واصلت إسرائيل ذرف الدموع على مقتل الأميركيين الثلاثة في قطاع غزة أول من أمس، ووجد مسؤولوها في الحادثة فرصة أخرى لتحريض واشنطن على اتخاذ اجراءات فعلية ضد السلطة الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات وتأليب الرأي العام الأوروبي ضدهما. ورأى أبرز المعلقين في الصحف العبرية أن الحادثة تعزز قرار الإدارة الأميركية غير المعلن سحب يدها كلياً من لعب دور الوسيط في النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي و"ترك الطرفين يفتك الواحد بالآخر". ولم يتردد وزير العدل الإسرائيلي يوسف لبيد في التصريح بأن انعكاسات العملية على إسرائيل، سياسياً وإعلامياً على الحلبة الدولية، جاءت بفائدة لا يستهان بها. وبدا ان وزير الدفاع شاؤول موفاز انتبه هو الآخر إلى هذه "الفائدة" ليعلن أمس أن الهجوم على القافلة الأميركية هو بمثابة هجوم استهدف قوات الاحتلال ومدنيين إسرائيليين ليكرر تعهده تقديم المعلومات المتوافرة لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية إلى أعضاء "مكتب التحقيقات الفيديرالي" الأميركي اف بي آي الذين وصلوا إلى المنطقة أمس. وكان موفاز ادعى، في اتصالين هاتفيين مع مستشارة الأمن القومي في البيت الأبيض كوندوليزا رايس والسفير الأميركي في تل أبيب دان كيرتزر، أن الفلسطينيين الذين نفذوا العملية عرفوا بكل تأكيد أن القافلة أميركية، لتزعم مصادر أمنية إسرائيلية أيضاً أن الجهة التي نفذت الهجوم خططت له منذ أسبوع و"أنها كانت تنوي المساس بأميركيين وليس بإسرائيليين". وأضافت المصادر ان الاعتقالات التي نفذتها قوات الأمن الفلسطينية في مخيم جباليا أمس في أوساط ناشطي لجان المقاومة الشعبية، ليست سوى "وهمية"، الهدف منها امتصاص غضب الأميركيين، و"ليس أكيداً أن للمعتقلين صلة بالهجوم". وأدلى المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية الياكيم ربونشتاين بدلوه، زاعماً أن السلطة الفلسطينية ستفرج قريباً عن المعتقلين "في غياب سلطة تفرض النظام والقانون". ونقلت الإذاعة العبرية الرسمية عن أوساط سياسية قريبة من رئيس الحكومة ارييل شارون تحميلها الرئيس ياسر عرفات المسؤولية عن العملية ل"رغبته في تدهور الأوضاع واستدعاء قوات دولية إلى مناطق السلطة الفلسطينية"، واعتبرتها تجاوزاً لخط أحمر "ما يحتم على المجتمع الدولي التعاطي معه كما ينبغي". شالوم يدعو مجدداً إلى إبعاد عرفات في سياق متصل، أعرب وزير الخارجية سلفان شالون عن أمله بأن تدرك واشنطن والمجتمع الدولي حقيقة أنه ما دام الرئيس الفلسطيني في المنطقة لن يتحقق الهدوء والسلام، مشيداً بالدعم الأميركي "غير المسبوق في تاريخ العلاقات بين الجانبين"، وبما وصفه التغيير الحاصل في موقف عدد من دول العالم "التي باتت تشاطرنا الرأي ان الإرهاب هو الخطر العالمي الأبرز". وكتب المعلق العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليكس فيشمان أن العملية لن تؤدي إلى أي مكان ولن تُحدث أي منعطف "إنما تشكل محطة أخرى في الانكفاء الأميركي عن التدخل الفاعل في النزاع الشرق الأوسطي"، مضيفاً أن منفذي العملية ارادوا أساساً ادخال المنطقة في دوامة الفوضى. وتابع ان الهجوم أثبت للإدارة الأميركية أنه يمكنها "الخروج" من المنطقة لكن الشرق الأوسط سيلاحقها حتى بيتها واشنطن وأنه من غير الممكن "التخلص من الشرق الأوسط والاختفاء عن الأنظار". وختم أن لا أرباح تجنيها إسرائيل من الهجوم بعد أن اطلق الرئيس جورج بوش يدها في "محاربة الإرهاب" بكل قوة وعلى نحو غير مسبوق واستمع رأيه المؤيد لقصف الطيران الحربي الإسرائيلي دمشق، فيما علاقات الإدارة الأميركية مع السلطة الفلسطينية "في أدنى حال من الصيانة"، ما يعني، بنظر المعلق، أن قطع هذه العلاقات نهائياً ليس سوى ضربة مميتة للجثة. "الهجوم لن يغير سياسة واشنطن" ويتفق المعلق السياسي في "هآرتس" الوف بن مع زميله في تقديراته أن الهجوم لن يؤثر في سياسة واشنطن تجاه النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، بعد أن حصرت تدخلها في "التزام شفوي بخريطة الطريق"، بينما تدخلها الفعلي يكاد يكون معدوماً ويقتصر على مراقبة إسرائيل "لئلا تبالغ في ردها العسكري وخطواتها". ويرى الكاتب أن العملية حصلت في وقت بلغ الدعم الأميركي لإسرائيل ذروته، فواشنطن استعملت الفيتو مرتين لإحباط مشروعي قرار يدينان إسرائيل و"سلّمت ببناء الجدار الفاصل"، وستواصل هذا الدعم حتى الانتخابات الرئاسية "لكن لا يُنتظر أن تمنح حليفتها، قريباً ضوءاً أخضر لطرد ياسر عرفات أو قتله". ورأى عميت كوهين في "معاريف" أن الولاياتالمتحدة "حصدت بذور الكراهية" في الهجوم الذي استهدف قافلة ديبلوماسييها، زاعماً أن الدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل وإمدادها بالأسلحة كفيلان بتهيئة الأرضية والشرعية في الشارع الفلسطيني لتنفيذ الهجوم. وخلص الكاتب إلى الاستنتاج أنه في حال غيّرت واشنطن سياستها الداعمة تجاه إسرائيل، فإن الأخيرة ستتضرر مصالحها، وانه إذا ما أقدمت منظمات الاغاثة الدولية على مغادرة قطاع غزة، فإن إسرائيل ستضطر إلى ملء الفراغ الناشئ للحيلولة دون أن تقوم "حركة المقاومة الإسلامية" حماس بذلك "وإذا اضطر الجيش إلى تقديم المساعدات، فإن ذلك سيؤدي إلى احتكاك اضافي مع الفلسطينيين وتعريض جنوده إلى الخطر".