تنطلق، مساء غد السبت، في مدينة الإسماعيلية، فعاليات الدورة الثالثة عشرة لمهرجان الإسماعيلية الدولي للفيلم التسجيلي والقصير، والتي تستمر حتى السابع عشر من هذا الشهر. يشارك في المهرجان 97 فيلماً من 41 دولة، جرى اختيارها من بين نحو 1300 فيلم تقدمت للمشاركة، وتعرض هذه الأفلام، التي اختارتها لجان خاصة، في المسابقات الخمس للمهرجان، إذ سيتنافس 34 فيلماً في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة، و19 فيلماً في مسابقة أفلام الصور المتحركة، من دون وجود أي فيلم عربي في هذا القسم، بينما تأتي فرنسا في مقدم المتنافسين في هذا القسم حيث تشارك بخمسة أفلام. وفي حين يشارك 18 فيلماً في مسابقة الأفلام التسجيلية القصيرة، فإن مسابقة الأفلام التجريبية ستشهد تنافساً بين تسعة أفلام، أما في مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة فهناك ستة أفلام. وسيحتفي المهرجان، الذي تنظمه وزارة الثقافة المصرية بالتعاون مع محافظة الإسماعيلية، بأحد أبرز رواد السينما التسجيلية في مصر، وهو مدير التصوير الراحل حسن تلمساني، إذ ستعرض له عشرة أفلام، بينها: «أبو سمبل»، و «تراث الإنسانية»، و «بعث التاريخ»، و «هروب العائلة المقدسة»، و «فن الفلاحين»، كما يعرض له فيلمان قام بإخراجهما العام 1963 وهما: «البحر زاد»، و «يا نيل». ويعد التلمساني اسماً لامعاً في مجال السينما التسجيلية، إذ أنجز، كمدير تصوير وكمخرج، أكثر من 400 فيلم تعد بمثابة أرشيف موثق عن تاريخ مصر، يبرز التحولات والتطورات التي شهدها هذا البلد. ورصدت إدارة المهرجان 60 ألف جنيه مصري للجوائز، يذهب منها 10 آلاف جنيه مصري قيمة الجائزة الكبرى لأحسن فيلم في المهرجان، بينما يتوزع الباقي على جوائز أفضل فيلم في المسابقات الخمس، ومقدار كل واحدة منها 6 آلاف جنيه مصري، إضافة إلى جوائز لجنة التحكيم، وعددها أيضاً خمسة، ومقدار كل واحدة منها 4 آلاف جنيه مصري. وثمة جوائز أخرى تمنحها جمعية السينمائيين التسجيليين المصريين، وجمعية نقاد السينما المصريين، ومركز وسائل الاتصال (آكت)، علماً أن هذه الجهات الثلاث قد شكلت لجان تحكيم خاصة بها، مستقلة عن لجنة التحكيم الرسمية الخاصة بالمهرجان، والتي يرأسها المخرج الكوري سانجي ياب لي، وتضم في عضويتها كلاً من المخرج الهولندي ماركو شورمان، والمخرجة الإسبانية راكيل اجوفرين، وكاتب السيناريو البحريني فريد رمضان، والناقد المصري أحمد يوسف. واختير الفيلم التسجيلي الطويل «ينابيع الشمس» ليكون فيلم الافتتاح، وهو من إنتاج المركز القومي للأفلام التسجيلية في مصر، ويعود إنتاج هذا الفيلم إلى نهاية ستينات القرن الماضي، وهو للمخرج الصيني الراحل جون ثيني الذي عشق القاهرة واستقر بها، ويعد فيلمه وثيقة تاريخية - جغرافية مهمة عن نهر النيل. غياب محيّر يمثل مصر فيلمان هما: «المستعمرة» لأبو بكر شوقي ضمن فئة الأفلام التسجيلية القصيرة، و «شهر 12» لمحمود شكري ضمن فئة الأفلام الروائية القصيرة. والفيلمان من إنتاج المعهد العالي للسينما، وثمة حضور عربي من المغرب والجزائر والسودان وفلسطين والأردن ولبنان والعراق وقطر في أقسام المهرجان المختلفة، فضلاً عن أفلام وافدة من دول أجنبية. وقال مسؤول الإعلام في المهرجان مجدي الشحري في بيان تلقت «الحياة» نسخة منه: «إن المهرجان، الذي يستمر ثمانية أيام، يحظى، هذا العام، بوجود ملحوظ للسينما العربية في مسابقاته الخمس». وفي حين يلحظ غياب سورية «المحير» عن مختلف أنشطة المهرجان، بعدما تعذر الحصول على أي توضيح من مؤسسة السينما السورية في هذا الخصوص، فإن الأفلام العربية المشاركة في مسابقة الفيلم الروائي القصير هي: «ليش صابرين» للفلسطيني مؤيد عليان، ومن المغرب فيلما «جذور» لعز العرب العلوي، و «الكفالة» لنوفل براوي، ومن الجزائر كذلك يحضر فيلمان هما: «قوليلي»، لصبرينة دراوي، و «سكتوا» لخالد بن عيسى. أما في فئة الأفلام التسجيلية، فثمة فيلم «التصوير بواسطة النار» لحسين جيهاني