لم يأتِ اختيار فيلم الايطالي ديل بونو "حرب" لافتتاح مهرجان الاسماعيلية الدولي السابع للافلام التسجيلية والقصيرة. من طريق المصادفة. ففي هذه الدورة الحالية للتظاهرة المصريّة المميّزة التي يسدل عليها الستار هذا المساء، عدد كبير من الأعمال الرافضة للحروب والهازئة بها، وهي محاولات لمد جسور حوار حقيقي بين العالم العربي والغرب والبحث في مسألة الهوية. هموم المرأة أيضاً ذات حضور في المهرجان، وعرضت في الأيام الأولى من الدورة أعمال روائية قصيرة عربية وفرنسية يمكن ادراجها في هذا المحور. وإلى جانب الحرب والمرأة ثمة مواضيع وعناوين مختلفة تتناولها بعض الأفلام لتعبر عن هموم صانعيها، أو هي عرض لأحوال بلاد ومجموعات وأمور مختلفة، وتعتبر محاولة حصر العناوين التي تطرحها أفلام المهرجان مهمة صعبة لارتفاع عددها 76 فيلماً في المسابقة الرسمية و86 في البانوراما، تتفاوت مستوياتها وتختلف لغاتها الفنية. بعضها ينجح، في مدة قصيرة، في جذب الجمهور وايصال رسالته، وبعضها الآخر عادي في مستواه... الا أن هذا العدد الكبير من الأفلام يؤكد أن المهرجان يقدم فرصة كبيرة لهذه النوعية من الأعمال الفنية ويفتح أمامها مجال الوصول الى الجمهور. فالأفلام التسجيلية والروائية القصيرة نادراً ما تجد طريقها الى دور العرض والشاشات الصغيرة في العالم العربي. فلسطين: الحياة مستمرّة العراقوفلسطين حضرتا خلال الدورة المنتهية في عدد من الأفلام السياسية... إضافة إلى الأفلام التي تطرّقت إلى الأحداث العاصفة بهذين البلدين، في سياق تناول الحرب أو اشكالات الهويّة، كان في وسع المشاهد أن يقع على إحالات أكيدة إليهما في أفلام عدّة. الايطالي بيبو ديل بونو عرض فيلمه "حرب" في اطار مهرجان البندقية السينمائي في دورته الأخيرة. ومهرجان الاسماعيلية هو المحطة الثانية للفيلم الذي يقدم من خلاله ديل بونو رؤيته للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي، ومعاناة الشعب الفلسطيني، وضرورة احلال السلام. كل ذلك من دون اللجوء الى المشاهد العنيفة أو الدامية، بل الى فرقته المسرحية التي رافقته في زيارته للقدس ورام الله وشواطئ البحر الميت وخشبة مسرح القصبة في شهر كانون الثاني يناير الماضي. ويستخدم المخرج الايطالي لغة المسرح في فيلمه ليؤكد من خلال عدسة الكاميرا أن الحياة تستمر على رغم الموت، وعلى رغم كل المعوقات والحواجز، يتلاعب بالأضواء والمشاهد والأصوات، ويحيل الرموز السياسية من عصر الى آخر. فمقولة تشي غيفارا صالحة "بالتأكيد" لقضية الشعب الفلسطيني... وقد أبدع ديل بونو في ادارة ممثلين معوقين عقلياً. "تذكّر بغداد" الفيلم الثاني الذي لفت متابعي المهرجان وأثار النقاشات السياسية والفنية حوله هو فيلم سمير العراقي وعنوانه "تذكّر بغداد". سمير العراقي المقيم في سويسرا يذهب إلى تل أبيب ليسأل أربعة عراقيين أعضاء سابقون في الحزب الشيوعي العراقي لماذا هاجروا الى اسرائيل، وينجح في تصوير العنصرية الممارسة ضدهم لمصلحة اليهود الأوروبيين. ويستعيد المخرج العراقي من خلال احالاته الى أرشيف مصور لبغداد القديمة، ومشاهد سينمائية من أفلام مصرية قديمة جزءاً من تاريخ العراق الحديث. مناقشة هذا الفيلم تطول كما يجرى بين بعض المتابعين للمهرجان، لكنه عرف كيف يقدم اسرائيل كدولة تمارس العنصرية ضد جزء من مواطنيها وتستغلهم لمصلحة آخرين. ومن الأفلام التي تبحث عن اجابات عن أسئلة سياسية فيلم اللبنانية كاتيا جرجورة "بين ضفتين". تنتقل الكاميرا بين معسكرين: المنتمون إلى المقاومة التي حررت الجنوب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي والمتعاملون مع الاحتلال، ليعرض كل طرف وجهة نظره. أما المرأة فهي من المحاور البارزة في الأفلام، قد تغيب عن بعض الأعمال لكنها حتماً تطل بين عرض وآخر، ومن أبرز الأفلام في هذا المحور "كلمات الصمت" للفرنسي دومينيك جييو الذي ينجح في فيلمه القصير مدته 13 دقيقة في تصوير انقطاع التواصل بين رجل وامرأته، مستنداً الى فكرة قد تكون استخدمت كثيراً في السينما العالمية، فيطول حدبث الرجل إلى المرأة عن حيرته وعجزه عن ايجاد اجابات عن أسئلة عن برود علاقتهما وضرورة الانفصال... وتبكي هي لنكتشف أنها تقطع البصل. أفلام عن المرأة الفيلم البريطاني "على أطراف الأصابع" كثير التعصب للمرأة، راديكالي في طرحه ومعالجته وفي نهايته التي تقتل الزوج بسقوط زوجته عليه وهي تحاول الانتحار هرباً من اهماله لها وازدرائه بها. وركزت مجموعة من الأفلام المصرية في الأيام الأولى للمهرجان على المواضيع المتعلقة بالمرأة، منها "ليل خارجي" لنورا مراد التي تجمع أربع نساء من أعمار وأوساط مختلفة... إلى "الثلثاء 29 فبراير" لجيهان الأعصر من انتاج المركز القومي للسينما، و"بثينة" لجمال قاسم. خارج اطار عنواني المرأة والسياسة ثمة أفلام كثيرة لفتت الجمهور كالفيلم الفرنسي "حمام شعبي"، والبرازيلي "النافذة المفتوحة" اللذين يصوران تفاصيل مهمة في الحياة اليومية. من الأمور المميزة في المهرجان هذا العام تقديم مجموعة من أفلام التحريك التي تتمتع بمستوى عالٍ من حيث التقنية الفنية والرؤية وحسن اختيار الرواية. وقد يكون أبرز هذه الأفلام "سيد قماش" للاسباني راؤول دييز الذي عرف كيف يوظف الصور والألوان لإبهار متفرجيه، وخير مثال على تميز هذا الفيلم ما قاله بعض المخرجين إنه على رغم تقنياته المادية والتقنية القليلة نجح في تقديم فيلم أجمل من انتاجات شركة ديزني. المهرجان يختتم دورته السابعة مساء اليوم بحفلة توزيع الجوائز... وصباحاً يؤكد الطرح الثقافي - السياسي الذي تعبر عنه بعض الأفلام ، وذلك من خلال الندوة الدولية التي يستضيفها تحت عنوان "تجليات الحداثة وما بعد الحداثة في الفيلم القصير، الخطاب والمسؤولية" ويترأسها المفكر المصري محمود أمين العالم، ويشارك فيها هشام البزري لبنان، الولاياتالمتحدة، وهيرمان بارث ألمانيا، وشارل تيسون فرنسا، وهادي خليل تونس، ومصطفى المسناوي المغرب، ويديرها الناقد سيد سعيد.