حديث العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قبل أيام عن «تحديات إقليمية خطِرة» تواجه الأردن، وكلامه عن سعي قوى عربية وإقليمية في المنطقة لتدشين «تحالف جديد متطرف»، واضطراره للإعلان عن أن «لدى المملكة أوراق ضغط ستستخدمها في الوقت المناسب»... هو بمنزلة مقاربة قد تكون مختلفة أو جديدة للدور الأردني، في ظلّ تحولات إقليمية مهمة أصابت الإقليم منذ نحو سنتين. السياق الذي جاءت فيه كلمات الملك عبد الله الثاني تتجاوز حَذَراً أردنياً معهوداً في مجال السياسة الخارجية وعلاقات الأردن بالمحيط والإقليم، لكنّ مسوغات هذا التجاوز متوافرة، على اعتبار أن الاعتصام بالحذر مبعثه تحقيق مصالح والإبقاء على توازنات، وفي حال تعثر تلك المصالح والتوازنات فإن «الخروج عن الصمت» لن يكون مفاجئاً، وهو ما وجدناه لدى مقاربة الملك الأردني للعلاقة مع مصر في ضوء ملفين مهمين: واردات الغاز المصرية إلى الأردن، والدور المصري في ترتيب اتفاق تهدئة بين إسرائيل و «حماس» عقب الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة. وإثر التعاطي «السلبي» للقاهرة مع الهواجس الأردنية تجاه هذين الملفين، وجدنا أنّ ملفاً آخر يدخل إلى قائمة الخلافات وهو موضوع العمالة المصرية المخالفة في الأردن وما يتعلق به من ترحيل للمخالفين للإقامة الشرعية أو العمل على تسوية أوضاع من يملكون إقامة شرعية لكنهم لا يعملون في الأعمال المخصصة لهم. وعلى رغم أن اتصالات عدة في الأيام الأخيرة من الرئيس المصري محمد مرسي مع العاهل الأردني قد أثمرت شيئاً من تنفيس الاحتقان الأردني، فإن هذا لا يعني غياب «توتر صامت» وأجواء من عدم الرضا. وثمة ترقب لزيارة إلى الأردن يقوم بها رئيس الوزراء المصري هشام قنديل، يفترض أن تقف على الأسباب التي دفعت عمّان لأنْ تتجاوز حذرها وتخرج عن هدوئها. وثمة تقدير بأن مؤسسة القرار في الأردن تسعى للتعاطي مع الملف السوري بآليات هادئة من شأنها التعويض عن خسارات أو تراجعات في ملفات أخرى، ولعل منها ما نُقل عن الملك في شأن عتابه الشديد للرئيس مرسي، بخصوص تفاعلات الحكم الجديد في مصر مع موضوع العدوان الأخير على غزة، وقد اعتبر الملك أن القيادة المصرية «همّشت الدور الأردني خلال المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، لوقف العدوان الأخير على قطاع غزة». وقال العاهل الأردني إنه أبلغ الرئيس مرسي أن هناك «جيشاً أردنياً في غزة»، في إشارة منه إلى المستشفى الميداني الأردني العامل في القطاع منذ مطلع عام 2009، بحسب ما نقلت صحيفة «الحياة» الأربعاء الماضي. والصحيح أنه لم يقل أحدٌ إن الأردن يملك مفاتيح الأزمة السورية أو أنه الفاعل الرئيسي فيها، لكنّ هذا لا يعني عدم أهمية الدور الأردني؛ فليس ثمة تشاور أو تحرك دوليّ في شأن سورية لم يكن الأردن ضمن المشاركين في ما خلص إليه. وقد كشفت صحيفة «الإندبندنت» في الحادي عشر من الشهر الجاري عن تحالف دولي، يضم الأردن، لدعم نوعي شامل للمعارضين السوريين. هذا الكشف يتزامن مع اعتراف أميركي ب «الائتلاف الوطني السوري» المعارض ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب السوري. الأردن مهتمٌ بذلك؛ لأنّ معناه أولاً، أن ثمة قناعة متزايدة بين الدول الغربية المؤيدة للمعارضة السورية بأن» تدخلاً ما» في سورية أصبح ضرورياً من أجل إعادة صياغة المشهد السياسي فيها مستقبلاً. وإذا كان الأردن الرسمي ضد أي تدخل عسكري خارجي في سورية وضد أي محاولة لتقسيمها أو لتمزيق وحدة الجيش السوري، فإن هذا لا يمنع الحديث عن تقديرات أردنية، عبّر عنها الملك عبد الله الثاني بقوله قبل أيام إن نظام الرئيس بشار الأسد «يملك القدرة الكافية على الصمود عسكرياً لمدة عامين واقتصادياً لأربعة شهور فقط». ثانياً، أن واشنطن التي أعلنت قبل أيام «جبهة النصرة لأهل الشام» القريبة من فكر «القاعدة» تنظيماً إرهابياً، تسابق الزمن في ولاية أوباما الثانية من أجل استباق جماعات الجهاد في سورية قبل أن تقفز لسدّ الفراغ السياسي هناك، كما ذكر تحليل نشرته «واشنطن بوست» (12/12/2012). أردنياً، ينبغي ربط هذه المسألة بما نقلته منابر إعلامية عن مصدر ديبلوماسي بريطاني قوله «إن الخطر من وجود «القاعدة» وقيامها بعمليات في الأردن تزايد خلال الشهور الثلاثة الماضية، حيث بالكاد كان للمنظمة أي وجود هناك». ولا شك أن هذا يرتبط بالملف السوري، وما يُقال عن اتجاه التركيز القاعديّ على سورية بعد التراجع الذي أصاب التنظيم في العراق. ثالثاً، إن فكرة «الانهيار المفاجئ» في سورية، كانت عُقدة في تفكير إدارة أوباما الأولى، بالنظر إلى الدرس القاسي جداً في العراق وأفغانستان، والخوف من «الانهيار المفاجئ» في سورية هو خوف أردني أيضاً، ولدى الأردن قائمة طويلة من المبررات في شأن ذلك، وثمة تقدير لدى إدارة أوباما في ولايته الثانية، كما نقلت «لوس أنجليس تايمز» قبل أيام، بأن اللحاق بركب الداعمين للمعارضة السورية لم يفت بعد، وذلك عقب إدراك واشنطن، على الأرجح، أن سقوط النظام السوري أصبح أقرب من ذي قبل. وفي التفكير الأردني في مرحلة ما بعد الأسد تطلع إلى أنّ «التغيير الآمن» في سورية يفترض أن يخلق ديناميكيات جديدة من شأنها، في المحصلة، إذابة الجليد بين عمّان وبغداد؛ وثمة أوساط سياسية عراقية فاعلة ومهمة تدعو اليوم لعدم القطع مع المعارضة السورية الحالية، وإذا صح التطلع الأردني، فإنه سيخفف من قلق الأردن حيال ما وصفه ملك الأردن ب «تحالف جديد متطرف» في المنطقة. تبقى الإشارة إلى أن المراهنة الأردنية على توسيع مِروحة خيارات السياسة الخارجية تتناغم مع مراهنة، على المستوى الداخلي، على تكثيف الحوار والتفاهمات مع القوى القومية واليسارية والليبرالية في محاولة للتخفيف من حالة الاستعصاء التي وصلت لها ثنائية الدولة الإخوان التي سادت على مدى عقود.