من العراق، و «دايرين السلام» لإياد الداود والذي يمثل السودان، و «رحلة مكان» لندى دوماني، وهو إنتاج مشترك بين لبنان والأردن، و «أنا غزة» لأسماء بسيسو من الأردن. وأوضح البيان ان فيلم «أنا غزة» يتناول «الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، مع التركيز على آثارها على الفلسطينيين من خلال سرد لقصص شخصية لم تهتم بها وسائل الإعلام. كما يلقي الفيلم الضوء على الآثار الجانبية النفسية والاجتماعية على الناس عقب الحرب»، بينما يعالج فيلم «رحلة مكان»، بحسب البيان، قضية «المنفى والاشتياق للعودة إلى الوطن بالنسبة إلى أبناء الشعب العراقي من خلال استعراض لوحات لأربعة فنانين عراقيين تتناول تاريخ العراق». وتتشعب خريطة أفلام المهرجان، إذ تمتد من أميركا مروراً بأوروبا وأفريقيا وصولاً إلى شرق آسيا. وإذا كان من المبكر الحديث عن طبيعة الأفلام المشاركة وتوجهاتها، فإن التصريحات الصادرة عن إدارة المهرجان تظهر أن غالبية هذه الأفلام تخوض في قضايا ملحّة تتفاعل في الأوساط السياسية والإعلامية العالمية من غوانتانامو إلى القضية الفلسطينية وأزمة العراق وصولاً إلى مأساة أفغانستان كما هو الحال بالنسبة الى الفيلم التسجيلي الكندي «يا أمي، التحقيق مع عمر خضر»، الذي يتناول حكاية شاب اتهمته الولاياتالمتحدة بقتل أحد جنودها في أفغانستان، واعتقل في سجن غوانتانامو ست سنوات «تعرض خلالها لأبشع عمليات التعذيب». ولعل ميزة الأفلام التسجيلية والوثائقية، تكمن هنا تحديداً، فهي لا تميل إلى تجميل وجه العالم البشع، بقدر ما تسعى إلى اقتحام المناطق الأكثر حرجاً، وتوثق الحقائق المريرة التي تسطع في ذاكرة المتلقي وضميره، هكذا بكل جرأة ومن دون أي أقنعة زائفة قد تنجح «النهايات السعيدة»، عادة، في رسمها كما يحدث في الأفلام الروائية الطويلة. الفيلم التسجيلي لا يأبه بشباك التذاكر، ولا بالمتفرج الكسول الذي يبحث عن تسلية عابرة. فهو خاسر، على أي حال، بالمقاييس التجارية، لكن مأثرته تكمن في إثارة السجال والقلق والتساؤل حول ملفات نافرة؛ ملتبسة لا تحظى بالرصد الموضوعي في وسائل الإعلام الخاضعة لسيطرة الحكومات والشركات الضخمة والشخصيات المتنفذة، بيد أن الفيلم التسجيلي، الذي ينجز عادة بتكلفة إنتاجية متواضعة، يلتقط حرارة الواقع اليومي بكل بؤسه وشقائه وقسوته، ويتمادى في فضح المسكوت عنه، من دون أن يعني ذلك تجاهل الخيارات الفنية، الجمالية التي يهتدي بها صناع هذا النوع السينمائي في محاولة للتوفيق بين جاذبية الصورة، وخطورة الفكرة. عروض الشارع وقرر منظمو المهرجان إقامة عروض للأفلام في المقاهي والمدارس والأندية، فإلى جانب العروض الأساسية التي سيحتضنها قصر الثقافة في الإسماعيلية (100 كلم شرقي القاهرة)، ثمة عروض أخرى سيتم تنظيمها في أربعة من المقاهي وثلاث مدارس وناديين اجتماعيين والمركز الثقافي الفرنسي والمدارس الفرنسية، إضافة إلى عروض في أربع مدن إقليمية قريبة من الإسماعيلية. يشار إلى أن مهرجان الإسماعيلية، الذي تقام أنشطته في قصر الثقافة في المدينة، استطاع عبر دوراته السابقة أن يحقق مكانة لائقة، نظراً للمعايير الجمالية الدقيقة في اختيار الأفلام، والنزاهة في مجال منح الجوائز، فضلاً عن خصوصية المهرجان المتمثلة في الاحتفاء بمختلف الانتاجات السينمائية العالمية باستثناء «الروائي الطويل» الذي تقام له، ولرموزه، مهرجانات باذخة في أكثر من عاصمة عربية وأجنبية. من هنا يمكن اعتبار «الإسماعيلية»، المهرجان الوحيد من نوعه في منطقة الشرق الأوسط الذي يحظى بهذا التقدير، الأمر الذي «يزيد، دورة بعد دورة، في إقبال صناع السينما من مختلف دول العالم على المشاركة فيه»، كما يقول مدير المهرجان علي أبو شادي، الذي نفى أن تكون التحذيرات من أنفلونزا الخنازير (اتش1 أن1) قد أثرت في حجم المشاركة في هذه الدورة، معتبراً أن «الإسماعيلية» أصبح «يتمتع بسمعة دولية متميزة بين المهرجانات المماثلة والمهتمة بالسينما التسجيلية والقصيرة».