مع نهاية كل سنة تزداد تكهنات المراقبين والمحللين بهدف استجلاء المستقبل المجهول الذي يشغل اهتمامات كل البشر في كل مكان. واستندت غالبية التوقعات الى تهديدات الرئيس جورج بوش الذي أوحى في بياناته الرسمية بأن الحرب ضد العراق ستقع حتماً خلال الأشهر الثلاثة الاولى من سنة 2003. ومع ان قبول صدام حسين بقرار مجلس الامن 1441 قد أضعف هذا الاحتمال، الا ان خطاب الرئيس الاميركي الاخير في مجلس الامن القومي، جدّد فرص المواجهة وأحيا ظروف النزاع المسلح. قال ان الرئيس العراقي كذب في الاعلان الذي سلّمه الى الأممالمتحدة، وان مضمونه يتناقض والمعلومات التي في حوزة اميركا. ومعنى هذا ان واشنطن حكمت مسبقاً على فشل مهمة المراقبين، حتى لو ثبت عملياً ان مصانع العراق خالية من اي اثر لاسلحة الدمار الشامل. والسبب ان ادارة بوش اعتمدت في اتهاماتها على الوثائق التي سلّمها لل"سي آي أي" في عمان صهر الرئيس العراقي حسين كامل. العسكريون البريطانيون يتوقعون اعلان ساعة الصفر قبل نهاية شهر شباط فبراير المقبل. ويقول رئيس الاركان الاميرال السير مايكل بويس ان بلاده تجهل الخطة العسكرية الاميركية، وان قواته تقوم بمناورات تحضيرية من دون ان تدري ما هو المطلوب من الحرب. ولقد اعرب عن تخوفه من عدم استكمال الخطة المشتركة، لأن انتشار مئة الف جندي ، لا يعتبر في نظره، استنفاراً كافياً لشن عملية ضخمة. كذلك يرى الوزير الاميركي كولن باول مهندس حرب الخليج الثانية انه من الخطأ استعجال قرار الحرب قبل استكمال التحضيرات اللازمة، لأن ذلك ينطوي على مجازفة كبرى. ويعارضه في هذا الطرح الجنرال تومي فرانكس، رئيس القيادة المركزية الاميركية الذي يحاول تطبيق الخطة التي استخدمها في افغانستان على العراق. والملاحظ ان غالبية الصحف الكبرى برّزت صورته في صدر صفحاتها وقالت انه مكلّف حالياً بمراقبة كل العمليات العسكرية الاميركية في 25 دولة آسيوية وافريقية وشرق اوسطية. وسلّطت مجلة "نيوزويك" الأضواء عليه هذا الاسبوع، معتبرة ان الحظ سيبتسم له في حال نجح في تحقيق انتصار حاسم على العراق. ورشحته مقالات المعجبين بكفاءته لأدوار مختلفة، بينها الدور الذي ختم فيه الجنرال ايزنهاور حياته السياسية. يؤكد المراقبون ان سنة 2003 ستكون سنة الحسم بالنسبة للرئيس الاميركي جورج بوش. ومع ان حربه المُعلنة ضد من يسمّيهم "ارهابيين" لم تتوقف منذ 11 ايلول سبتمبر الا ان نزاعه مع النظام العراقي سيكون مختلفاً عن نزاعه مع نظام "طالبان"، ومع مَنْ انتجه ذلك النظام من عناصر مقلقة للولايات المتحدة ولحلفائها. ولقد أثبتت الاحداث الدموية في باكستان وكينيا واندونيسيا ملهى بالي واليمن وروسيا عملية مسرح موسكو ان اميركا لم تزل غارقة في اوحال افغانستان، وان اسامة بن لادن وانصاره في "القاعدة" ما زالوا يهددون مصالحها ويفرضون عليها خوض القتال على جبهات تتعدى 25 دولة. اضافة الى هذا فإن التغيير الذي أرادته واشنطن ان يكون نموذجاً عبر افغانستان، انتهى خلال العمليات الانتخابية الاخيرة الى افراز تيارات متطرفة مثل الاحزاب الاسلامية في باكستان وحزب العدالة والتنمية في تركيا وحزب "جاناثا بارتي" في الهند. وهذا مؤشر خطير يدل على ان الانتصارات العسكرية وحدها لا يمكن ان تحقق الاستقرار اذا تعامل قادتها مع الشعوب الاخرى باحتقار واستعلاء. وهذا ما حرص الرئيس السابق بيل كلينتون على انتقاده عندما قال: اريد من الولاياتالمتحدة ان تتزعم وتقود لا ان تهيمن