قررت فرنسا، الغائبة حتى الآن عن فضاء القنوات التلفزيونية، خوض هذا المضمار بقناة دولية ينتظر أن ترى النور خريف 2004. وخطت في هذا الإطار خطوة جديدة ملموسة تمثلت في اختيار قناة "تي اف 1" الخاصة والقناة الثانية العامة في التلفزيون الفرنسي، للعمل معاً على اطلاق القناة الدولية الجديدة. ووقع اختيار السلطات الفرنسية على هاتين القناتين بناء على تقرير أعده النائب برنار بروشان الذي أعلن في مؤتمر صحافي عقده أمس أن القناة الدولية "ستنشأ" بفضل الجهود المشتركة ل"شركة خاصة هي تي اف 1 وشركة عامة، هي القناة الثانية، اللتان ستتقاسمان الحصص بنسبة 50 في المئة" لكل منهما. وقدر كلفة تمويل القناة بحوالى 70 مليون يورو، ولم يكشف مصدر هذا التمويل الذي يعتقد بأنه سيكون من ضمن المواضيع التي سيعمل عليها بالتعاون مع القناتين، في الأشهر الثلاثة المقبلة، بتكليف من السلطات الفرنسية. وقالت مصادر فرنسية مطلعة ل"الحياة" إن الكل يعرف أن انشاء القناة الجديدة يمثل تحدياً مكلفاً، وان ما تحقق في هذا الإطار هو ضوء أخضر سياسي لتوزيع المهمات وآلية تسيير المشروع. ورأت أن المهم هو أن قرار اطلاق القناة اتخذ، وأن هندسة المشروع والتفاصيل المرتبطة به ستحدد لاحقاً من خلال مجموعة العمل التي تضم بروشان والقناتين المختارتين. وكان أمر انشاء هذه القناة محط تكهنات وتشكيك منذ أن أبدى الرئيس جاك شيراك في خطاب ألقاه أمام المجلس الأعلى للفرانكوفونية، أمله بأن تكون لفرنسا قناة تلفزيونية قادرة على منافسة ال"بي بي سي" و"سي ان ان". واعتبر في حينه أن أمنية الرئيس قد تبقى في طور التمني، خصوصاً أن لدى فرنسا أدوات تلفزيونية موجهة إلى الخارج وتنفق عليها أموالاً طائلة، ومنها قناة فرنسا الدولية "سي اف اي" و"تي في 5" وهي مشروع أوروبي مشترك، إضافة إلى "اورونيوز". لكن شيراك أكد مجدداً، خلال استقباله السنوي للصحافة لمناسبة العام الجديد مطلع 2003، رغبته في رؤية قناة تلفزيونية دولية، تشكل نوعاً من المنبر لبلاده على الساحة الدولية، خصوصاً أن الأدوات الموجودة حالياً محدودة التأثير والقدرة على التنافس. وأظهر الالحاح الرئاسي جدواه ابتداء من الربيع الماضي، حين تلقت دائرة تطوير وسائل الإعلام التابعة لرئاسة الحكومة ثلاثة مشاريع أحدها قدمته القناة الثانية وإذاعة فرنسا الدولية، والثاني قدمته "تي اف 1" والقناة الاخبارية التابعة لها "ال سي آي"، والثالث "كانال"" الخاصة والقناة التابعة لها "آي تلفزيون". ونصت العروض الثلاثة على خيار مفاده أن تكون القناة الجديدة إما خاصة مئة في المئة، وإما عامة مئة في المئة، وهذا ما رفضته السلطات الفرنسية عبر الخيار الذي أعلنته أمس وهو مزيج متساو بين الخاص والعام. واعتبر رئيس القناة الثانية ان الخيار الحكومي يؤدي إلى تحالف بين مؤسستين متساويتين، ويبعد عن القناة الجديدة صبغة "التلفزيون الحكومي" الذي رأى فيه بعضهم مشروعاً إعلامياً على "طريقة تشاوتشيسكو"، في إشارة إلى الرئيس الروماني السابق نيكولاي تشاوتشيسكو. ويبقى على المؤسستين "تي اف 1" و"القناة الثانية" أن تجدا سبيلاً للتآلف والتوافق بينهما على رغم الفروق الكبيرة القائمة بين أساليب عمل كل منهما، لاطلاق قناة جديدة تتمتع فعلاً بقدرة على التنافس في مواجهة العملاقتين "بي بي سي" و"سي ان ان" اللتين تتقاسمان السوق. كما يبقى على المشرفين على المشروع تحديد أمور عدة يتوقف عليها نجاح القناة الجديدة، ومنها وظيفتها والجمهور الذي تتوجه إليه واللغة التي ستستخدمها، أي هل تقتصر على الفرنسية أم أنها ستستعين، وفقاً لما ذكر سابقاً، بلغات أخرى ومنها العربية.