجاري والرابع والعشرين منه. ولعل المشاركة الابرز ستكون من الموسيقيين الاسبان الذين سيقدمون لوحات من التروبادور والفلامنكو التي تحظى بانصار كثر في الوسط الفني الايراني، ولعلها النوع الموسيقى الوحيد الذي يمتلك مدارس متخصصة لتدريسه موسيقى ورقصاً في ايران منذ فترة طويلة، اضافة الى وجود صفحة الكترونية لهذا النوع الموسيقي تدرج اخبار نشاطات اندية الفلامنكو وموسيقاه غير البعيدة من تأثيرات الحضارة الاسلامية في الاندلس. ويتضمن برنامج المهرجان موسيقى الجاز التي عبر عنها روبرتو سوكانو بالقول ان من الظلم حصرها في القارة السوداء، "بل ان اثرها وصل الى اميركا واوروبا وتداخلت مع شعوب هذه المناطق ما اضفى عليها نكهات خاصة تعبر عن ثقافات هذه الدول والشعوب". لذا فإن المهرجان يعتبر تبادلاً ثقافياً بين هذه الشعوب والشعب الايراني الذي يمتلك تراثاً فنياً وموسيقياً عريقاً. الى جانب ذلك، خصص يوم لموسيقى الغجر يؤديها موسيقيون غجر أتوا من فرنسا، وتتركز حول موسيقى الجيتان والكلوشار. ويركز المسؤولون الايرانيون عن التظاهرة على جانب التبادل الثقافي وحوار الحضارات، كي لا يثار حول الكثير من الشكوك والاعتراضات الداخلية التي قد ترى فيه خرقاً للرسالة الثقافية للثورة الاسلامية. وفي هذا السياق، اشار مندوب الاتحاد الاوروبي الراعي للاحتفال الى "مراعاة الحساسية الايرانية في وضع البرنامج وحتى في اختيار الفرق والاشخاص المشاركين من اوروبا". من جهته، ركز الملحق الثقافي اليوناني في طهران قسطنطين بساليس، على الروابط بين بلاده وايران، اذ اشار الى ان "شعوب ايران ومصر واليونان وايطاليا اقامت حضارات عريقة وسعت حتى قبل اعلان عام 2001 عاماً لحوار الحضارات، الى اقامة تواصل ثقافي وحضاري في ما بينها". ولفت الى اختيار ثلاثة موسيقيين يونانيين ليؤدوا موسيقى وأغاني المناطق اليونانية المختلفة في المهرجان والى وجود عناصر مشتركة بين اليونان وايران في العزف على الآلات الموسيقية مثل العود والكمان والفلوت، "الامر الذي يشجع على اقامة حفلة مشتركة بين الفرقة اليونانية وفرقة ايرانية". يبقى القول عن هذه الاحتفالية الموسيقية انها وان كانت تهدف الى مد جسور التواصل والحوار بين الاتحاد الاوروبي وايران من خلال لغة عالمية تختلف عن لغة السياسة والاتهامات، الا انها تبتعد عن التواصل مع النبض الشعبي العام، وتبقى محصورة في اطار نخبة ثقافية ايرانية ضيقة، بل في وسط مخملي. ومن المعروف في الادبيات الايرانية، خصوصاً في الادب العرفاني او الصوفي، ان الشاعر الايراني الشيرازي حافظ، امتاز عن اقرانه من شعراء الصوفية برفضه اضفاء القدسية الصوفية على الشيخ او القطب الصوفي، وفي المقابل اعلن حبه وتبعيته لشخصية مذمومة لدى الصوفيين هي الرند قد يكون معادلها بالعربية المتسول او الغجري، لاقتدار هذا الاخير على التخلص من المظاهر وعدم الاعتناء بما هو شكلي على عكس شيخ الطريقة. وعليه، ليس غريباً ان تحظى مدينة شيراز - التي تضم قبري حافظ شيرازي المشهور بغزلياته الجميلة والمرهفة، والشيخ الحكيم سعدي الشيرازي، اللذين ينافس شاهدا قبريهما اعمدة قصر كسرى انوشروان في برسبوليس على اطراف المدينة، باهتمام الحركة الثقافية الفرنسية والانشطة التي تقوم بها الملحقية الثقافية في السفارة الفرنسية في طهران. ويشار في هذا الاطار الى ان فريقاً فرنسياً من الموسيقيين الغجر سيقدم في المدينة حفلة مخصصة لموسيقى جاز الغجر والجيتان بمناسبة الاسبوع الثقافي الفرنسي - الالماني. والفريق مؤلف من ثلاثة موسيقيين هم انجلو دي بار، وسيرج كام، وليغوزاتي. ويعتبرون من اهم موسيقيي جاز الغجر وتلاميذ لاستاذ هذا النوع من الموسيقى جانغو راينهارد الذي توفي قبل خمسين عاماً. عاش انجلو دي بار في الاجواء الاصيلة لهذه الموسيقى وأسس فريقاً من خمسة عازفين عام 1984 باسم "كنتت جاز انجلو" وهو ينتمي الى اسرة راينهارد الموسيقية. اما سيرج كام فيعتبر الوحيد في الموسيقى الغجرية في فرنسا، فيما يعد ليغوزاتي الايطالي الاصغر بينهم، وحمل الموسيقى الغجرية عبر الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي السابق واستراليا واوروبا، وحاز جائزة مدرسة sieva jazz عام 1992، وفي عام 1993 حاز الجائزة الوطنية الايطالية summnertimein jazz. فنانون ايرانيون في أوروبا في مقابل الانفتاح الاوروبي نحو طهران على الصعيد الفني والموسيقي، تشهد المرحلة ايضاً انفتاحاً ايرانياً على اوروبا، بطابع موسيقي وفني ايضاً. ويتمركز هذا النشاط المنطلق من طهران كخلفية وارضية له، في العاصمة البريطانية لندن، التي استضافت حفلة ضخمة للمنشد الايراني وأحد أهم اساتذة فن الانشاد والغناء الكلاسيكي الايراني، محمد روضا شجريان البالغ من العمر 63 عاماً، تحت عنوان "طنين الخلود"، رافقته فرقة موسيقية بسيطة مؤلفة من استاذ في العزف على آلة "التار" الايرانية، واستاذ في العزف على الكمنجة ونجل شجريان الذي يرافقه غناء وضرباً على الطبلة. وشجريان المعروف بمواقفه الفنية المميزة، لم يختلف بين ما قبل الثورة وما بعدها في التعاطي مع مؤسسة الاذاعة والتلفزيون، اذ اعلن عن مقاطعته لها ايام الشاه "لدورها في نشر الفن الساقط"، اما في ايام الثورة فعاد الى التعاون معها من خلال بعض الاناشيد الثورية، ليعود بعدها وقبل سبع سنوات، لاعلان مقاطعته للمؤسسة "بسبب ما تمارسه من تشويه لاعماله الفنية وانتهاك حقوق الملكية"، ومنع المؤسسة من الافادة من انتاجه الفني. ويقابل موقفه، معارضة المؤسسات المحافظة له ومحاولاتها عرقلة اي حفلة قد يقيمها، الى جانب عدم وجود اماكن كبيرة تستوعب الجمهور الواسع الذي قد يحضر. ما جعل الفنان يبتعد عن الاضواء ويمتنع عن اقامة اي نشاط في طهران. ومن المعروف ان شجريان نال عام 1999 جائزة بيكاسو من منظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة. وإذا كان شجريان يمثل ظاهرة فنية في الانشاد والغناء الكلاسيكي الذي يستمد مادته من التراث الشعري الايراني الى جانب منتخبات من الشعر الحديث، فإن فرقة "آريان" تعتبر "النقلة النوعية في الحركة الفنية التي بدأت بالظهور قبل اكثر من ست سنوات، وباتت تعرف بحركة البوب الايراني". و"آريان" هي اول فرقة ايرانية لغناء موسيقى الجاز، ولا تتضمن كلمات اغانيها اي تفسيرات عرافانية قد يلجأ اليها البعض لتفسير هذا النوع من الموسيقى، بل هي لا تختلف عن اي كلمات قد تغنيها او تنشدها اي فرقة اجنبية تعتمد موسيقى الجاز كأساس وخلفية فنية لها. وهي كذلك اول فرقة جاز تحصل على ترخيص رسمي من المؤسسات الايرانية المخولة التعاطي مع هذه المسائل. والمميز في الفرقة انها تضم فتاتين شقيقتين، سحر وساناز كاشميري، وهما من المنشدين الاساسيين فيها صوتاً وحضوراً على المسرح، وهو ما يخالف اجماع الفقهاء على ان غناء المرأة امام الغريب من المحرمات باعتبار صوتها "من العورات التي عليها سترها ويجب ألا يسمعها غير المحرم حتى لا تتولد في نفسه اي شهوة او رغبة غير شرعية". ولا تقتصر مشاركة الفتاتين على الحضور في الحفلات في الخارج بل تشاركان في الحفلات التي تقيمها الفرقة في ايران وتحت اعين الجهات المسؤولة. والجدير بالذكر ان "آريان" هي أيضاً اول فرقة ايرانية للجاز تحصل على ترخيص لاقامة حفلة خارج الاراضي الايرانية، وما يشير الى مدى ما وصل اليه الانفتاح الايراني على الصعيد الثقافي والفني. وتجدر الاشارة ايضاً الى ظاهرة جديدة بدأت تنتشر في الاوساط الفنية وعشاق الموسيقى الغربية في ايران، وهي السماح بنشر اغانٍ لمطربين اجانب في البلاد. فبعد ان سادت في السنوات الاخيرة ترجمة كلمات اغاني العديد من المطربين الاجانب وطبعها جنباً الى جنب مع النص الانكليزي منها اغنيات غريس دي برغ وآلتون جون وبنك فلويد وماريا كاري وسيلين ديون وحتى النيرفانا، فإن هذه الايام تشهد الترخيص لاشرطة بعض هؤلاء المغنين من الرجال مثل غريس دي برغ وآلتون جون وبينك فلويد وغيرهم. ومن العرب، حصل شريط اغنية "قارئة الفنجان" لعبدالحليم حافظ على اذن طباعة في ايران، وبدأ الاعلان عنه في المكتبات الفنية والأدبية. وكان سبقه الى الأسواق شريط لبعض اغنيات أم كلثوم.