وتسيطر. ويتخوف الباحث أناتولي ليفين من معهد "كارنيجي" للسلام ان تبقى سياسة الادارة الاميركية رهينة عقدة احداث 11 ايلول وخاضعة لاملاءات اسرائيل. وهو يقول ان اوروبا تعلّمت الكثير من ماضيها الاستعماري في الهند الصينية والجزائر وافريقيا، وانه على الرئيس بوش الاستفادة من تجاربها التاريخية. ولكن بوش يرفض المنطق الاوروبي ويغلْب عليه المنطق الاسرائيلي لانه يعتبر حجج الضعيف عسكرياً هي دائماً حجج خاطئة. وفي هذا السياق تخشى الدول العربية من ردود فعل الشارع، اذا نجحت صواريخ صدام حسين في جرّ اسرائيل الى المعركة بصورة عملية ظاهرة. علماً بأن محادثات الوزير شاؤول موفاز في واشنطن أقرّت اتفاق التعاون مع تل ابيب في شأن التنسيق والتخطيط للهجوم العسكري على غرب العراق. واتفق موفاز مع نظيره الاميركي دونالد رامسفيلد على فتح "خط ساخن" بينهما اثناء القتال لكي تضع الولاياتالمتحدة حليفتها في صورة المعارك الجارية. ولقد نصحت القيادات الاوروبية الرئيس بوش بضرورة فك ارتباط القوات الاميركية مع اسرائيل اثناء ضرب العراق كما فعل والده سنة 1991 خوفاً من استغلال عملية التنسيق للتباهي بأن جيش الدولة العبرية ساهم في قتل الشعب العراقي المسلم. ومن المؤكد ان صدام حسين سيوظف هذا التعاون ليقول ان الحرب ليست موجهة في شكل اساسي ضد نظامه بل ضد العالم الاسلامي. خصوصاً ان شارون سيفاخر بأنه انتقم لضحايا صواريخ 1991، تماماً كما فاخر مناحيم بيغن بأن تدمير المفاعل النووي العراقي 1981 كانت انتقاماً لعملية يعود تاريخها الى 586 ق.م. اي الى عهد ملك بابل نبوخذ نصر الذي سبى اليهود ودمّر الهيكل الاول في أورشليم. ازمة الرئيس بوش انشغال الرئيس جورج بوش بمتاعب الجبهة الخارجية لا يعفيه من مسؤولية الانتباه الى معالجة الجبهة الداخلية. والثابت من تجارب الرؤساء الاميركيين السابقين ان السنة الثالثة تُعتبر الأهم والأخطر بين السنوات الاربع التي تشكّل فترة الولاية. ذلك انها تمثّل المعيار الصحيح لقدرة الرئيس على خوض معركة التجديد ام لا. ويبدو ان بوش الابن تعلّم الكثير من مزاجية الرأي العام الاميركي الذي تناسى انتصار والده في حرب تحرير الكويت وراح يحاسبه على الازمة الاقتصادية. لهذا أراد ان يعطي الانطباع بأنه نسخة سياسية مختلفة عن والده، وبأن الوضع الداخلي يحتل في سلّم الاولويات كل اهتماماته. ولكن احداث 11 ايلول بدّلت نظرته الى مصادر الخطر بحيث جعل من مقاومة الارهاب المنطلق لسياسة فرض الامن بالقوة المسلحة. ومثل هذا الخيار أجبر الولاياتالمتحدة على الاهتمام بمواقف حلفائها الاوروبيين والعرب بسبب حاجتها لإقامة قواعد في منطقة الشرق الاوسط وحولها. ففي الاسبوع الماضي اعلن البنتاغون عن خطة انشاء عشر قواعد عسكرية تغطي معظم مناطق افغانستان وذلك خلال الشهور الستة المقبلة. والدافع لهذه الخطوة يكمن في محاولات التصدي لخلافات القيادات المحلية التي ترفض الاعتراف بشرعية حكومة حامد كارزاي التي لا يتعدى نفوذها مدينة كابول. من جهة اخرى حذّرت الحكومة البريطانية من ارتفاع كلفة حماية المكاسب الحربية في افغانستان، ومن ازدياد انتقاد المعارضة لفاتورة المشاركة في الحرب ضد العراق. خصوصاً بعد الضجّة الاعلامية التي ارتفعت في الولاياتالمتحدة عقب صدور دراسة اكاديمية تقدّر النفقات المباشرة للحرب بأكثر من 120 بليون دولار. هذا في حال حقق الهجوم العسكري اهدافه خلال فترة لا تزيد على الستة اسابيع. اما اذا امتدت فترة المجابهة واضطرت الدول المنتجة للنفط الى تخفيض انتاجها، الامر الذي يرفع الاسعار الى 40 دولاراً للبرميل، فإن خسارة اميركا ستتضاعف حتماً. ويتخوف الخبراء من اصابة اقتصاديات اليابان ودول شرق آسيا واوروبا بأضرار بالغة. يقول مستشار بوش السياسي كارل روف، ان الرئيس يحلم بإعادة صوغ سياسته الخارجية بطريقة تعزز شعبيته خلال السنة الثالثة من ولايته. ولكن تحقيق هذا الحلم يتوقف على الاسلوب الذي يمكن ان يعالج به الازمات الكبرى مثل ازمة العراق والازمة الفلسطينية وازمة مكافحة الارهاب. وهذا يستلزم بالضرورة وجود سياسية خارجية متزنة ومتوازنة بعكس سياسة التصادم والمناكفة التي يطبّقها كبار الوزراء مثل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ووزير الخارجية كولن باول. وواضح من تصريحات مانسفيلد الاستفزازية انه يريد دفع باول الى الاستقالة لكي يضمن وصول كوندوليزا رايس الى وزارة الخارجية. ويبدو ان تدخّل طوني بلير مع الرئيس بوش حال دون اتخاذه هذه الخطوة التي يعتبرها زعماء اوروبا مقلقة وغير صائبة. والسبب ان ال13 مليون مسلم الذين يعيشون في مدن اوروبا الغربية يتطلّعون الى الوزير باول كصمّام امان قادر على امتصاص رعونة "الصقور" والحد من عدائهم للعرب والمسلمين وتخفيف انحيازهم الاعمى لاسرائيل. وكانت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني قد حذّرت من ان الحرب على العراق قد تزعزع استقرار العالم العربي والاسلامي، وتؤدي بالتالي الى انخراط عناصر جديدة في صفوف "القاعدة" والمنظمات الارهابية، المتواجدة في العواصم الاوروبية. توسيع الاتحاد الاوروبي في عام 2003 يجري الاتحاد الاوروبي خامس محاولة توسع لضم دول اضافية بصورة قانونية وعملية هي: بولندا والمجر وسلوفينيا وسلوفاكيا والجمهورية التشيكية ودول البلطيق الثلاث وقبرص ومالطا. ومع ان انضمام عشر دول جديدة سيزيد من عدد شعوب القارة بنسبة الخمس تقريباً ، كما يزيد مساحة الرقعة الجغرافية بنسبة ربع المساحة الحالية، الا ان الأعباء المالية والاقتصادية المترتبة عن هذا العمل ستؤثر على ديناميكية الاتحاد وسرعة نموه. خصوصاً ان الدول العشر المنضمة حديثاً تُعتبر فقيرة ومتجددة في اقتصاد السوق والممارسات الديموقراطية بالمقارنة مع الدول الخمس عشرة السابقة. ولكي يصار الى ردم هوة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين الجدد والقدامى، فان الجزء الاكبر من المساعدات المالية ستذهب الى دول المنظومة الاشتراكية سابقاً. وهذا يقود الى تباطؤ في حركة التنمية في الدول الصناعية الاوروبية، ومن المتوقع ان تجري مناقشة هذا الموضوع في تسالونيكي اثناء انعقاد قمة الاتحاد الاوروبي في حزيران يونيو المقبل. ومن المؤكد ان طلب انضمام تركيا الى الاتحاد سيكون على رأس قائمة جدول الاعمال. ويتردد في فرنسا ان الرئيس جاك شيراك عرض اقتراحاً مقنعاً يبعد عن زعماء القارة تهمة الطائفية والعنصرية. ويقضي الاقتراح بإدخال تركياوروسيا واوكرانيا وبيلاروسيا في عضوية غير كاملة بعد منحها تسهيلات جمركية ودوراً بارزاً في صوغ سياسة اوروبا الخارجية. دور افريقيا المقلق يجمع المراقبون على القول بأن سنة 2003 تمثّل بداية المنافسة الشرسة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي بهدف الاستيلاء على ثروة الغاز والنفط داخل القارة السوداء. وبما ان نيجيريا تُعتبر اكبر هذه الدول من حيث عدد السكان ووفرة مخزون النفط، فان وضعها السياسي سيؤثر حتماً على كل جاراتها. وهو وضع متقلقل يمكن ان تكشفه انتخابات الرئاسة في آذار مارس على اعتبار ان حزب الرئيس اوباسانجو حزب الشعب الديموقراطي منقسم حول موضوع ترشيحه. وربما ساهمت موجة تطبيق الشريعة الاسلامية في 12 ولاية من ولايات الشمال من اصل 36 ولاية في توسيع حدة الاختلاف داخل الجهاز التشريعي. ويتخوف المراسلون الاجانب من حساسية الوضع الاجتماعي اثر الاحداث التي ادت الى مقتل 215 شخصاً بسبب منع مباراة ملكات الجمال. وكانت تلك الحادثة سبباً لاحياء ذكريات مؤلمة لحرب بيافرا، وما افرزته محاولة انفصال الاقليم من نزاعات طائفية دامية بين القبائل الكبرى الثلاث الهوسا والايبو واليوربا. ويتوقع البيت الابيض ان يحسم اوباسانجو موضوع الاقتراح الذي تقدمت به شركات اميركية عرضت على الرئيس تأمين عملية ترشيحه مقابل وعد بالخروج من منظمة "اوبك" وزيادة انتاج النفط. وعرضت هذه الشركات مبلغ 50 بليون دولار تستثمر خلال عشرين سنة شرط توظيفها بمشاريع تشرف هي على ادارتها. وتتوقع هذه الشركات ان تحلّ هذه الصيغة مشاكل الفساد الاداري والهدر المالي والرشاوى الضخمة. ولكن هذا الحل لن يرضي كبار الضباط، الامر الذي يرشح نيجيريا لأن تكون "يوغوسلافيا افريقيا"، وان تكون انتخابات الرئاسة المقبلة مدخلاً لعودة العسكر من امثال يعقوب قاوون ومحمد نجاري وسياني أباشا. وواضح ان التغيير الذي حصل في كينيا بعد حكم استمر 24 سنة، سيكون له تأثيره على مختلف الأنظمة الاخرى شرط ان يثبت الرئيس الجديد موادي كيباكي انه افضل من دانيال آراب موي. مستقبل القضية الفلسطينية بعد تجميد المبادرة الاميركية "خريطة الطريق" استغلت الحكومة الاسرائيلية الصمت الدولي لمصادرة مساحات ضخمة محيطة بالمستوطنات بحجة "المجال الحيوي للامن الاسرائيلي". ومن المؤكد ان شارون يريد استقطاب اكبر عدد من الناخبين في معركة 28 الجاري، وذلك لقطع الطريق على مرشح حزب "العمل". ولقد استغل قرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية وانشغال الولاياتالمتحدة بأزمة العراق لكي يقيم عوازل الكترونية للمستوطنات ويضم مساحات شاسعة حول "الجدار الواقي" الذي يُقام لفصل الدولة الفلسطينية الصغيرة عن دولة اسرائيل الكبرى. والى ان ينفّذ مشروع "خريطة الطريق" عام 2005 تكون اسرائيل قد تركت للفلسطينيين "ميني دويلة" غير صالحة لبناء مجتمع متواصل متكامل قابل للاستمرار. * * * باختصار هناك شعور عام لدى 250 مليون عربي بأن المنطقة مقبلة على التغيير بعد حرب العراق، ولكن ليس بالضرورة ان يكون هذا التغيير الى الافضل والاحسن. ذلك ان اختفاء صدام حسين سيترك حالاً من الفوضى بسبب تغيير النظام لن يكون افضل من التغيير الذي حدث في افغانستان. وهذا ما تقوله المعارضة العراقية التي تتوقع ان يتأخر وصول الديموقراطية بعد حكم استمر اكثر من ثلاثين سنة. ولكن التغيير في نظرها ينهي حكم الرجل الواحد، ويمهّد لمرحلة انتقالية شبيهة بمرحلة السنوات العشر التي شهدت في روسيا حكم غورباتشيف ويلتسن. الرئيسان شيراك وبوتين يحذّران واشنطن من مخاطر الانتقال السريع في بلاد لم تعرف الا حكم الحاكم الواحد منذ اكثر من ربع قرن. وهناك عشرات القرائن على هذه التجربة التي عانت منها الصومال بعد سياد بري وليبيريا بعد صموئيل دو والزائير بعد موبوتو سيسكو. وكما دخلت هذه الدول في حروب اهلية وصراعات داخلية، فمن المقدّر ألا يكون مصير العراق بعد الحرب افضل من مصير تلك الدول. كاتب وصحافي لبناني.